الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
على الرغم من حملة التحريض الإسرائيليّة-الأمريكيّة ضدّ مصر، قيادةً وشعبًا، ما زال صُنّاع القرار في القاهرة يتصرّفون وكأنّ شيئًا لم يكُنْ، فلم نسمع عن تصريحاتٍ لتأديب إسرائيل المارقة بامتياز والمُستكبرة مع علامة الجودة، ولم يُهدِّد هذا المسؤول أوْ ذاك في مصر بسحب السفير من تل أبيب أوْ أيّ شيءٍ لردّ الاعتبار لأكبر دولةٍ عربيّةٍ، تتعرّض لهجمةٍ لئيمةٍ من الأمريكيين وحلفائهم الصهاينة.
ad
والأخطر من ذلك، أنّ دولة الاحتلال أعلنت وبكلّ صلفٍ ووقاحةٍ أنّها بصدد احتلال قطاع غزّة وفرض الحكم العسكريّ عليه، وإقامة مديرية لتسهيل عبور الغزيين إلى خارج فلسطين، أيْ إلى أراضي بلاد الكنانة، وهي خطوة جاءت ردًا على المبادرة المصريّة اتي تمّ الإعلان عنها في مؤتمر القمّة العربيّة الطارئ في القاهرة.
وفي ها السياق، اعتبر المستشرق الإسرائيليّ، تسفي برئيل، أنّ المبعوث الأمريكيّ الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ألقى “قنبلة صادمة قوية زرعت الرعب وأرسلت موجات ارتدادية مزلزلة، وذلك في المقابلة المطولة مع تاكر كارلسون، وفيها وضع القاهرة على “طاولة العمليات، ودونٍ تخديرٍ أوْ إعدادٍ حيثُ قال إنّ مصير المنطقة مرهون بمصير غزة، وإنّ مصر في خطر الآن”، على حدّ تعبيره.
وقال المستشرق في مقال له نشرته صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ ويتكوف أكّد أنّ “كلّ ما حدث في لبنان، مثل تعيين الرئيس الجديد بفضل تصفية السنوار وحسن نصر الله، ينقلب إذا فقدنا مصر”، مضيفًا في الوقت عينه أنّ سبب ذلك يعود لأنّ البلاد بحسب الإحصاءات، توجد “فيها نسبة بطالة عالية جدًا، وفي أوساط الشباب في جيل أقل من الـ25 سنة تصل إلى 25 بالمائة، والدولة لا يمكنها العيش في ظل نسبة بطالة كهذه”.
ad
وجاء في مقابلة ويتكوف قوله عن مصر: “بدرجةٍ كبيرةٍ هم مفلسون وبحاجةٍ كبيرةٍ للمساعدة. إذا كان لدينا حدث سيء في مصر فإنّ هذا سيعيدنا إلى الوراء”، وأكّد المستشرق أنّ “كلّ مكونات الانفجار كانت في هذه الكبسولة اللفظية التي جمعها ويتكوف بمهارة. فربط مستقبل 110 ملايين مواطن مصري بمصير مليونيْ مواطن في غزة كان الجزء الحساس في الإهانة، ومن هنا تطوّر الأمر إلى درجة اعتبار مصر دولةً مفلسةً”.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، أوضح المستشرق أنّه رغم ذلك فإنّ “نسبة البطالة غير دقيقة، لأنّه حسب الإحصاءات الرسمية في مصر التي تظهر في أبحاثٍ غربيّةٍ أيضًا، فإن نسبة البطالة هي 6.3 بالمائة، وفي أوساط الشباب ارتفعت النسبة إلى 14.5 بالمائة، والتشخيص الصادم، الذي يؤكّد على أنّ مصر لن تتمكن من الاستمرار مع نسبة بطالةٍ كهذه، وأخيرًا هناك الإشارة الخفية ولكن المهددة، اعتماد مصر على المساعدات، الأمريكية بالطبع”.
علاوة على ذلك، مضى المستشرق الإسرائيليّ قائلاً إنّه “في مصر شاهدوا علاقة مباشرة بين نشر المقابلة وبين التقرير الذي نشر قبل يومٍ في صحيفة (الأخبار) اللبنانيّة، المقربة من حزب الله، الذي بحسبه مصر وافقت بشكلٍ مؤقتٍ على استيعاب نصف مليون غزي في مدينة ستتم إقامتها في شبه جزيرة سيناء، ومصر خرجت عن أطوارها كي تنفي رسميًا هذا التقرير، وتلقت بالتحديد من ويتكوف صفعة هزتها، إلّا أنّ الردود لم تتأخر”.
وأشار المستشرق، الذي يعمل محللاً للشؤون العربيّة بالصحيفة العبريّة، إلى أنّ الخشية في مصر تكمن في قيام إسرائيل بمبادرتها بفتح منافذ من قطاع غزّة إلى مصر وتسمح للفلسطينيين الراغبين بالانتقال إلى مصر بالعبور عبرها، وتابع قائلاً إنّه إذا تحقق هذا السيناريو فإنّ مصر ستكون أمام خياريْن اثنيْن: الأوّل، استيعاب مئات آلاف اللاجئين، أوْ مرابطة الجيش على الحدود ومنع اللاجئين من الدخول إلى الأراضي المصريّة، مؤكِّدًا في ذات الوقت على أنّ تأثير الخياريْن المذكوريْن على العلاقات بين تل أبيب والقاهرة سيكون وخيمًا للغاية، على حدّ تعبير المصادر الإسرائيليّة التي اعتمد عليها بارئيل في تحليله.
وشدّدّ المستشرق على أنّ السبب الرئيسيّ الذي يدفع مصر لرفض قبول اللاجئين الفلسطينيين يرتبط بمواقف الدول الربيّة الأخرى، وفي المقدمة السعوديّة، التي تنتهج السياسة الأكثر صلابةً ضدّ خطّة الترانسفير، لافتًا إلى أنّ ترامب وويتوكوف يعرفان جيّدًا موقف المملكة، التي يتعلّق بها ترسيم السياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط، كما قال.
وخلُص المستشرق إلى القول إنّ هذا الأمر يُعتبر أمرًا سيئًا للغاية بالنسبة لمصر، وهو عمليًا الأمر الذي يحذّر منه ويتكوف، ولذا، أضاف، يتحتّم على الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب ومبعوثه الخّاص للشرق الأوسط أنْ يوضحا بشكلٍ لا لبس فيه، أنّ كلّ تهجيرٍ، طوعيًا كان أمْ قسريًا، سيكون مرفوضًا من قبل الإدارة في واشنطن، ولا يندرج ضمن خطّة عمل البيت الأبيض، طبقًا لأقواله.