بيروت / نعيم برجاوي / الأناضول- لأول مرة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وبيروت الأربعاء، أطلق “حزب الله” صاروخين ردا على الخروقات الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان، في تطور قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويشعل الجبهة مجددا بين الطرفين.
وفي وقت سابق الاثنين، أعلن “حزب الله” في بيان أن “المقاومة الإسلامية نفذت ردا دفاعيا أوليا تحذيريا مستهدفة موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة”.
ولفت الحزب إلى أن هجومه جاء “على إثر الخروقات المتكررة التي يبادر إليها العدو الإسرائيلي لاتفاق وقف الأعمال العدائية منذ فجر نهار الأربعاء والتي تتخذ أشكالاً متعددة منها إطلاق النيران على المدنيين والغارات الجوية في أنحاء مختلفة من لبنان، وبما أن المراجعات للجهات المعنية بوقف هذه الخروقات لم تفلح”.
وتعليقا على الخروقات الإسرائيلية، قال الحزب إنها “أدت إلى استشهاد مواطنين وإصابة آخرين بجراح، إضافة إلى استمرار انتهاك الطائرات المعادية للأجواء اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت”.
وبشأن ما إن كان رد حزب الله على أهداف عسكرية بمنطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة يعد خرقا للاتفاق الأممي 1701 أم لا، إذ يرى منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات “اليونيفيل” الأممية منير شحادة، أن رد الحزب المقاومة لم يخرق القرار الأممي لأنه جاء في منطقة لا تخضع للقرار.
كما يرى مراقبون أن مناطق مزارع شبعا ونظرا للخلاف حولها مع سوريا لا تعد ضمن القرار 1701، ويستدلون بذلك على القرار الأممي رقم 1860 الذي صدر في مايو / أيار 2006، ويشجع الجانب السوري على التجاوب مع مطلب الطرف اللبناني الداعي لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين لا سيّما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها (بينها مزارع شبعا).
ووفق تقارير صحفية لبنانية، فإن بنود اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، تستند إلى القرار الأممي 1701 الذي صدر عام 2006 عقب 33 يوماً من حرب مدمرة بين “حزب الله” وإسرائيل، ويدعو الى إلى وقف كامل للأعمال العدائية بين الطرفين.
ويدعو القرار إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف إطلاق نار دائم وحل طويل الأجل من خلال الاحترام التام للخط الأزرق (على الحدود) من جانب كلا الطرفين واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
** خروقات إسرائيل
استمرت لليوم السادس على التوالي خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، وبلغت الاثنين ما لا يقل عن 7 خروقات للاتفاق، ليرتفع إجمالي خروقاتها إلى ما لا يقل عن 80، وفق إحصائية أعدتها الأناضول استنادا إلى إعلانات وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية حتى مساء الاثنين، بينها استشهاد لبنانيين اثنين وإصابة آخرين، وجرف مسجد بلدة مارون الراس جنوبي لبنان بشكل كامل.
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الإثنين أن “ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية تمثل خرقا فاضحا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن لبنان التزامه به”.
ولفت بري في بيان إلى أن “قوات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بتجريف المنازل في القرى اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة إضافة الى استمرار الطلعات الجوية وتنفيذ غارات استهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية وسقط خلالها شهداء وجرحى”.
وأشار بري إلى أن “الخروقات الإسرائيلية للاتفاق تجاوزت 54 خرقا، بينما لبنان والمقاومة ملتزمون بشكل تام بما تعهدوا به”، داعياً “اللجنة الدولية المكلفة بمراقبة تنفيذ الاتفاق الى إلزام اسرائيل بوقف انتهاكاتها وانسحابها من الأراضي اللبنانية التي تحتلها”.
** تكييف رد حزب الله
رد حزب الله على خروقات إسرائيل في مزارع شبعا المحتلة أثار جدلا قانونيا وعسكريا حول الحرص على “الرد الموزون” في منطقة لا تدخل ضمن إطار القرار الأممي 1701 الذي يستند عليه وقف إطلاق النار الحالي بين إسرائيل ولبنان.
مزارع شبعا المحتلة التي قام حزب الله بقصف أهداف إسرائيلية فيها، تقع على الحدود بين لبنان والجزء المحتل من الجولان السوري، وتشرف على جبل عامل والجليل الأعلى والجزء الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الغربية وهضبة الجولان وسهول البقاع وحوران والحولة.
وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 بقيت مزارع شبعا تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، حيث تعتبرها تل أبيب أرضاً سورية باعتبارها ضمن اتفاق فض الاشتباك عام 1974 وجرى إخضاعها تحت مراقبة قوات الأمم المتحدة.
أما القرار الأممي رقم 1860 الصادر في مايو 2006، فيشجع الحكومة السورية على التجاوب مع مطلب الحكومة اللبنانية الداعي لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين لا سيّما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها (بينها مزارع شبعا).
وفي تقرير لمجلس الأمن في 12 سبتمبر/ أيلول 2006 بشأن تطبيق قرار 1701 أكد الأمين العام للمجلس حينها أن حل قضية مزارع شبعا يلزم التوصل لاتفاق لبناني سوري بشأن ترسيم الحدود الدولي بينهما.
ووفق ذلك، يرى مراقبون أن الخلاف اللبناني السوري حول مزارع شبعا يخرجها من دائرة الاختصاص المتعلقة بالقرار الأممي 1701 الذي يقوم عليه وقف إطلاق النار الحالي بين تل أبيب وبيروت.
غير أن منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات “اليونيفيل” العميد منير شحادة، اعتبر أن “رد المقاومة (حزب الله) جاء في منطقة مزارع شبعا أي في منطقة لا تخضع للقرار 1701 فتكون المقاومة ردت على خروقات إسرائيل دون أن تخرق هذا القرار”.
ولفت شحادة في منشور عبر منصة “أكس” إلى أن “رد المقاومة التحذيري جاء على كل الخروقات الخطيرة التي نفذتها إسرائيل منذ بدء سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار، وبعد اتصالات مكثفة لم تؤتِ بنتيجة”.
** تهديد إسرائيلي
على الجانب الآخر، اتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو حزب الله “بانتهاك خطير” لاتفاق وقف إطلاق النار، متوعداً بأن “إسرائيل سترد بشدة على ذلك”، ما يدفع إلى مزيد من التصعيد غير المرغوب في ظل الاتفاق الهش بين تل أبيب وبيروت.
وقال نتانياهو في بيان صادر عن مكتبه إن “إطلاق حزب الله النار على موقع اسرائيلي يشكّل انتهاكا خطيرا لوقف إطلاق النار، وسوف ترد إسرائيل بشدة على ذلك”.
وفي وقت سابق الاثنين، أبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر بضرورة التزام كل الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن “بارو أكد لساعر في اتصال هاتفي الحاجة ليحترم كل الأطراف اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان”، بعدما نفذت الدولة العبرية سلسلة غارات جوية منذ بدء سريان الاتفاق الأربعاء الماضي، بحسب الوكالة.
ولا يزال الجيش الإسرائيلي موجودا عدد من البلدات اللبنانية القريبة من الحدود الجنوبية كما أنه “يحظر” على اللبنانيين التوجه إلى البلدات التي يحتلها، وفقاً لبيانات يومية يصدرها متحدث الجيش أفيخاي أدرعي.
وفجر 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” أنهى قصفا متبادلا بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في الشهرين الأخيرين.
ومن أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل “حزب الله”، وفق وثيقة حصلت عليها الأناضول من رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، انسحاب إسرائيل تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) خلال 60 يوما، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
وسيكون الجيش اللبناني الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح جنوب لبنان، مع تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها، وإنشاء لجنة للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.