بغداد/ تميم الحسن
وصل عدد المرشحين لرئاسة الحكومة القادمة 15 مرشحاً، على أن يتم تصفيتهم كمرحلة أولى إلى 3 أسماء، اثنان منهم “احتياط”.
ولا يبدو هناك “سقف زمني” للتصويت على المرشح النهائي، وسط حديث عن تعثر المفاوضات بسبب أحداث “كورمور” في السليمانية.
وبدأ المرشحون الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة المقبلة في توزيع “حصص مفترضة” من المناصب على القوى الشيعية الأخرى في محاولة لحشد الدعم داخل المعسكر.
ووفقاً لمصادر داخل “الإطار التنسيقي”، فإن السباق ينحصر حالياً بين رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد السوداني، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وتصف تلك المصادر المنافسة بأنها “صدام مفتوح”، مشيرة إلى أن اسم الرئيس الجديد قد لا يُحسم إلا بعد أن تهدأ الأجواء داخل “الإطار”، ما قد يدفع القوى المؤثرة نحو “مرشح تسوية” — وهو سيناريو لا يبدو قريباً في الوقت الراهن.
وكان تحالف “الإطار التنسيقي” قد أعلن قبل أسبوعين — وهو تكتل يضم 9 تحالفات رئيسية وبينها “فصائل” — تشكيل الكتلة النيابية الأكبر وبدء مشاوراته لاختيار رئيس الوزراء المقبل.
وفي اليوم التالي، كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني أن ائتلافه، الذي تصدّر نتائج انتخابات 11 تشرين الثاني بحصوله على 46 مقعداً من أصل 329، قد انضم رسمياً إلى “الكتلة البرلمانية الأكبر”.
وبذلك تجاوزت الكتلة الجديدة حاجز 180 مقعداً، لكنها لن تؤمّن الأغلبية البرلمانية المطلوبة للمضي في تشكيل الحكومة المقبلة والتي تتطلب على الأقل 220 مقعداً.
“فلترة” المرشحين
وفي خضم السباق المتسارع لاختيار رئيس الوزراء الجديد، يكشف أحد القياديين داخل “الإطار التنسيقي” عن ملامحٍ أكثر وضوحاً لآليات الاختيار.
وبحسب القيادي طالباً عدم ذكر اسمه، فقد رفعت لجان الإطار عدد المرشحين إلى “15 اسماً”، يخضعون حالياً لجولات من المقابلات والتقييمات الفنية والسياسية.
وتقول المصادر داخل “الإطار” إن هذه اللجان ستعمد إلى تصفية القائمة إلى ثلاثة مرشحين فقط: المرشح “السوبر”، المرشح الاحتياطي الأول، والمرشح الاحتياطي الثاني.
هذه الآلية — التي توصف داخل الإطار بأنها “نموذج عمل مؤسسي” — تهدف إلى تقليل الخلافات المحتملة حول شخصية رئيس الوزراء، وإنتاج معيار توافقي يُلزم جميع الأطراف، بحسب القيادي الشيعي.
ويشير القيادي إلى أن التصويت الداخلي على الأسماء الثلاثة سيُعدّ “خطوة حاسمة”، إذ يضمن أن أي مرشح يتم اختياره لاحقاً يحظى بمباركة الطيف الأوسع داخل التحالف الشيعي، ما يمنع تكرار أزمات “الفيتو السياسي” التي رافقت تشكيل الحكومات السابقة.
وكان “الإطار التنسيقي” قد أعلن في وقت سابق عن تشكيل لجنتين أساسيتين: الأولى مكلّفة باختيار المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، والثانية للتفاوض مع القوى السياسية خارج التحالف. غير أن مصادر ثانية داخل التحالف الشيعي ترى أن هذه اللجان ليست سوى “آلية لشراء الوقت”، أو كما وصفتها إحداها، “محاولة لتشتيت الانتباه ريثما تتبلور صفقة نهائية” بين القوى الأكثر نفوذاً داخل الإطار، وسط زحمة أسماء المرشحين وتباين المواقف بين الأطراف.
وتقول مصادر مقرّبة من “منظمة بدر” بزعامة هادي العامري، و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، إن مزاج الاجتماعات الأخيرة داخل الإطار يعكس مستوى مرتفعاً من التوتر. وأضافت المصادر أن “أجواء الخلافات الحالية توحي بأننا أمام كرة خيط ستزداد تعقيداً كلما مضى الوقت”، في إشارة إلى صعوبة تفكيك الاشتباك السياسي داخل التحالف الشيعي بشأن هوية رئيس الوزراء.
وبحسب هذه المصادر، فإن دائرة المنافسة الفعلية — رغم الضجيج السياسي وكثرة الأسماء المتداولة — ما تزال تنحصر بين شخصيتين فقط: نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون، ومحمد شياع السوداني، رئيس الوزراء المنتهية ولايته.
أما الأسماء الأخرى المطروحة داخل اللجان، فتُوصف بأنها “محاولات اختبار”، حيث تفتقر — حتى الآن — إلى خبرة سياسية مماثلة أو قاعدة نفوذ تُخوّلها منافسة الرجلين الأبرز داخل الإطار.
وتظهر متابعة تحركات القوى الشيعية خلال الأيام الأخيرة ما يمكن وصفه بـ”تباطؤ” ملحوظ في الحسم تجاه اختيار مرشح رئيس الحكومة، بعد وتيرة سريعة بدت في الأيام الأولى التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات قبل نحو أسبوعين. ويقول سياسيون إن هذا البطء لا يعكس فقط خلافات داخلية، بل يرتبط أيضاً بسياقات إقليمية ودولية متسارعة.
بانتظار “سافايا”
وتفيد معلومات من قوى سياسية خارج “الإطار التنسيقي” بأن التطورات الأخيرة في إقليم كردستان — وعلى وجه الخصوص استهداف حقل كورمور الغازي — وما تلاه من اهتمام أميركي واضح بالحادث، قد أدى إلى تعطيل جزء من المشاورات داخل التحالف الشيعي.
وتشير هذه الجهات إلى أن الإطار قد يفضّل التريث بانتظار مؤشرات أميركية أوضح بشأن مستقبل السياسة الأميركية في العراق، وهي مؤشرات يقول سياسيون ومحللون إنها قد تتبلور “قريباً”.
وتزامن ذلك مع تقارير إعلامية تحدثت عن زيارة مرتقبة لمارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى العراق، خلال الأسبوعين المقبلين.
وفي أحدث تصريحات له عبر منصة “إكس”، قال سافايا إن العراق قادر على لعب دور أكبر في المنطقة إذا تمكن من معالجة قضية السلاح غير الخاضع لسلطة الدولة، وإبعاده عن العملية السياسية، باعتبار ذلك شرطاً لبناء دولة قوية قادرة على نيل احترام المجتمع الدولي.
وشدد المبعوث الأميركي على أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يحقق نمواً حقيقياً، ولا لأي شراكة دولية أن تنجح “في بيئة تختلط فيها السياسة مع السلطة غير الرسمية”. ودعا إلى أهمية احترام الآليات الدستورية ومنع التدخلات التي من شأنها تعطيل عملية صناعة القرار وإضعاف استقرار مؤسسات الدولة.
وأضاف سافايا أن على العراق العمل على حماية هيبة مؤسساته الرسمية، لافتاً إلى أن البلاد أمام “فرصة تاريخية” لإغلاق فصل طويل من الفوضى، وصياغة صورة جديدة كدولة يرتكز نظامها على حكم القانون لا حكم السلاح. وبرأيه، فإن العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما الاتجاه نحو مؤسسات قادرة على فرض القانون وجذب الاستثمارات، أو العودة إلى دوامة أخرى من التعقيد والاضطراب.
وفي تغريدة سابقة، قال سافايا إنه تلقى “توجيهات واضحة” خلال لقائه ترامب بمناسبة عيد الشكر، مؤكداً أن “لا مكان لمثل هذه الجماعات المسلحة في العراق”، في إشارة إلى الهجوم على حقل كورمور الذي وصفه بأنه نُفّذ “بأجندات خارجية معادية”.
ومن المتوقع أن تعلن الحكومة، اليوم، نتائج تقرير تقصّي الحقائق بشأن الهجوم الذي استهدف حقل كورمور، في وقت سارعت فيه ما تُعرف بـ”تنسيقية المقاومة” في العراق إلى نفي أي صلة لها بالحادث.
وقالت هذه المجموعات، في بيان لها، إنها غير معنية بالاستهداف، مطالبة في الوقت ذاته بأن تكون جزءاً من منظومة الدفاع الجوي العراقية.
ويُعدّ حقل كورمور أحد أهم الحقول الغازية الحيوية في العراق، ومصدراً رئيسياً لتزويد محطات الكهرباء بالطاقة. وقد تعرّض ليل الأربعاء الماضي لهجوم أدى إلى اندلاع حريق واسع داخل أحد المستودعات، ما تسبب في توقُّف نحو 80% من الإنتاج، وفقاً لبيانات رسمية، من دون تسجيل إصابات بشرية.