الخرطوم ـ «القدس العربي»: تشهد مناطق واسعة من إقليم دارفور وولايات كردفان تصعيدًا عسكريًا حادًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة الضحايا المدنيين، وتدهور خطير في الأوضاع الإنسانية.
وفي يوم 10 أيلول/سبتمبر الجاري، شنت طائرات مسيّرة هجمات على عدة مناطق في دارفور. وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن هذه الغارات أسفرت عن سقوط مئات الجرحى، بعضهم في مناطق قريبة جدًا من مرافق صحية. وأفادت باستهداف غارة جوية بطائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة السودانية منطقة تبعد 4 كيلومترات فقط عن مستشفى زالنجي التعليمي بوسط دارفور.
وفي نيالا، جنوب دارفور، استقبل مستشفى المدينة 12 مصابًا جراء قصف جوي بطائرات مسيّرة، توفي أربعة منهم عند الوصول، بينهم طفل. وأكدت المنظمة أن هذه ثامن غارة مميتة تنفذها طائرات مسيرة خلال 11 يومًا فقط.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن مقتل أربعة مدنيين، وإصابة 99 آخرين، بينهم نساء وأطفال، جراء هجمات استهدفت مناطق متفرقة في دارفور يوم الثلاثاء الماضي. وقال رئيس بعثة المنظمة في دارفور، مروان طاهر، إن المصابين نُقلوا إلى مرافق طبية في شمال ووسط وجنوب دارفور، مضيفًا أن أربعة منهم فارقوا الحياة فور وصولهم.
وأضاف طاهر أن فرق المنظمة عالجت وحدها 50 مصابًا في مدينة طويلة خلال يوم واحد، مشيرًا إلى أن أكثر من 650 جريحًا سُجلوا في مدينة الفاشر أو أثناء فرارهم منها منذ منتصف آب/أغسطس، مؤكدًا أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى بكثير.
أوضاع مأساوية في الفاشر ومحيطها
قال منسق مشروع أطباء بلا حدود في طويلة، سيلفان بينيكو، إن أعدادًا كبيرة من المدنيين قطعوا مسافات تصل إلى 60 كيلومترًا سيرًا على الأقدام من الفاشر، وهم يعانون من إصابات خطيرة، بعضها ناجم عن أعيرة نارية، وبعضها عن أعمال تعذيب. وأضاف: «رغم معاناتهم، هؤلاء من القلائل الذين نجحوا في النجاة. وصلوا إلى طويلة منهكين، محطمين نفسيًا، ويعانون من الجوع والإجهاد والجروح غير المعالجة».
وتابع: «يصف الناجون الأوضاع المزرية داخل الفاشر، التي تتعرض لقصف متكرر من قبل قوات الدعم السريع وحلفائها منذ أكثر من عام، ما أدى إلى حصار مئات الآلاف من المدنيين دون ماء أو غذاء أو أدوية أو مساعدات إنسانية».
وأشار بينيكو إلى أن الذين يحاولون الفرار من المدينة يواجهون مخاطر متعددة تشمل القتل، والتعذيب، والعنف الجنسي، مؤكدًا أن مدينة طويلة تستضيف حاليًا نحو 800 الف نازح.
وقالت الناطقة باسم شبكة أطباء السودان، تسنيم الأمين، في تصريح صحافي، إن ما يجري في الفاشر يتجاوز كونه مأساة إنسانية، إلى جريمة إبادة تنفذ بدم بارد، مشيرة إلى أن سكان المدينة «يموتون مرتين، مرة برصاص الدعم السريع في أطراف المدينة، وأخرى بالجوع والقصف في داخلها».
وأضافت: «أن آلاف المدنيين، بينهم نساء وأطفال وكبار سن، يحاصرون على أطراف المدينة ويتركون في العراء، ما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم بسبب القصف أو نقص الغذاء والرعاية الطبية، ووصفت صمت المجتمع الدولي تجاه ما يجري في المدينة من أوضاع كارثية بأنه «تواطؤ شريك في الجريمة».
وفي أعقاب عمليات عنف، أعلنت أطباء بلا حدود أنها علّقت أنشطتها وقلصت عدد فرقها في مستشفى زالنجي منذ 20 آب/أغسطس الماضي، عقب هجوم مسلح نفّذه أفراد من قوات الدعم السريع داخل المرفق، أسفر عن مقتل شخص وإصابة خمسة، بينهم أحد موظفي وزارة الصحة. إلا أنها استأنف أعمالها بداية الشهر الجاري.
معارك في كردفان واستهداف متبادل
وفي ولاية غرب كردفان، أفادت غرفة طوارئ دار حمر بأن قوات الدعم السريع هاجمت مناطق إدارية في «أبوراي»، حيث روعت السكان، ونهبت المتاجر، وسرقت ممتلكات خاصة بينها ألواح شمسية وهواتف محمولة.
من جانبها، أعلنت قوات الدعم السريع أنها أسقطت طائرة مسيّرة تركية الصنع من طراز «أكانجي» في منطقة الخوي، وذلك للمرة الثانية خلال أسبوع.
في المقابل، شن الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة السودانية غارات استهدفت شاحنات للذخيرة والوقود تابعة لقوات الدعم السريع في منطقة المزروب بولاية شمال كردفان.
وحث مروان طاهر، رئيس بعثة أطباء بلا حدود، الأطراف المتحاربة على «عدم تعريض المدنيين للخطر، وضمان حماية الطواقم الطبية والمرافق الصحية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون تأخير، خاصة إلى مدينة الفاشر والمناطق المحاصرة الأخرى».
وأكد طاهر أن «الوضع الإنساني في السودان بات لا يُحتمل، والعالم لا يمكنه الاستمرار في تجاهل معاناة المدنيين».
وتعاني المناطق المتأثرة من نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي قريب، وتزايد الدعوات الدولية لتوفير ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية ووقف استهداف المدنيين.