الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بتدخل واشنطن: ثاني تراجع للفصائل بعد «قانون الحشد» «الإطار» يبحث عن مخرج لتشكيل الحكومة
تغيير حجم الخط     

بتدخل واشنطن: ثاني تراجع للفصائل بعد «قانون الحشد» «الإطار» يبحث عن مخرج لتشكيل الحكومة

القسم الاخباري

مشاركة » السبت ديسمبر 20, 2025 9:32 pm

4.jpg
 
بغداد/ تميم الحسن

في تحوّل لافت هو الثاني من نوعه خلال أشهر، أبدت فصائل مسلّحة مرونة إزاء مطالب أميركية، بعد أن تراجعت سابقاً عن تمرير قانون «الحشد الشعبي».
وخلال الأيام الماضية، صدرت عن عدد من الفصائل خطابات متقاربة في لهجتها، تتحدّث عن «حصر السلاح بيد الدولة»، بالتزامن مع رسائل أميركية مشدّدة لم تستبعد، بحسب مصادر سياسية، الردّ العسكري في حال تجاهل هذه الشروط.
ويُنظر إلى هذا التحوّل على أنه محاولة لاحتواء مأزق متنامٍ يواجه «الإطار التنسيقي»، الساعي إلى الحفاظ على تماسك ما يُعرف بـ»الكتلة الأكبر» داخل البرلمان، والتي تضم في صفوفها قوى مسلّحة.
غير أن هذا التراجع لا يبدو كاملاً. فالفصائل الأربع الأكبر (لاحقاً أصبحت ثلاثاً بعد تغيير موقف إحداها) وبعضها جزء من التحالف الشيعي الحاكم، ما تزال ترفض عملياً تفكيك ترسانتها العسكرية، وهو ما ينذر بوضع الحكومة المقبلة أمام اختبار مبكر وصعب.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت أربع جهات شيعية تمتلك أجنحة مسلّحة، عبر بيانات منفصلة، تأييدها لمبدأ «حصر السلاح»، من دون توضيح آليات التنفيذ أو الجدول الزمني، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات حول جدية هذه المواقف.
وتُقدَّر حصة الفصائل المسلحة بنحو ثلث مقاعد البرلمان الجديد، فيما تشارك ستُّ جماعات منها في تشكيل «الكتلة الأكبر»، مع وجود نوايا لضم قوى إضافية لتعزيز الثقل النيابي.
وأمام القوى الشيعية أقل من شهرين لتسمية رئيس الوزراء الجديد، وسط رسائل أميركية واضحة تشترط أن يكون المرشح بعيداً عن الفصائل المسلحة.
«خطاب تكتيكي»
يرى محللون أن تراجع مواقف الفصائل لا يمكن فصله عن تصاعد الضغوط الأميركية. إذ يقول أحمد الياسري، رئيس المركز العربي–الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، إن ما يجري يمثل «نوعاً من التماهي مع الخطاب الأميركي»، أكثر من كونه تحوّلاً بنيوياً في مواقف هذه الجماعات.
ويضيف الياسري في حديث لـ«المدى» أن «هذه القوى، كلما حققت مكاسب سياسية واقتصادية وحصلت على مواقع داخل البرلمان، لجأت إلى تبنّي خطاب احتوائي أو منسجم مع المطالب الأميركية»، معتبراً أن لغة «حصر السلاح» تأتي في هذا السياق.
وكانت واشنطن قد أعلنت في أكثر من مناسبة أن إشراك فصائل مسلّحة في الحكومة المقبلة سيُظهر خللاً في الشراكة بين البلدين. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية فؤاد حسين إن الولايات المتحدة «ترفض مشاركة الفصائل في الحكومة».
ويضم «الإطار التنسيقي» عدداً من الجماعات التي تمتلك أجنحة مسلحة، أبرزها «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«كتائب سيد الشهداء»، و«الجهاد والبناء»، و«جند الإمام». غير أن الياسري، المقيم في أستراليا، يعتقد أن الخطاب الحالي لهذه القوى «تكتيكي بالدرجة الأولى»، ويهدف إلى تجنب الصدام مع «موجة أميركية قادمة قد لا تستبعد خيارات عسكرية».
وعلى الرغم من ذلك، لا تُخفي الفصائل طموحها السياسي. فبحسب مصادر مطلعة، تسعى هذه الجماعات إلى تقديم مرشح لرئاسة الوزراء أو، على الأقل، ضمان مشاركة مباشرة في الحكومة المقبلة، بعد أن حصدت أكثر من 80 مقعداً في البرلمان الجديد.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، أدلى كل من قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، وشبل الزيدي، زعيم «كتائب الإمام علي»، وحيدر الغراوي، زعيم «أنصار الله الأوفياء»، بخطابات متقاربة دعت جميعها إلى «حصر السلاح بيد الدولة».
وتزامن هذا الخطاب مع قرب إحياء الفصائل الذكرى السنوية السادسة لحادثة «مطار بغداد»، التي اغتالت فيها الولايات المتحدة مطلع 2020، أبو مهدي المهندس، نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، والجنرال الإيراني قاسم سليماني، كما تزامن مع مواقف مماثلة لعمار الحكيم، زعيم تحالف «قوى الدولة»، الذي يضم في صفوفه فصيلاً مسلحاً هو «الجهاد والبناء»، والذي فاز بعدد من المقاعد البرلمانية.
وبحسب تسريبات سياسية، تجري تفاهمات لإشراك الزيدي والغراوي — الذي كان فصيله مدرجاً سابقاً على لائحة العقوبات الأميركية — ضمن «الكتلة الأكبر» التي أعلنها «الإطار التنسيقي» الشهر الماضي. وتشير هذه التسريبات إلى أن إعلان هذه القوى عدم امتلاكها السلاح جاء كشرط غير معلن للانسجام مع المتطلبات الأميركية، وضمان موقعها داخل التحالف الحاكم.
شراكة أمنية
من جانب آخر، يرى الياسري أن ما يجري لا ينفصل عن طبيعة الشراكة القائمة بين بغداد وواشنطن، ولا سيما في ضوء العمليات العسكرية والأمنية الأخيرة في سوريا، والتي وضعت الفصائل المسلحة تحت ضغط مباشر. ويقول إن «العملية المشتركة بين الأميركيين والعراقيين والسوريين تمثل رسالة واضحة وقوية للفصائل، مفادها أن المسار الأمني للحكومة العراقية في المرحلة المقبلة يجب أن يكون متعاوناً مع الولايات المتحدة».
ويضيف أن «ما يحدث هو نوع من فهم الأزمة من قبل الجماعات المسلحة، ومحاولة لتجاوزها من دون خسارة المكاسب السياسية والاقتصادية التي راكمتها خلال السنوات الماضية»، في إشارة إلى التحول المفاجئ في خطاب هذه القوى.
وكانت قوة استخبارية عراقية قد أعلنت، بالتنسيق مع قوات الأمن السورية والتحالف الدولي، تنفيذ إنزال جوي شمال شرقي سوريا أسفر عن اعتقال هدفين وصفتهما بـ«المهمين»، والمطلوبين للقضاء العراقي، بحسب بيان صادر عن خلية الإعلام الأمني. واعتُبرت العملية، في أوساط سياسية، دليلاً إضافياً على مستوى التنسيق الأمني بين بغداد وواشنطن.
ويأتي هذا التحول في مواقف الفصائل بعد سنوات من الخطاب المتشدد بشأن السلاح، حيث سبق أن وصفته بعض هذه الجماعات بأنه «سلاح الإمام المهدي» الذي «لا يُسلَّم إلا للإمام الغائب». كما أن الفصائل نفسها كانت قد تراجعت، خلال الصيف الماضي، عن تمرير قانون «الحشد الشعبي» تحت ضغط أميركي مباشر.
وفي مناسبات سابقة، رفضت هذه الجماعات أيضاً دعوات مرجعية النجف إلى حصر السلاح بيد الدولة. ولتفادي الإحراج، لجأت إلى تأويل خطاب المرجعية، معتبرة أن المقصود هو «سلاح العشائر» أو حتى «سلاح الأميركيين»، كما ذهب إلى ذلك أحد المقربين من الفصائل.
رسائل ضغط
من جهته، يؤكد غازي فيصل، الدبلوماسي السابق، أن تصريحات علنية لمسؤولين أميركيين تشدد على تفكيك التنظيمات المسلحة الخارجة عن إطار القيادة العامة للقوات المسلحة، ومنع مشاركتها في الحكومة المقبلة.
ويقول فيصل إن واشنطن «لا تسمح بإشراك الفصائل في الحكومة القادمة، كما ترفض تكليف رئيس وزراء مقرب من الجماعات المسلحة أو خاضع لتأثيرها»، مشيراً إلى أن المواجهة مع هذه الفصائل لم تعد تقتصر على الجانب الدبلوماسي، بل تمتد إلى أدوات اقتصادية وأمنية وعسكرية.
ويرى أن ما يصدر عن بعض الفصائل من مواقف تتحدث عن «حصر السلاح» يمثل «استجابة منطقية للضغط»، لكنه لا يعني بالضرورة تحولاً شاملاً. فالفصائل الستُّ التي أشار إليها وزير الخارجية فؤاد حسين في إحدى تصريحاته باعتبارها مرفوضة أميركياً، إضافة إلى أربع جماعات صنفتها واشنطن أخيراً كـ«تنظيمات إرهابية أو إرهابيين عالميين»، لا تزال — وفق فيصل — «تصر على عدم تسليم سلاحها والاستمرار في النهج نفسه المنسجم مع الاستراتيجية الإيرانية داخل العراق».
ويشار إلى أن جماعات بارزة، من بينها «كتائب حزب الله»، و«حركة النجباء»، و«كتائب سيد الشهداء» بزعامة أبو آلاء الولائي، القيادي في «الإطار»، والذي فاز بمقاعد في البرلمان، لم تصدر حتى الآن أي تعليق ينسجم مع خطاب نزع السلاح.
وكانت هذه الجماعات قد أطلقت، في مراحل سابقة، خطابات شديدة اللهجة ترفض نزع السلاح، وحذرت من أي تواصل مع المبعوث الأميركي السابق دونالد ترامب إلى بغداد، مارك سافايا، الذي وجّه مراراً تحذيرات من وجود هذه الفصائل. وفي المقابل، كانت جماعة «أنصار الله الأوفياء» الاستثناء الوحيد الذي خرج عن موقف ما يُعرف بـ«المقاومة العراقية»، التي تضم أربعة فصائل رئيسية.
ويشدد فيصل، وهو يرأس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية على أنه «لا يمكن القبول بإسناد أي منصب حكومي لهذه الجماعات، ولا يمكن التعامل معها إلا بهدف تفكيكها ونزع سلاحها»، محذراً من أن أي نشاط عسكري يهدد المصالح الغربية في العراق أو كردستان أو المنطقة «سيقابل برد حاسم».
ويستشهد في هذا السياق بالغارات الأميركية الأخيرة التي استهدفت نحو 70 موقعاً لتنظيم «داعش» في سوريا، عقب مقتل وإصابة ثلاثة جنود أميركيين في تفجير تدمر، معتبراً أن هذه العملية «تؤكد أن واشنطن لن تتهاون في المواجهة المسلحة مع التنظيمات التي تصنفها إرهابية».
ويخلص فيصل إلى أن القبول بنزع السلاح والتحول إلى تنظيمات مدنية سياسية «يمثل خطوة إيجابية لتعزيز دور القوات العراقية، وإنهاء ازدواجية القرار الأمني، وتفكيك ما يُعرف بالدولة العميقة أو الدولة فوق الدولة»، معتبراً أن هذه الفصائل «تُستخدم كأدوات بيد إيران داخل العراق».
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار