بغداد/ تميم الحسن
يُرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشاراتٍ إلى العراق، بانتظار من يلتقطها ليكون الأقرب إلى رئاسة الحكومة المقبلة.
فحسابات واشنطن – وفق سياسيين – تختلف عن معادلات الداخل المعقّدة طائفياً وحزبياً، وترتبط تحديداً بـ»فك الارتباط مع طهران».
وقد أثارت صورة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهو يرفع إصبعه خلال مصافحته ترامب في «قمة شرم الشيخ» الأخيرة، انقساماً داخل المنظومة السياسية الشيعية.
وهاجم سياسيون مقرّبون من «الفصائل» وجمهورهم تصرّف رئيس الحكومة في القمة التي عُقدت الاثنين الماضي، معتبرين المصافحة «إهانة للعراق» مقابل السعي للحصول على ولاية ثانية.
ووصفت منصّات إخبارية تابعة لتلك الجماعات السوداني بأنه شارك في «التعليق السيئ» الذي صدر عن ترامب عندما قال إن «العراق نفطه كثير وعقله قليل!»، بحسب تفسير تلك المنصات.
وكان ترامب قد حذّر، خلال كلمته في «قمة شرم الشيخ للسلام»، ضمن شكره للدول التي أسهمت في دعم جهود التهدئة، من أن العراق قد يواجه «مشكلة» إذا فشل في إدارة ثروته النفطية بشكل صحيح، قائلاً: «العراق بلد مليء بالنفط، وسيكون مشكلة لديكم إذا لم تعرفوا كيف تتعاملون مع النفط».
في المقابل، رفض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مشاركة السوداني في القمة، ووصفها في تدوينة بأنها «وصمة عار».
أما شبل الزيدي، زعيم كتائب الإمام علي، فقال في منشورٍ إن الحضور في «قمة المطبعين» يُعدّ «مغازلة غير مقبولة لمحور التطبيع»، معتبراً أن مشاركة السوداني «تسويق شخصي على حساب الثوابت الوطنية».
ونقلت الوكالة الرسمية الاثنين الماضي، عن «مصدرٍ رفيع» لم تذكر اسمه، قوله إن السوداني سينسحب من القمة إذا شارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبحسب الخارجية العراقية، فإن مشاركة السوداني جاءت بدعوة رسمية من مصر والولايات المتحدة، ولم يحضر نتنياهو فعلاً القمة
وجاءت المصافحة بين السوداني وترامب بعد أيام من إعلان الخزانة الأميركية إدراج شخصيات مما يعرف بـ «محور المقاومة» ومؤسسة حكومية عراقية على «قائمة الإرهاب».
وبحسب مستشاره للشؤون الخارجية، فرهاد علاء الدين، فإن السوداني كان يبحث عن «وسيط» أو «لوبي» ينقل وجهة نظر بغداد إلى واشنطن، وسط أنباء عن فتور في العلاقة بين البلدين.
«مشهد استعراضي»
يرى الباحث في الشأن السياسي أحمد الياسري، المقيم في أستراليا، أن تعليق ترامب حول النفط العراقي «طبيعي» وجاء ضمن «مشهدٍ استعراضي سياسي».
وقال الياسري: «ليس كل ما يقوله ترامب يتحوّل إلى سياسة خارجية لإدارته. تصريحه عن العراق جاء ضمن تعليقات عديدة وجّهها إلى زعماء آخرين في القمة».
ويضيف أن «ترامب كثيراً ما يتحدث عن العراق في منشوراته، ويصفه بأنه بلد النفط الذي تحوّل إلى جامعة هارفارد للفساد».
وسبق لترامب أن أعرب في مقابلة مع محطة (ABC) الأميركية عن استيائه من “ترك العراق” ليملأه الإيرانيون و(داعش)، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية كان عليها أن تبقى هناك “لتسيطر على النفط العراقي”.
ويرى الياسري أن رئيس الوزراء العراقي ربما استفاد من طريقة لقائه بترامب، موضحاً أن “الإشارات التي خرجت من اللقاء تُظهر أن السوداني ربما يكون شخصية متفاهمة مع الإدارة الأميركية”.
الطريق إلى الولاية الثانية
ويؤكد الياسري، رئيس “المركز العربي الأسترالي للدراسات الستراتيجية”، أن “القاعدة الرئيسة لسياسة إدارة ترامب تجاه العراق مرتبطة بالملف الإيراني. فإذا كان ترامب في حالة اشتباك مع إيران يحاول فصل العراق عنها، وإذا كان في حالة تقارب يمنحها مساحة لتكون مديراً محلياً أو متعهدا في العراق”.
ويتابع: “حتى الآن لم يفصل ترامب الملف الإيراني عن العراقي، وهذا واضح من ممارسات إدارته”، مضيفاً أن “واشنطن غير مهتمة بالانتخابات العراقية بحد ذاتها، بل بما ستنتجه من شخصيات سياسية”.
وأوضح أن المهم بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تُفرز الانتخابات “شخصية متفاهمة مع أميركا، سواء كانت شيعية أو سنية أو كردية، شرط ألا تكون تابعة للحرس الثوري أو خاضعة لطهران”، مضيفاً: “لا يهم أن تكون الشخصية متفاهمة مع إيران، فدول الخليج نفسها حليفة لأميركا رغم تفاهمها مع طهران”.
وعلى الجانب الآخر دافعت شخصيات سياسية شيعية عن مشاركة السوداني في القمة، إذ وصفت النائبة عالية نصيف، المرشحة في قائمة السوداني، حضوره بأنه “موقف وطني مشرّف”.
وسخر محللون سياسيون مقرّبون من “الفصائل” و”محور المقاومة” من أنباء عن نية أميركا توجيه ضربات للعراق بعد نشر صورة مصافحة السوداني – ترامب، الذي يُفترض أنه “مطلوب قضائياً” في العراق على خلفية قضية مقتل أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي عام 2020.
بالمقابل، يقول النائب السابق مثال الآلوسي: “الولايات المتحدة تبحث في العراق عن حكومة تمثل بغداد لا طهران”.
ويضيف: “هناك توجه أميركي لزيادة استثمار الشركات الأميركية في العراق، وهذه رسالة بأن واشنطن تدفع نحو الاستقرار، لكنها لن تقبل بهيمنة الميليشيات”.
وفي الأسبوع الماضي، عادت شركة إكسون موبيل، عملاق الطاقة الأميركي، إلى المشهد النفطي العراقي بعد انقطاع دام قرابة عامين.
وأعلن السوداني في 8 تشرين الأول الحالي عن توقيع اتفاقية مع الشركة لتطوير حقل “مجنون” النفطي العملاق في البصرة، إلى جانب توسيع البنية التحتية لتصدير النفط في البلاد.