بغداد/ تميم الحسن
تلقّى زعيم شيعي بارز رسالة أمريكية نصّت على « تجنّبوا الضربة الإسرائيلية»، وهو تحذير نُقل بعد ذلك إلى أطراف « الإطار التنسيقي» وقوى سياسية أخرى.
وقد تكون مبررات الهجوم الإسرائيلي استهداف الفصائل المحلية و«مسلحين ضيوف» يجتمعون في مدن عراقية، على غرار ما جرى مع « حماس» في قطر، وفق ما يرجّحه مراقبون.
وأمس وصل رئيس الوزراء محمد السوداني إلى العاصمة القطرية الدوحة، في محاولة للحصول على «حماية عربية» من الضربات الإسرائيلية المتوقعة، بحسب أستاذ في العلوم السياسية.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان إن زيارة السوداني «تهدف للمشاركة في القمة العربية الإسلامية الطارئة».
وانطلقت أمس الاثنين، في العاصمة القطرية الدوحة أعمال القمة العربية الإسلامية الطارئة التي تبحث الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة الثلاثاء الماضي.
وتناقش القمة، بحسب وزارة الخارجية القطرية، مشروع بيان عربي إسلامي بشأن الهجوم.
وكان السوداني قد هدّد في وقت سابق إسرائيل بامتلاك بغداد «أوراقاً» يمكن أن تمنع تمدّدها في المنطقة، بالتزامن مع تسلّم الحكومة تقريراً يحذّر من احتمال تعرّض العراق لهجوم بعد قطر.
« تجنّبوا إسرائيل»!
يكشف محمد نعناع، وهو باحث وأكاديمي، عن رسائل خطيرة وصلت إلى زعامات سياسية وشيعية «تحذّر من هجوم إسرائيلي» وشيك على العراق.
ويقول نعناع إنّه، بناءً على تقارير الصحافة الإسرائيلية، فإنها تؤكد على «ملاحقة الخطر»، كما تسمّيه تلك التقارير، واستهدافه في كل دولة من دول المنطقة، ومنها العراق، وعلى طريقة ما جرى في قطر.
ويؤكد الباحث أن معلومات تسربت عن لقاء نوري المالكي، زعيم «دولة القانون»، الأخير بالقائم بالأعمال في السفارة الأمريكية ببغداد جوشوا هاريس، حيث نقل الأخير رسالة نصّت على «جنّبوا بلدكم الاستهدافات الإسرائيلية».
ويشير نعناع إلى أن تلك الرسائل التحذيرية وصلت إلى أغلب السياسيين والزعامات في «الإطار التنسيقي»، كما نقل السفير البريطاني في بغداد عرفان صديق الرسالة نفسها، وكان الأخير قد إلتقى السوداني قبل سفره إلى قطر بساعات.
ويبيّن الباحث أن الرسالة التحذيرية أشارت إلى «منع اجتماعات لحماس أو الحوثيين» في العراق، الذي قد يكون «بوابة للهجوم الإسرائيلي» المتوقع.
ويرى نعناع، نقلاً عن خبراء وضباط إسرائيليين ودبلوماسيين متقاعدين يعملون في مراكز بحوث إسرائيلية، أنهم تحدثوا عن ضرورة منع الخطر القائم على تل أبيب ـ بحسب وصفهم ـ من مصنع التهديد، بأنهم «بالتأكيد يقصدون اجتماعات حماس في تركيا وقطر، وجماعات مسلّحة أخرى قد تكون ناشطة في العراق».
ويعتقد نعناع أن تركيا ربما تُستبعد لأنها «دولة في حلف الناتو، فقد لا تعتدي عليها إسرائيل»، رغم وجود تصعيد بين أنقرة وتل أبيب يوحي باحتمال حدوث حرب مباشرة كما جرى في إيران بحرب حزيران الأخيرة، لكن الباحث يحذّر من «حراك الحوثيين».
ويتابع قائلاً: «من المفترض أن الحوثيين مستمرون باستهداف إسرائيل، لذلك ستقوم باستهدافهم في أية دولة وأية بقعة، بحسب الرؤية الإسرائيلية، وأحد مواقع مهاجمتهم المتوقعة سيكون في العراق».
ويؤكد نعناع عقد اجتماعات للحوثيين في البصرة والنجف وكربلاء وبغداد، بحسب بعض المعلومات.
وكان مسؤولون عراقيون قد نفوا في 2024 وجود طلب من «حماس» للانتقال إلى بغداد، فيما كانت معلومات قد تسربت عن نية الحركة فتح «مكتب سياسي» إلى جانب المكتب الإعلامي المتواجد في العراق.
بالمقابل، فإن للحوثيين مكتباً إعلامياً في العراق، الذي يشارك في الفعاليات التي يقيمها الحشد الشعبي، وممثلهم هو أبو إدريس الشرفي.
ويقول نعناع: «علينا دعم الحكومة في منع اجتماعات هذه الجماعات لنسحب من إسرائيل ذرائع الهجوم»، لافتاً إلى أهمية تشكيل «رأي عام يدعم السلطات في هذا الجانب ويحترم المصالح العراقية».
وكان تقييم أمني عاجل قد قُدّم من المخابرات العراقية ومستشارية الأمن القومي إلى السوداني، يفيد بأن العراق قد يكون هدفاً محتملاً لأي تصعيد إسرائيلي، بحسب تقارير فرنسية.
وجاءت هذه التطورات في وقت ألغى فيه الكونغرس الأمريكي تفويض استخدام القوة ضد العراق الصادر عام 2002، وهو إجراء متوقع أن يغيّر قواعد الاشتباك، ويقود إلى سيناريوهات تصعيد تمتد إلى العراق ولبنان وسوريا، وفق تقارير غربية.
كما أشارت هذه التقارير إلى أن مجموعات مسلّحة موالية لإيران في العراق كانت قد هدّدت في وقت سابق باستهداف مصالح أمريكية وإسرائيلية إذا ما توسّع الصراع، وهو ما يؤكد قدرة تلك الفصائل على تحويل العراق إلى ساحة مواجهة.
ثمن «وحدة الساحات»
وفي ذات السياق، يقول إحسان الشمري، أستاذ السياسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إن «هناك احتمالات كبيرة لعمليات تقوم بها إسرائيل تجاه العراق، خاصة ضد الفصائل المسلحة».
ويضيف: «قد يكون ما جرى من استهداف لدولة قطر واحدة من المؤشرات على أن إسرائيل لن تتردد باستهداف الفصائل المسلحة التي سبق أن هاجمت إسرائيل وفق ما يعرف بـ(وحدة الساحات) التي اعتمدتها تلك الجماعات كجزء من المشاركة في الحرب التي جرت بعد 7 أكتوبر».
ويرى الشمري أن نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لم يغيّر رأيه من أن العراق ضمن «الجبهات السبع» التي تهاجمها إسرائيل بالمنطقة، فيما قطر دولة وسيطة ولديها علاقات مع إسرائيل وتحالف مع أمريكا، وكل ذلك لم يضع حدّاً لقضية الاستهداف، متسائلاً: «فكيف في العراق الذي تنظر إليه إسرائيل بأنه ضمن دول الشر»؟.
ويشير نتنياهو في خطاباته بعد 7 أكتوبر إلى ما يسميه بـ«الجبهات السبع»، والمقصود بها إيران وحلفاؤها في المنطقة.
أيام الحكومة الأخيرة
من جانب آخر، يجد الشمري، وهو يرأس أيضاً مركز التفكير السياسي، أنه في حال أرادت بغداد تجنّب الحرب، فيجب عليها العمل على عدة مستويات، منها: حضورها في القمة العربية الإسلامية، وهي واحدة من الخطوات التي يتجنب من خلالها العراق الضربات، يتمترس خلفها ويعوّل عليها كثيراً إذا ما كان هناك إجراء وموقف يخرج منها يمكن بطريقة أو بأخرى أن ينهي الهجمات الإسرائيلية. فالعراق يمكن أن يستخدم هذه المنصة كجزء من تجنّبه الحرب.
والمستوى الآخر، بحسب رئيس مركز التفكير، يتعلق بالجانب الأمريكي، فمع أن العلاقات بين واشنطن وبغداد متعثرة، ولا توجد ضمانات أمريكية للعراق لأن الأخير لم يلتزم بتفكيك السلاح وفك الارتباط مع إيران وغيرها من الملفات، لكن الشمري يتصوّر أن إجراءات داخلية، منها قضية إعلان تفكيك الفصائل، واتخاذ سياسات أكثر تطمينية، قد تساعد في الحصول على الدعم الأمريكي. لكنه يقول إن المشكلة تكمن في أن حكومة السوداني في أيامها الأخيرة، وموضوع تجنّب الضربات الإسرائيلية يحتاج إلى إجراءات طويلة الأمد.