بغداد ـ «القدس العربي»: تشهد قرية لاجان في قضاء خبات التابع لمحافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، منّذ عدّة أيام، أوضاعاً أمنية مضطربة تصاعدت عقب الاشتباكات التي اندلعت الأسبوع الماضي بين محتجين ينتمي أغلبهم لعشيرة «الهركي» وقوات أمنية كردية خاصة، أسفرت عن سقوط قتيل وجرحى من المدنيين، وفيما تزخر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بصور ومشاهد مصوّرة توثق نزوح السكان، طمأنت السلطات في الإقليم الأهالي، بأن الوضع مسيطر عليه، وأنها اعتقلت من وصفته بـ«مثير الشغب».
اعتقالات
ووفق وسائل إعلام كردية، فإن قوات أمنية تابعة للحزب «الديمقراطي» الكردستاني، أجبرت سكّان القرية على الخروج منها، وإنها اعتقلت العديد من شباب القرية وأبلغوا الأهالي بأنهم سيقتلون أي شخص لا يمتثل لإجراءات إخلاء القرية.
وكانت عشيرة «الهركي» قد انضمت إلى الاحتجاجات التي اندلعت أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأدت إلى مقتل المتظاهر عرفان بهاء الدين وجرح نحو 15 آخرين.
وأغلقت العشيرة الطريق الرابط بين الموصل وأربيل، وهو طريق منطقة كلك، وكذلك طريق كوير.
وفي تطور لاحق، وثّقت مقاطع مصوّرة انتشرت على منصات التواصل لحظة اشتعال مقر الحزب «الديمقراطي» في قضاء خبات وتصاعد ألسنة اللهب منه، بينما كانت الجموع تهتف ضد الحزب وتحمّله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة.
في حين أعلنت اللجنة الأمنية في محافظة أربيل إلقاء القبض على من وصفته بـ«مثير الشغب» المدعو نيجيروان عيسى ميرمسو أثناء محاولته الهروب إلى كركوك.
وذكرت في بيان، أن «مجموعة من المحرضين حاولت مساء الإثنين إثارة الفوضى وإطلاق النار وحرق أماكن عامة ورسمية في قضاء خبات»، مبينة أن «قوات الأمن سيطرت على الوضع بشكل سلمي».
وأوضحت «أُلقي القبض على مثير الشغب، المدعو نيجيروان عيسى ميرمسو، أثناء فراره عبر كركوك، وتم تقديمه للعدالة»، لافتة إلى أن «الأحداث شجعت الناس على حمل السلاح وتفجير المؤسسات الاقتصادية والوطنية».
وأكدت أنه «سيتم تقديم جميع المتورطين في زعزعة الاستقرار والفوضى إلى العدالة»، مشدّدة على أنه «نترك كشف مؤامرات هذه المجموعة ومن خطط لها للجهات المختصة».
وضمن مساعي احتواء الأزمة، وجّه أعيان ورجال دين في لاجان، رسالة مشتركة إلى الأهالي في القرية، في ظل التوتّر الحاصل فيها، تخللها تحذير لـ«من يحاول إشعال الفتن داخل عشيرة الهركي».
وقالوا إن «العلاقة بين قرية لاجان والحزب الديمقراطي الكردستاني علاقة استراتيجية وروحية، ولا توجد أي مخططات قادرة على التفريق بينهما».
وبينوا أن «أكثر من 90٪ من أفراد عشيرة الهركي من أنصار الحزب، وتاريخ دماء شهدائهم دليل على هذه الحقيقة، ولذلك فهم مستعدون بكل طاقتهم للدفاع عن الحزب».
وطلب الأعيان من سكّان المنطقة «عدم الإصغاء إلى الأصوات المحرّضة، وأن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، لأن الحكومة حكومتهم، ولا توجد أي مشكلة قائمة».
وأشاروا إلى أن «أي جهة خارجية تحاول إثارة الفوضى داخل عشيرة الهركي، فإنهم سيقطعون يدها، وكل من يتسبّب بالفتنة داخل قرية لاجان سيُطرد من القرية».
أما محافظ أربيل أوميد خوشناو، فاعتبر أن الأوضاع في لاجان تتجه نحو الاستقرار، مشدداً على عدم وجود أي أوامر قبض بحق أي من سكان القرية، داعياً في الوقت عينه الأهالي إلى العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم دون خوف.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في القرية، حيث دعا سكان المنطقة للعودة إلى منازلهم «دون خوف»، ورفض جميع «الدعايات التي تتحدث عن إيذاء الناس»، موضحاً أن «وجود القوات الأمنية يهدف فقط لحماية المدنيين والحفاظ على الأمن، وليس لمهاجمة المواطنين».
وانتقد «بعض المؤسسات الإعلامية وفضح محاولاتها تضخيم مشكلة قرية لاجان وخلق توتر في المنطقة»، مشدداً على أن «هذه السيناريوهات لن تؤثر على نجاح الحزب في الانتخابات، وأن شعب كردستان لن ينسى الحقائق».
الأمن يعلن اعتقال «مثير الشغب»… وسجال بين حزبي بارزاني وطالباني
وأشاد بـ«الدور التاريخي لعشيرة الهركي، ووصفهم بأنهم حماة كردستان»، موضحاً أن «أي محاولات للتحدث باسم العشيرة باسم جهات خارجية لن تنجح، وأن أبناء هركي يواجهون المعتدين بأنفسهم ويدركون حقيقة الحكومة والدولة».
وبخصوص الوضع الأمني والأسلحة، أكد محافظ أربيل أنه «لا توجد أي خطط لتوقيف المواطنين، وأن أي مطالب أو مداهمات تتم وفق القانون»، لافتاً إلى «وجود تسجيل للأسلحة، ومعظمها للأسلحة الأمنية، وأن الحكومة ستتصرف بحزم ضد أي استخدام للأسلحة بشكل غير قانوني».
وتعليقاً على تلك الأحداث عبّر «الاتحاد الوطني» الكردستاني عن رفضه للتوتر بين القوات الأمنية والأهالي في لاجان، مؤكداً أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها أسلحة مخصصة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ضد المدنيين.
بيان للحزب أفاد بأنه «تشهد قرية لاجان القريبة من أربيل العاصمة منذ ثلاثة أيام توترات وتحشيدا للقوات بين أهالي القرية وجناح متنفذ في كردستان»، مبينا أن «ما يجري سابقة في تاريخ الصدامات والصراعات والتوترات»، موضحا أنها «المرة الأولى التي تخوض فيها دولة وقرية المواجهات ضد البعض».
وأضاف: «أحد طرفي المواجهة يتمثل في أصحاب الأرض من الأسر والنساء والأطفال الذين يدافعون عن أنفسهم، والطرف الآخر يتمثل في قوة حزبية برداء حكومي متسلحين بكامل الأسلحة التي تسلموها من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» ويتحشدون لحظة بلحظة، معزِزين جبهتهم ضد المدنيين العزل من أبناء قرية لاجان».
حرب غير شرعية
وأكد أن «ما يحصل رغم كونه خرقا لجميع مبادئ حقوق الإنسان وقوانين الحرب، يضع الرئاسات الثلاث في إقليم كردستان، ولا سيما رئيس الإقليم ورئيس الحكومة وسلطة التحالف الدولي وهيئة حقوق الإنسان أمام مسؤولية كبيرة»، مشددا على أن «حربا غير شرعية تشن ضد قرية وسط صمت الحكومة».
وتابع البيان: «ننتظر موقفا مسؤولا لإيقاف تلك المعركة وإنهاء الضغوط على أهالي قرية لاجان»، معتبرا أن «الهدف من تلك التحشدات طرد الأهالي من مناطقهم الأصلية والاستيلاء على القرية من قبل شركة معينة».
على إثر ذلك، رد الحزب «الديمقراطي» الكردستاني، على بيان «الاتحاد» مؤكداً أن القانون في إقليم كردستان فوق الجميع ولا يمكن لأي جهة تجاوزه.
وقال في بيان صحافي إنه «لم يكن يرغب في الرد لولا ما ورد في بيان الاتحاد الوطني من معلومات غير دقيقة وتفسيرات بعيدة عن الحقيقة»، مشيراً إلى أن «الادعاء بتهجير أهالي القرية على يد قوات أمنية تابعة للحزب الديمقراطي لا يستند إلى أي دليل ويتعارض مع الواقع تماماً».
وأكد أن «الإجراء المتخذ في المنطقة كان (إجراءً أمنياً اعتيادياً) ولا علاقة له بأي خلاف سياسي»، مضيفاً أن «القوات الموجودة في قرية لاجان هي قوات حكومية تعمل وفق التعليمات الرسمية فقط، ولا تخضع لسلطة أي طرف حزبي»، معتبرا أن «محاولة تصوير الأمر على أنه صراع حزبي هو أسلوب لا يخدم المصلحة العامة ويمثل محاولة لخلق توتر غير مبرر».
وأشار الديمقراطي الكردستاني إلى أن «عشيرة الهركية تعد من العشائر الكردية الأصيلة التي شاركت في الدفاع عن إقليم كردستان، وأن مكانتها أكبر من أن تُزجّ في أي سجالات سياسية»، مضيفا أن «الأصوات التي تحاول تضليل الرأي العام لا تمثل الدولة ولا المجتمع ولا العشائر».
وختم الحزب بيانه بالدعوة إلى «التحقق من المعلومات وتجنب إثارة الفتنة»، داعياً في الوقت عينه أيضا جميع الأطراف إلى «التحلي بالمسؤولية والحفاظ على وحدة الصف، وتجنب الخطابات التي من شأنها زيادة التوتر»، مؤكداً أن «أمن الإقليم واستقراره مسؤولية مشتركة للجميع».
في غضون ذلك، انتقدت رئيسة كتلة «الجيل الجديد» المعارضة، سروة عبد الواحد، ما يجري في قرية لاجان، معتبرة أنه يشبه «سياسات التهجير القسري للنظام البعثي».
وقالت في «تدوينة» لها إن «اقتلاع الأهالي من بيوتهم بسبب مطالبة شبابهم بالحصول على حقهم في التعيين داخل مصفى يسيطر عليه أحد النافذين، هو ممارسة لا تختلف في جوهرها عن سياسات التهجير القسري التي اتبعها النظام البعثي السابق».
وأضافت أن «السلطة التي تُنكّل بأبناء شعبها، وتتعامل معهم كغرباء في أرضهم، وتستخدم الأجهزة الأمنية لقمع أصواتهم بدل الاستجابة لحقوقهم، هي سلطة فقدت شرعيتها، وتدفع بنفسها نحو الانهيار المحتوم».
كذلك أصدر «تيار الموقف»، بياناً أعرب فيه عن قلقه، واصفاً المشاهد المتداولة بأنها مؤلمة وصادمة.
وحسب البيان فإن «استخدام القوات الأمنية والعسكرية لصالح شركة خاصة، وإفراغ قرية كردية كاملة من سكانها الأصليين، يمثل خطوة خطيرة وغير مسبوقة»، مشيراً إلى أن «مثل هذا النهج لا يمكن قبوله أو تبريره تحت أي ظرف».
وأضاف التيار إن «الضغط الممارس على أهالي لاجان يجب أن يتوقف فوراً»، داعياً «الممثليات الدبلوماسية إلى متابعة ما يجري والتحذير من تداعياته الإنسانية والاجتماعية».
وتابع أن «مصفى لاناز (يقع في المنطقة) وشركات مشابهة حققت أرباحاً بمئات ملايين الدولارات من نفط كردستان، ولا يجوز أن يُهجّر السكان من أراضيهم لمجرد رغبة منشأة أو جهة نافذة».
وختم بيانه بالتأكيد على «ضرورة احترام حقوق السكان المحليين، والاستماع إلى مطالبهم، ومعالجة الأزمة بعيداً عن الحلول القسرية التي تعمّق الاحتقان في المنطقة».
وتقع قرية لاجان على بعد 20 كم غرب مركز أربيل، على الطريق الرابط بين أربيل ومدينة كوير، وهو واحد من الطرق إلى الموصل، وتتوسط القرية مجموعة كبيرة من المصافي النفطية ومنشآت المعالجة، ويسكنها الكثير من أبناء عشيرة الهركي التي سبق أن شهدت علاقاتها بالحكومة توترات مسلحة لم تهدأ إلا بتدخل وساطات رفيعة المستوى.