بغداد/ تميم الحسن
لا تزال الفصائل العراقية محتفظة بسلاحها حتى الآن، لكنها لا تستخدمه بأوامر من إيران.
وبعد 4 أشهر من مفاوضات الحكومة مع تلك الجماعات، فإن الحسابات الانتخابية تحرف بوصلة التفاهمات.
الحكومة، وبحسب مقربين، لم تتراجع عن “نزع السلاح”، لكن لا يوجد سقف زمني لتحقيق الهدف.
ويُفترض أن هذه المجاميع ستتحول إلى أكثر من صنف بعد “سحب السلاح”، وتتحول إلى “فصائل مطيعة”.
وفي نيسان الماضي، نفت فصائل نيتها تسليم السلاح إلى الحكومة العراقية، بعد تقرير لـ”رويترز” حول مصير تلك الجماعات.
وقال محمد السوداني، رئيس الحكومة، مطلع 2025، إن “المجموعات المسلحة في العراق لم يبقَ منها إلا 3 أو 4 مجموعات، تعمل الحكومة على دمجها”.
ومنذ فوز “ترامب” بالانتخابات الأمريكية، بدأ في العراق الحديث عن “دمج الفصائل” بطلب أمريكي، وهو ما كشفه مستشار لرئيس الحكومة نهاية العام الماضي.
ويقول سياسي مقرب من الحكومة: إن “الفصائل العراقية التي لديها دعم لوجستي من إيران لا يتجاوز عددها 4 أو 5 فصائل، وهي غير ملتزمة بتوجيهات القائد العام”.
وفي الغالب يُطلق على “كتائب حزب الله”، و”حركة النجباء”، و”كتائب سيد الشهداء”، و”أنصار الله الأوفياء”، بأنها “فصائل إيرانية”.
وأكد السياسي، الذي طلب عدم نشر اسمه لعدم تخويله بالتصريح، أن “توجيهات سابقة من السوداني صدرت بملاحقة ومحاسبة أي جهة تضرب صواريخ، وكانت آخر ضربة قبل 6 أشهر (لم يُحدد موقعها وهدفها)، وتم التوجيه بملاحقة الفاعلين”.
وأواخر 2024، كشف فادي الشمري، مستشار رئيس الوزراء، أن “الحكومة أوقفت الكثير من منصات إطلاق الصواريخ”، دون أن يكشف عن اعتقال متورطين.
لماذا توقفت الضربات؟
يُجيب السياسي القريب من الحكومة بأن “رسائل وصلت من إيران على مستوى عباس عرقجي، وزير خارجية طهران، وإسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس”.
وأضاف: “خلال لقاء قاآني وحضوره مع أكثر من جهة في العراق، شدد على أنه يجب أن يكون هناك توقف كامل لنشاط الفصائل، ولا يُسمح بأي عمل عسكري داخل العراق إلا بموافقة بغداد”.
قاآني كان قد زار بغداد عدة مرات خلال العام الحالي، لكن الزيارة الملفتة كانت مطلع العام، والتي تزامنت مع حديث الحكومة العراقية عن “دمج الفصائل”.
وبدأت الفصائل في تعليق نشاطها مع سريان الهدنة بين حزب الله وإسرائيل نهاية 2024.
وحذرت بغداد، عبر وزير الخارجية فؤاد حسين، بأنها قد تتعرض لضربات إسرائيلية.
تسليم السلاح
وعن دمج الفصائل “المتمردة” على القائد العام، يقول السياسي إن “مفاوضات تسليم السلاح قائمة حتى الآن، ولن يتغير ذلك إلا إذا صارت حرب إقليمية كبيرة”.
وتابع أن “الفصائل ملتزمة بعدم التصعيد، وهناك تفاهمات لدخول بعض الفصائل في العمل السياسي بعد تسليم سلاحها للحشد، أو تندمج بالحشد بقوات يتم تقسيمها عن طريق الهيئة”.
وفي نيسان الماضي، نفت كتائب حزب الله تصريحات نقلتها “رويترز” عن أحد قادتها تحدث فيها عن “نزع السلاح”.
وبحسب عزت الشابندر، النائب السابق والمقرب من الائتلاف الحاكم، فإن محادثات السوداني وقادة فصائل مسلحة وصلت إلى مراحل متقدمة، وسط مؤشرات على استعداد هذه الجماعات للاستجابة للمطالب الأمريكية المتعلقة بنزع سلاحها.
وقال في تصريحات صحفية: إن “الفصائل لا تتصرف بعناد أو تصر على الاستمرار بصيغتها الحالية لأنها تدرك تمامًا أنها قد تصبح هدفًا محتملًا للولايات المتحدة”.
وكانت (المدى) قد كشفت في وقت سابق عن جزء من شروط الفصائل مقابل “نزع السلاح”.
وطالبت بعض الفصائل بالحصول على “مواقع مؤثرة” في صنع القرار، وحصة من أسماء السفراء.
تراجع الدور الإيراني
من جهته، يعتقد إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الإستراتيجية والدولية بجامعة بغداد، أن الحكومة لا تمتلك التأثير الكامل على هذه الفصائل، خصوصًا وهي “تتبنى مبدأً عقائديًا وتحالفًا إستراتيجيًا مع إيران”.
ولذلك، يقول الشمري: إن “الحكومة تجد صعوبة في أن تصل مع هذه الفصائل إلى تفكيك السلاح، لكن يبدو أنها وجدت أن التهدئة أو تجميد عمل الفصائل – وهو يختلف عن الدمج – في هذا الوقت سيحقق لها الظهور بأنها كانت قادرة على الوصول إلى اتفاق مع هذه الفصائل”.
وأضاف أن “تجميد النشاط مرتبط بالحالة العامة لمحور المقاومة، وليس مرتبطًا بمساعي السوداني، خصوصًا بعد انكسار مشروع المقاومة الإيراني وانهيارها الإقليمي، فهي تريد أن تحافظ، بطريقة أو بأخرى، على جزء من عناصر قوتها”، وتجد إيران أن تجميد عمل هذه الفصائل في “العراق هو الأهم”، وفق الشمري.
وبحسب أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بغداد، فإن الحكومة فهمت طبيعة التوجهات الإيرانية، ثم أعلنت أنها “انخرطت بمفاوضات”، مبينًا أن “التفكيك ليس قرارًا لحكومة السوداني، وإنما شرط من شروط أمريكا، لكن هذا يصطدم بالرغبة الإيرانية التي لا تريد التفكيك في هذا الوقت، خصوصًا أنها قد لا تنجح في المفاوضات مع واشنطن، لذا لا تريد أن تخسر قوتها”.
تفكيك سلاح الفصائل، بحسب الشمري، هو فتح المجال لملاحقة قادة الفصائل بكل مستوياتهم، وأيضًا نهاية المستقبل السياسي لهم، فـ”جزء من عقيدتهم وتواجدهم وثقلهم السياسي مرتبط بوجود السلاح بحوزتهم، وهو جزء من موازين القوى الداخلية في العراق”.
وتابع الشمري: “وبالمجمل، فإن هذا الجمود في نشاط الفصائل المسلحة، وعدم إظهارها العداء للولايات المتحدة، وتخليها عن مبدأ وحدة الساحات، وعدم اشتراكها في هجمات ضد إسرائيل رغم استمرار الهجمات على حزب الله وحماس والحوثيين، هو بالنهاية سيكون حالة تحقق مكاسب لهذه الفصائل المسلحة لبقائها على الأقل”.
مصير المفاوضات
وعن المفاوضات بين الحكومة والفصائل، يقول الشمري، وهو يترأس مركز التفكير السياسي: إن “الحكومة – من وجهة نظري – بدأت تدرك أن عدم وصولها إلى إعلان تفكيك السلاح الذي يرضي أمريكا يضعها في دائرة الحرج، لذلك فضّلت الصمت، الذي تزامن مع تجميد نشاط الفصائل”.
مقابل ذلك، يبدو أن تعامل الحكومة مع ملف الفصائل، والكلام للشمري، أصبح رهين 3 مسارات، وهي:
1- رهين طاولة المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، التي قد تتضمن وجود تسوية لملف الفصائل، ولذلك فإن السوداني يبدو مرتهنًا إلى طاولة المفاوضات في تفكيك الفصائل.
2- أن يكون هناك قرار من قبل أمريكا بشكل علني ضد الفصائل، عند ذلك سيكون السوداني مضطرًا للتعاطي مع هذا القرار، وبالتالي سنكون أمام سيناريوهات عديدة.
3- أن السوداني لا يريد أن يفتح جبهة، ولا يريد أن يخسر الفصائل، لأنه يمتلك مشروعًا سياسيًا ويفكر بالولاية الثانية، وهي قوى سياسية شيعية فاعلة، وهو يدرك أن منصب رئيس الوزراء لا بد أن يمر من البوابة الشيعية، لذا فضّل أن يلتزم الصمت السياسي لكي لا يستفزهم بقرار التفكيك.