الناصرة- “القدس العربي”: ماذا استفادت إسرائيل ورئيس حكومتها نتنياهو، وماذا استفادت الولايات المتحدة ورئيسها ترامب من هذا اللقاء الثاني بينهما خلال الولاية الحالية في الليلة الفائتة؟ لو كان نتنياهو رئيسًا للمعارضة في إسرائيل لكانت حملته على “الاجتماع الفاشل”، وعلى من يكون مكانه في رئاسة الوزراء في ذروتها الآن.
بخلاف التوقعات، سيعود نتنياهو من واشنطن دون تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على إسرائيل، ومع قرار أمريكي بفتح مفاوضات مباشرة مع قائدة “محور الشر”، طبقًا للقاموس الإسرائيلي- الأمريكي، إيران.
إسرائيل بشكل عام، وبالتأكيد نتنياهو، كانت تريد أن تصطدم الولايات المتحدة بإيران، وتدمّر مشروعها النووي، بدلًا من فتح مفاوضات مباشرة ربما تنتهي باتفاق يطيل عمر المشروع النووي ويفرض رقابة مشدّدة أكثر عليه وسط رفع للعقوبات الاقتصادية ما يعزّز اقتصادها.
لو كان نتنياهو رئيسًا للمعارضة في إسرائيل لكانت حملته على الاجتماع الفاشل وعلى من يكون مكانه في رئاسة الوزراء في ذروتها الآن
نتنياهو، الذي أقنع ترامب في 2016 بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وجد نفسه اليوم أمام رغبة أمريكية بالعودة لاتفاق جديد معها، فترامب لا يحبذ الحروب الطويلة، خاصة إذا ما هددت مصالح أمريكية كبرى في الخليج، وهددت أحلامه بجائزة نوبل للسلام، وكل ذلك بخلاف الرغبة الإسرائيلية التي تخشى من المفاوضات، ومن نجاح إيران في كسب الوقت، ومن بلوغ اتفاق يخدم عدوتها أكثر مما يخدم أطماعها.
نتنياهو، الذي التزم الصمت طيلة معظم ساعة اللقاء الذي تحوّل لمؤتمر صحافي، ربما خوفًا من التورّط بكلمات تغضب ترامب، لم يبد متفاجئًا بكشف الرئيس الأمريكي عن المفاوضات المباشرة مع طهران، يوم السبت، في عمان، لكنه فوجئ داخل الاجتماع المغلق، قبيل اللقاء المتلفز، بالمسار الدبلوماسي الذي يستبدل الخيار العسكري المشتهى من قبله، وفق تأكيدات مصادر إسرائيلية، اليوم الثلاثاء.
يشار هنا إلى أن ترامب كان، غداة انتخابه، قد شارك بنشر مقال لأكاديمي أمريكي بارز اتهم نتنياهو بمحاولة جرّ أمريكا لحرب مع إيران كما فعل في حرب العراق.
الرسوم على حالها
كذلك، وبخلاف شهوة نتنياهو، والتوقعات العالية التي أنتجها هو ومقربوه وأبواقه، رفض ترامب، في ردّ على سؤال صحافي مباشر، خفض الرسوم الجمركية التي أعلنها على إسرائيل أيضًا، قبل أيام، وأشار إلى أنها تحصل على أربعة مليارات دولار سنويًا، وهو ينظر لنتنياهو ويهنّئه بذلك.
كذلك، وبما يتعلّق بغزة ومستقبل العدوان عليها والصفقة، لم يبادر ترامب لفرض وقف الحرب، بل ترك الصورة غائمة، وأنتجت أقواله علامات سؤال، ومكانًا للتأويلات، بدلًا من أجوبة واضحة، رغم أن الحرب وصلت، أمس، العام ونصف العام والنزيف ما زال مفتوحًا.
في هذا المضمار، قال ترامب، الذي سبق ووعد عائلات المحتجزين بتحرير المتبقّين منهم، إنه يريد رؤية الحرب تنتهي قريبًا، وإن المداولات مسيرة طويلة، وقد هزّته شهادات المفرج عنهم، و”نحن نحاول جلبهم كلهم، ونأمل أن ننجح. حاليًا هذه مشكلة كبيرة”.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ عاد وتحدّث بلغة رجل مال وأعمال عن خطة التهجير، وعن ريفييرا، ومكان جميل خالٍ من السكان. تحدث ترامب عن الوجع، لكنه، ومقارنة مع إيران، والجمارك، لم يركّز على قضية الرهائن وغزة لتحقيق صفقة جديدة، بخلاف المرة الماضية.
ثم انتقل للحديث مطولًا عن الحوثيين، وكرّر المزاعم عن معاملة “حماس” للمحتجزين.
أما نتنياهو، فقال، في هذا الخصوص، إن “المخطوفين يعانون، وسنخرجهم كافتهم… والآن نعمل على صفقة جديدة، وويتكوف يسعى لذلك، نتمنى أن تنجح، ولكننا ملزمون بإنهاء طغيان حماس”.
غزة والحرب والصفقة المعطّلة
ويرى بعض المراقبين في إسرائيل، أمثال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، أن ترامب أرخى الرسن لنتنياهو في غزة، وفي إيران، لكن من شأنه توظيف ضغط إسرائيل وتهديداتها ضدهما لخدمة مصالح واشنطن ومصالح ترامب شخصيًا. بيد أن مجمل الموجود والمفقود في لقاء ترامب ونتنياهو لا يغلق الباب أمام احتمال التوصّل لاتفاق، رغم تهرّب نتنياهو من صفقة تنهي الحرب، وتقرّبه من لجنة تحقيق رسمية، لأن ترامب معني بإنهاء الحرب، كما قال بنفسه، لأن هناك ملفات كبرى تشغله منها إيران والسعودية والتطبيع وتركيا وسوريا وصياغة شرق أوسط مختلف، وهذه كلها تحتاج لإنهاء ملف غزة، خاصة أنه وعد الأمريكيين والعالم بإنهاء الحرب، ووعد عائلات الرهائن بإتمام الصفقة. وهذا منوط بمؤثّرات أخرى، منها مدى جدية وجاهزية الدول العربية، خاصة مصر والسعودية، وتلك التي تملك علاقات صداقة مع واشنطن وتل أبيب، للضغط الفعلي من أجل وقف الحرب، وربما عبر الخطة المصرية المطروحة الآن، وتعطي إسرائيل أقل مما تريد وأكثر مما تعرضه “حماس” (إطلاق سراح تسعة محتجزين مقابل 70 يوم هدنة). في الأيام القريبة سيتضح ما دلالة ما نقل عن الرئيس المصري حول تقدم في المداولات، بعد محادثته والرئيس الفرنسي والعاهل الأردني مع ترامب قبيل لقاء الأخير بنتنياهو.
الحرب هي الإستراتيجية
تأتي هذه الزيارة لواشنطن وسط سجالات ونقاشات حول فضائح فساد واستبداد، علاوة على سؤال أولوية مواصلة الحرب على غزة مقابل الصفقة، إذ يواصل نتنياهو وأنصاره الدعوة لمواصلة الضغط العسكري من أجل تحقيق هدفين متناقضين عمليًا: “الإفراج عن المخطوفين وتدمير حماس”.
في المقابل؛ يتهمه معارضوه بأنه يسير وفق حسابات فئوية ترتبط بسلامة ائتلافه وصرف الأنظار عن الهزات الداخلية. يعبّر عن هؤلاء الباحث المختص بالشؤون الفلسطينية الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، قال فيه إنه دون توضيح الأثمان للجمهور، ومع منظومة احتياط تتراجع، وعدم اتخاذ قرارات من أجل حماية الائتلاف، فإن الحكومة حوّلت الحرب لمعطى ثابت في الواقع الإسرائيلي. معتبرًا أن المكاسب التي حققتها إسرائيل، قبل نصف عام، تتبدّد في ظل عنادها على مواصلة الحرب دون طرح إستراتيجية بديلة.
حصيلة اللقاء
ضمن تلخيصه اللقاء يقول السفير الأمريكي (اليهودي) الأسبق في تل أبيب دان شابيرو للإذاعة الرسمية العامة، اليوم، إن نتنياهو وصل واشنطن، ولم يحصل على وعد بخفض الجمارك، وإن ترامب ملتزم برؤيته الاقتصادية التي تضع أمريكا أولًا وآخرًا. وتابع: “حاز نتنياهو على تطييبات ومدائح من ترامب دون مكاسب حقيقية عملية في أي واحدة من القضايا”.
يواصل نتنياهو وأنصاره الدعوة لمواصلة الضغط العسكري من أجل تحقيق هدفين متناقضين عمليًا: الإفراج عن المخطوفين وتدمير “حماس”
وتبعه في حديث للإذاعة ذاتها السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن مايك هرتسوغ، الذي قال إن نتنياهو يعود للبلاد دون أي بشارة في أي من القضايا المطروحة.
من جهتها، اعتبرت آنا بارسكي، محللة سياسية في صحيفة “معاريف”، أن اللقاء عبارة عن حدث مربك يترك علامات سؤال كثيرة وأجوبة قليلة. في مقال بعنوان “عندما تحطّمت الزيارة على أرض الواقع” تعتبر أن ترامب أربك نتنياهو في بث مباشر، خلال زيارة خاطفة تمنى فيها نتنياهو حل عدد من القضايا بضربة واحدة، لكنه يضطر لإغلاق أسبوع خارج البلاد بحدث مربك.
المشهدية والصورة
بيد أن ترامب ونتنياهو استفادا، في المقابل، من الصورة والمشهدية، فقد ظهرا كحليفين يرتديان ملابس متشابهة، وتبادلا الإطراءات، وكان نتنياهو يرغب، كعادته، بأن يستفيد من ناحية تعزيز صورته كمسؤول إسرائيلي يعرف أمريكا جيدًا، ويتمتع بعلاقات حميمية مع رئيسها، وبأن تبدو إسرائيل على تنسيق كامل مع الولايات المتحدة، رغم أن الرئيس الأمريكي فاجأه بالمفاوضات المباشرة مع إيران. ورغم أن ترامب قدّم شهادة زور لنتنياهو يشكك بها معظم الإسرائيليين بزعمه أنه يفعل الكثير من أجل صفقة تحرر كل الرهائن.
يقول عاموس هارئيل، في المقال المذكور في “هآرتس”، إن اللقاء المشبع بالنفاق والرياء مع نتنياهو مفيد لصورة ترامب الذاتية في لحظة يشكّك فيها حتى من انتخبه بقدراته على اتخاذ قرارات. لافتًا، هو الآخر، على غرار مراقبين آخرين يرون أن ترامب أراد استخدام نتنياهو رسالة لبقية رؤساء العالم كي يحذوا حذوه ويقوموا بالحج للبيت الأبيض دون أن يقدّم تنازلات حقيقية كبيرة في موضوع الرسوم الجمركية. في المقابل يسخر محرر الشؤون الاقتصادية في “هآرتس” نحاما شطرسلر من صورة اللقاء بين ترامب ونتنياهو بقوله إن “متهمًا يلتقي أجدبًا”، دون حل أي واحدة من المشاكل العالقة. وتساءل، هو الآخر، كيف كان سيسخر نتنياهو من اللقاء لو كان في المعارضة ولبيد أو بينيت هو من التقى ترامب في لقاء لم تخرج منه أي بشارة”.