غزة – خاص بـ”رأي اليوم” – نادر الصفدي
خلال الساعات الماضية، ضجت الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية وكذلك الدولية، بالحديث عن أخطر القضايا التي تُحاك ضد سكان غزة، وباتت الهدف الأول والرئيسي لإسرائيل وأمريكا منذ اندلاع شرارة الحرب.
المخطط الذي وضع على الطاولة كان تدمير قطاع غزة بالكامل، وإجبار سكانه على الهجرة تحت بند “الطواعية”، رغم الرفض الفلسطيني والعربي القاطع لهذا المخطط الخطير، لكن، خلال الساعات الماضية بدأ الحديث فعليًا عن هجرة آلاف الفلسطينيين من غزة عبر معابر إسرائيلية وتسهيلات تقدم لهم من قبل أطراف “سرية”.
ad
وتناقلت وسائل الإعلام عن مغادرة آلاف الغزيين عبر معابر إسرائيلية، والتوجه نحو دول عربية وإسلامية وأوروبية، في مخطط رأى فيه الكثير أنه تنفيذ لأخطر المخططات تحت ضغط النار والحصار والتجويع والقتل اليومي الذي يمارس في قطاع غزة منذ أكثر من 18 شهرًا.
حكومة غزة التي تسيطر عليها حركة “حماس”، سارعت لمعاجلة هذا الملف الخطير، وأصدرت بيانًا صحفيًا وصف بـ”الهام والمفصلي” للحديث عن الأمر، فحذر مكتب الإعلام الحكومي من شائعات الهجرة من غزة، مؤكدا أنها “جزء من حملة خبيثة يقودها الاحتلال الإسرائيلي لزعزعة صمود الشعب الفلسطيني وضرب وعيه الوطني”.
وقال في بيان صحفي، إنه يتابع ما تم تداوله مؤخراً عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي، من منشورات ومعلومات مُضللة تتعلق بترتيبات مزعومة للهجرة الجماعية من قطاع غزة، حيث يتولى ذلك شخصيات جدلية بالتعاون مع جهات خارجية، وتروج لسفر العائلات الفلسطينية عبر مطار “رامون” إلى دول مختلفة حول العالم.
ad
– المخطط المفضوح
وأكد مكتب الإعلام الحكومي أن هذه المعلومات عارية تماماً عن الصحة، وهي جزء من حملة خبيثة وممنهجة تهدف إلى زعزعة صمود الشعب الفلسطيني، والنيل من وعيه الوطني، ودفعه نحو الهجرة القسرية تحت ضغط المعاناة والحرب، مشيرًا إلى أن من يقف خلف هذه المنشورات بالدرجة الأولى الاحتلال الإسرائيلي، وتروج لها حسابات وهمية أو حسابات مغرضة أو حسابات تعرضت للتضليل أو أشخاص لا يمتلكون معلومات صحيحة، فيستخدمون وثائق مزيفة ونماذج توكيل قانوني لا قيمة لها، ويروجون لوهم الاحتلال بما يطلق عليه “الهجرة الآمنة” التي يتكفل الاحتلال بتمويلها.
وتابع: “يأتي ذلك في محاولة لتجميل الوجه القبيح لمخططات التهجير الجماعي، التي فشل الاحتلال في فرضها بالقوة، ويسعى اليوم لتمريرها بأساليب ناعمة مكشوفة، محذرًا الفلسطينيين من خطورة الانجرار خلف هذه الدعاية المسمومة التي تخدم هدفاً استراتيجياً إسرائيلياً واضحاً يحلم به الاحتلال منذ عقود طويلة، يتمثل في تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وتحقيق حلم الاحتلال.
كما حذر من تداول أرقام هواتف ومعلومات مشبوهة تُنشر ضمن هذه الحملات، داعياً الفلسطينيين للحذر الشديد واليقظة التامة، فبعض هذه الأرقام تُستخدم كأدوات تجنيد وتواصل أمني، بهدف إسقاط الشباب الفلسطيني بعد فشل الاحتلال “الإسرائيلي” في اختراق النسيج الوطني المقاوم.
وشدد على أن الهجرة من الوطن في ظل الاحتلال ليست خياراً آمناً، بل هي فخ مغلف بالوعود الكاذبة، تقود إلى الاستدراج والاعتقال والتحقيق أو الإعدام والقتل المباشر، خصوصاً عند التنقل عبر المناطق الحساسة أو خارج الأطر القانونية والرسمية.
وأكد الإعلام الحكومي، أن الحالات القليلة التي غادرت قطاع غزة مؤخراً، معلومة تماماً، وهي من فئة المرضى والجرحى الذين أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مُهاجرين، وما يُشاع خلاف ذلك هو كذب متعمد وتحريف للوقائع.
ودعا إلى عدم الانسياق خلف الشائعات والمعلومات الزائفة وعدم المساهمة في ترويجها، وإبلاغ جهات الاختصاص بشكل فوري عن أي جهة مشبوهة تحاول استغلال حاجة الناس أو الإيحاء بقدرتها على ترتيب “هجرة قانونية”، مناشدًا بضرورة التواصل مع الجهات المختصة للتأكد من أي معلومات، أو لطلب مساعدة ذات علاقة.
وشدد الإعلام الحكومي، قائلاً: “لا تهاون مع كل من يثبت تورطه في ترويج هذه الأكاذيب والشائعات، أو التواصل مع جهات معادية لشعبنا الفلسطيني، حفاظاً على أمن المجتمع وسلامة نسيجه الوطني”، مؤكدًا في ختام بيانه، فلسطين أرض مقدسة، وهي ليست للبيع، وشعبنا الفلسطيني العظيم لن يُقتلع من هذه الأرض، والرباط فيها شرف ومقاومة، والهجرة منها وهم قاتل.
– كشف الحقيقة
التحقيقات والمصادر الميدانية كشفت عن مخطط متكامل بدأت تروج له مجموعة من النشطاء المشبوهين، الذين باتوا يعرفون باسم (خلية أفيخاي)، حيث نشروا على حساباتهم بشكل متزامن ترويجا لتوكيلات محام إسرائيلي يدعى يورام يهودا، كـ”وسيط” للهجرة إلى الخارج. لكن ما خفي كان أعظم.
المحامي يورام يهودا، المعروف بتخصصه في قضايا الطلاق، ليس له علاقة رسمية بملفات الهجرة أو قضايا الأراضي الفلسطينية، إلا أن رقمه أصبح متداولًا. ومن تواصلوا معه، أو مع من يرد على نفس الرقم، فوجئوا بسلسلة من الأسئلة الأمنية الخطيرة: الاسم الكامل، رقم الهوية، أسماء الجيران، العائلات المحيطة، وحتى تفاصيل السكن.
وفق شهادات وصلت من داخل القطاع، فإن الأشخاص الذين يردون على الرقم يتحدثون العربية بطلاقة، ويُرجح أنهم ضباط في الموساد، يستغلون رغبة الناس في الخروج من جحيم الحرب كفرصة ذهبية لاستدراجهم وكشف بنية المجتمع المحيط بهم، وفق ما نقله موقع “الرسالة” المقرب من “حماس”.
الناشط ماجد مقداد كشف عن قيام شخص يُدعى محمد أبو حجر، يُشتبه بتعاونه مع إسرائيل، بالترويج لإعلانات “المنسق” الإسرائيلي والتي تُوهم الناس بإمكانية الهجرة الآمنة عبر توقيع توكيلات لمحامين إسرائيليين، إلا أن هذه التوكيلات تمنح الاحتلال صلاحيات قانونية كاملة على ممتلكات المواطنين، وتفتح الباب لتجنيدهم لاحقًا كعملاء.
كما أشار الناشط محمد عبد الباري إلى انتشار قصص وهمية ومبالغ فيها عن تسهيلات سفر، تقف خلفها شبكات نصب واستغلال لحاجة الناس. وأوضح أن كثيرًا من هذه العروض تعتمد على وثائق مزيفة ولا علاقة لها بأي جهة رسمية.
ونبهت الكاتبة بيسان محمود إلى رسائل نصية وصلت إلى بعض المواطنين تدعوهم للتواصل مع “كابتن إسرائيلي” لتنسيق السفر عبر معبر نتساريم، ضمن سيناريو أمني مدروس للإيقاع بالشباب واستدراجهم للتعاون.
ويبقى التساؤل.. هل ينجح مخطط تهجير أهل غزة تحت النار والقتل والتجويع؟ وما هو ثمن بيع الوطن؟