بغداد/ تميم الحسن
تحيط قضية “الفصائل” و”الحشد” في العراق ضبابية، ففي وقت تعلن الحكومة عن “دمج الفصائل”، يحذر نواب من “نزع سلاح الحشد”. ورفضت “الفصائل” تقارير غربية تحدثت عن إلقاء هذه المجموعة سلاحها خوفًا من ردود فعل “ترامب”، الرئيس الأمريكي. ونشرت وكالة رويترز تفاصيل قالت إنها معلومات نقلا عن عشرة من “كبار القادة والمسؤولين العراقيين”، بشأن استعداد الفصائل المدعومة من إيران لنزع سلاحها.
ونفت “كتائب حزب الله” استعدادها لنزع السلاح، كما نفت التصريحات المنسوبة للجماعة بهذا الخصوص التي وردت في “رويترز”.
ووفقًا لمصادر “رويترز” التي لم تكشف عنها الوكالة، من بينها ستة قادة محليين ينتمون إلى “كتائب حزب الله” و”حركة النجباء” و”كتائب سيد الشهداء” و”حركة أنصار الله الأوفياء”، تأتي خطوة قبول نزع سلاحها لـ”تجنب الحرب”.
ويعتقد زعماء شيعة أنه من الصعوبة “إبعاد العراق عن الحرب” في حال نشبت بين الولايات المتحدة وإيران.
ويُفترض أن تبدأ السبت المقبل مفاوضات “غير مباشرة” بين طهران وواشنطن في سلطنة عمان، بحسب الرئيس الأمريكي والخارجية الإيرانية.
وقد يدفع ذهاب الطرفين إلى المفاوضات إلى تخفيف “الضغط” عن العراق، الذي يُهدَّد بـ”حل الحشد”، بحسب سياسيين عراقيين.
يقول عضو مجلس النواب علاء الحيدري، المقرب من الإطار التنسيقي، إن “الدولة التي تنزع من ظهرها السلاح مقابل كذبة العيش بسلام (…) فلتستعد لعويل الذل وألم فقدان الكرامة والأرض”. وتابع الحيدري على منصة “إكس”، أنه “من دون سلاح الحشد لا تاريخ مواجهة ودفاع للعراق بعد (…) قوتنا وسيف زماننا سلاح الحشد”.
وكانت الحكومة قد نفت وجود مطالب بـ”حل الحشد”، واقتصر الحديث على “دمج الفصائل” الأربعة.
وبحسب عضو مكتب سياسي في أحد الأحزاب الشيعية التي تملك جناحًا مسلحًا، فإن “هذه الفصائل تحرج الحشد الشعبي، وحكومة السوداني، لكن عملية الدمج لن تكون سهلة”.
وأضاف بأن “فصائل المقاومة تنتمي إلى الحشد لكن لا تلتزم بالأوامر”.
بالمقابل، أعلنت الحكومة منذ شهرين عن عمليات دمج “الفصائل” إلى داخل منظومة الحشد، ما يفسر بأن هذه الجماعات خارج الهيئة من الأساس!.
وفرضت “الفصائل” مطالب مقابل التخلي عن السلاح قد يصعب تنفيذها، منها: الحصول على مناصب مهمة، وحصة من السفراء.
وقال إبراهيم الصميدعي، وهو مستشار سياسي سابق للسوداني، للتلفزيون الرسمي، إن الولايات المتحدة تضغط على القيادة في العراق منذ فترة طويلة لنزع سلاح الفصائل الشيعية المسلحة، ولكن واشنطن ربما لا تقبل الرفض هذه المرة. وأضاف: “هذه المرة إن لم نستجب تلقائيًا وذاتيًا، فقد يُفرض (الأمر) علينا من الخارج، وبالتأكيد عن طريق القوة”.
جيشٌ موازٍ!
ويرى مراقبون أن عمليات “الدمج” وإعادة “هيكلة الحشد” ضمن مشروع القانون الذي طُرح على البرلمان الشهر الماضي، لن تكون كافية لتجنب “غضب ترامب”، ويجب “إذابة الحشد”.
ويقول خالد العرداوي، الباحث والأكاديمي، إن “المشرعين الشيعة يحاولون إدخال إصلاحات على هيئة الحشد، وإظهار هذه القوات القتالية بأنها خاضعة بالكامل للقائد العام للقوات المسلحة، لتجاوز الضغط الذي تمارسه أمريكا والقوى الإقليمية على الحكومة بمطالبتها بحل هيئة الحشد وتحديد مهامها وسلاحها، وبالشكل الذي يتناسب مع رغبة الإدارة الأمريكية والقوى الإقليمية في قطع أذرع إيران بالمنطقة وتقليل نفوذها بالعراق”. ويرى العرداوي أن الإصلاحات المفترضة ضمن مشروع قانون “هيكلة الحشد” الجديد، “تُظهر إنشاء قوة موازية للجيش العراقي، وهي عكس الإرادة الأمريكية والغربية”.
وبين الباحث أن نصوص المشروع “تعطي صلاحيات لرئيس هيئة الحشد موازية لوزير الدفاع، من حيث الإدارة والأسلحة وحتى المهمات في حفظ النظام الدستوري ومكافحة الإرهاب، وإنشاء كلية للحشد موازية للكلية العسكرية في تخريج ضباط”.
ما الفرق بين “الحشد” و”الفصائل”؟
بعد 2003، لم تكن شائعة تسمية “الفصائل” في العراق. تضخمت هذه الجماعات مع الأحداث السورية الأولى عام 2011، حين قررت الذهاب هناك والدفاع عن “العتبات الشيعية”.
يقول قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، متذكرًا أحداث سوريا الأولى: “كنا نعتقد أن المشاركة حينها تولد الخبرة لأن الأحداث ستمتد إلى العراق”.
جميع الفصائل التي شاركت في سوريا، شكّلت فيما بعد “الحشد الشعبي”، مما تسبب بحرج كبير للحكومة العراقية بسبب العلاقة مع واشنطن، وهو ما اضطر حيدر العبادي، رئيس الوزراء (2014–2018)، إلى اعتبار “كل جهة عراقية تقاتل في سوريا لا تمثلنا”.
في حزيران 2014، انتشر تنظيم “داعش” بشكل علني في الموصل، وانخرط المتطوعون، ومن ضمنهم الفصائل التي كانت قد اكتسبت خبرة القتال في سوريا، ضمن يافطة “الجهاد الكفائي” التي دعت إليها المرجعية الشيعية في النجف، لمواجهة التنظيم المتطرف.
بقيت هذه الجماعات تُسمى بـ”المتطوعين”، وفق خطابات المرجعية، وفي الأوساط السياسية الشيعية بـ”الحشد الشعبي”، حتى تم تشريع قانون “الحشد” في البرلمان عام 2016.
في الأعوام الممتدة من نهاية 2018 إلى 2022، صعد نشاط جماعات مجهولة بتسميات مختلفة، مثل “عصبة الثائرين” و”أصحاب الكهف” وغيرهم، ضد السفارة الأمريكية، ومطار بغداد، وقواعد عسكرية عراقية.
شُكّلت في 2020 ما عُرف بـ”تنسيقية المقاومة”، وضمّت حينها جماعات مشاركة بالحشد الشعبي، ثم أعلنت هدنة مع وصول محمد السوداني إلى الحكومة نهاية 2022.
كان من المفترض، وبحسب قانون “الحشد” 2016، والأمر الديواني الذي أصدره بعد ذلك رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، أن “قوات الحشد (وهو بنحو 70 تشكيلًا) مفصولة عن القيادات السياسية”.
تم خلال السنوات الماضية، تغيير أسماء الجماعات المسلحة إلى أرقام مثل اللواء رقم 46، الذي لا يزال يُسمى لواء “كتائب حزب الله”. انهارت الهدنة “القصيرة” في 2023 مع أحداث “غزة”، وحدث حينها أوضح موقف يمكن من خلاله الفصل بين “الحشد” و”الفصائل” على مستوى العمليات فقط.
رسميًا، ما زال كل الفريقين ضمن “الحشد الشعبي”، حيث تملك الفصائل أرقام ألوية داخل الهيئة شأنها شأن بقية التشكيلات.
لكن ما حصل، أن كتائب حزب الله، وفي ذروة عمليات استهداف القواعد الأمريكية بالداخل، وإسرائيل ردًا على أحداث “غزة”، كشفت أسماء الفصائل التي باتت تُسمى بـ”المقاومة”.
وأثار هذا الإعلان غضب “العصائب”، التي لم تُذكر في قائمة “الفصائل المقاومة”.
وأظهرت “الكتائب”، التي تمثل فريقًا سياسيًا داخل البرلمان (كتلة حقوق)، بأن فريق “المقاومة” يتكوّن منها؛ و”كتائب سيد الشهداء”، التابعة للقيادي في الإطار التنسيقي أبو آلاء الولائي، و”حركة النجباء” (أكرم الكعبي)، و”أنصار الله الأوفياء” (ضمن تجمع سند بزعامة وزير العمل أحمد الأسدي).
وبعد سلسلة استهدافات أمريكية طالت قيادات في “الفصائل”، قررت الأخيرة إعلان “هدنة” في شباط 2024 وحتى الآن.