ينذر انخفاض اسعار النفط، بأزمة اقتصادية في العراق الذي يعتمد موازنة ريعية قائمة على استقرار أسعار البترول، ولمواجهة ذلك يطرح خبراء اقتصاديون جملة اجراءات لمواجهة خطر نقص السيولة المالية، ومنها القضاء على الفساد، والسيطرة على واردات المنافذ الحدودية، والقيام بإعادة تقييم لايجارات عقارات الدولة.
أزمة تلوح بالأفق
وبهذا الصدد يقول مستشار الحكومة مظهر محمد صالح في حديث ، إن “الموازنة العامة الاتحادية المعدلة والتي تم تشريعها لمدة ثلاث سنوات بموجب القانون رقم 13 لسنة 2023، قد أخذت بالاعتبار (بشكل ضمني) حدين للانفاق السنوي العام، وهما الحد الأعلى البالغ 200 ترليون دينار، والحد الادنى بنحو 156 ترليون دينار، دون ضياع الأهداف التنموية والاجتماعية”.
وأضاف: “وقد توسط الحدان سعر برميل نفط افتراضي للتحوط وهو 70 دولاراً للبرميل الواحد من النفط الخام وطاقة تصدير 3.4 ملايين برميل، وان الصرف في الحد الاعلى في الموازنة السنوية يعني أن معدلات اسعار النفط السنوية تتعدى 80 دولارا للبرميل الواحد، وان العجز الافتراضي او التحوطي البالغ 64 ترليوناً يكاد يكون لا يذكر إلا قليلا لاحتياجات وقتية (من دون موازنة تكميلية)”.
واشار صالح الى ان “معدلات الإنفاق في الحد الادنى كما في موازنة العام 2024 ، حيث كانت معدلات سعر برميل النفط المصدر بنحو 75 دولارا ما يعني حصول اقتراضات جزئية لا تتعدى 20% من العجز المخطط”.
واعتبر أن “السياسة المالية بالحد كانت مثالية إلى حد ما، وغطت الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية والاستثمارات العامة الخدمية والالتزامات التشغيلية المهمة كافة، اذ مثل الحد الادنى (سياسة انضباط مالي تلقائي) من خلال الفحص والتدقيق على النفقات وتنفيذ المشاريع بدقة عالية و بأولوية كبيرة ناجحة في قطاع بناء المدارس والمستشفيات وخدمات الصرف الصحي والمياه بالاضافة الى الكهرباء الهاجس الاول”.
ونوه صالح الى ان “العراق سبق ان واجه أزمتين أحداهما مالية – امنية بالحرب على الإرهاب وانتصر فيهما وسارت الحياة المالية بتدبير عالٍ بالرغم من فقدان أسعار النفط قرابة 60٪ من معدلاتها التحوطية في الموازنة ذلك بين العامين 2014_ 2017، وايضا واجه ازمة مماثلة بين الاعوام 2020_2021 ابان الازمة المالية/ الصحية واستطاع الخروج من عنق الزجاجة في حينها”.
وأكد المستشار، أن “الفريق الاقتصادي للحكومة هو في حراك يومي مستمر في مراقبة تأثير الصدمات الاقتصادية الخارجية سواء في الحرب التجارية الامريكية على مجموعة من بلدان العالم ام في اتجاه دورة الأصول النفطية نحو الانكماش والهبوط دون 70 دولارا للبرميل”.
وشهدت أسعار النفط العالمية انخفاضا قياسيا يعد الأكبر منذ ذروة جائحة كورونا العام 2020، إذ تأثرت أسعار النفط سلبا بعد قرار تحالف أوبك بلس زيادة إنتاج النفط بأكثر من 400 ألف برميل يوميا، ليأتي بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، مما أسهم في رد فعل صيني أدى لانخفاض أسعار النفط نتيجة المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
إجراءات احترازية
بدوره يقول الخبير الاقتصادي ومدير عام البنك المركزي سابقاً محمود داغر في حديث للوكالة، ان “الازمة المالية الآن موجودة لسببين انخفاض أسعار النفط وزيادة النفقات بالموازنة، لكن الرواتب ليست بها مشكلة”، مبينا ان “جزءاً من الموازنة التشغيلية بها مشكلة بما يتعلق بالصيانة ومستلزمات الانتاج وايضا الموازنة الاستثمارية”.
واوضح، ان “هذا دفع مجلس الوزراء الى اقرار طرح سندات بمقدار 5 ترليونات لتوجيه الموازنة الاستثمارية و لاستكمال المشروعات”.
لكن الخبير الاقتصادي هلال الطعان يذكر في حديثه، أن “اعتماد العراق على مورد واحد هو النفط الخام في تمويل الموازنة، وعدم تنويع مصادر الدخل من الإيرادات غير النفطية كالضرائب والرسوم الكمركية وايرادات أموال الدولة الأخرى، يظهر تخوفاً لدى العديد من الجهات الحكومية والشعبية، من ان هناك ازمة مالية قد تحصل في العراق اذا ما استمر سعر النفط بالانخفاض الى 60 دولاراً للبرميل أو أقل من ذلك”.
وأضاف الطعان، أنه “ينبغي الاشارة الى احتياطي العملة في العراق لدى البنك المركزي العراقي، إذ يبلغ 104 مليارات دولار، وما يقارب 160 طناً من الذهب وهذا ما يعطي نوعاً من الاطمئنان اذا حصلت الازمة، ولكن من الضروري قيام الحكومة العراقية بضغط النفقات غير الضرورية في الموازنة والقضاء على الفساد الاداري والمالي بشكل حقيقي، والسيطرة على واردات المنافذ الحدودية من ايدي الفاسدين، والقيام باعادة تقييم ايجارات عقارات الدولة، وضرب مفاصل الفساد في جميع الدوائر لغرض تخفيف آثار الازمة”.
ويمثل قطاع النفط والغاز في العراق نحو 90% من إيرادات الدولة، التي تعدّ ثاني أكبر منتجي النفط الخام داخل منظمة البلدان المنتجة للنفط “أوبك”، ما يجعل بغداد عرضة بشكل كبير للتأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية.