روايات وتوقّعات عن مهمّة المبعوث الأميركي الجديد إلى بغداد تلاحقه قبل وصوله
بغداد/ تميم الحسن
حصل مبعوث « ترامب» الجديد في بغداد، مارك سافايا، على خمسة ملايين دولار من السلطات العراقية قبل مباشرته مهامه، في إطار مزاعم تتعلّق بـ«صفقات لشراء الرضى الأميركي»، بحسب ما كشفه سياسي مطّلع.
وأثار قرار الرئيس الأميركي، أمس، تعيين مارك سافايا اهتمام العراقيين منذ اللحظات الأولى لإعلان الخبر، خصوصاً وأنّ الأخير من أصول عراقية مسيحية، ويمتلك شركة لبيع «الحشيش» الطبي في ولاية ميشيغان، بحسب تقارير صحفية أميركية.
وجاء تكليف المبعوث الأميركي الجديد عقب تصريحات مثيرة أدلى بها الرئيس دونالد ترامب خلال مؤتمر شرم الشيخ في مصر الأسبوع الماضي، تناول فيها إدارة قطاع النفط في العراق. ويُرجَّح أن يتولّى مارك سافايا دوراً في «دبلوماسية غير تقليدية» تركّز على ملف الاقتصاد والأقليات وحمايتها داخل العراق.
مكافأة ترامب
اعتبر مثال الألوسي، السياسي المستقل، أن تعيين مارك سافايا مبعوثاً للرئيس الأميركي إلى العراق يحمل دلالات متعدّدة، لكنه ليس مفاجئاً ولا يعني وجود تغيّر في السياسة الأميركية تجاه العراق، موضحاً لـ(المدى) أن «سافايا كان ناشطاً في حملة ترامب الانتخابية، ويُعتقد أنه ساهم في جذب نحو 30 ألف صوت من أصوات العراقيين، وأن تعيينه يأتي كمكافأة على هذا الدور».
وأكد الألوسي، وهو نائب سابق، أن أي مبعوث أميركي لا يمكنه تجاوز النفوذ الإيراني في العراق أو البعد الإقليمي المعقّد للعلاقة بين البلدين، مشيراً إلى أن سافايا يختلف عن سفير واشنطن في تركيا توم بارك، وهو أيضاً مبعوث لبنان وسوريا، من حيث طبيعة المهام.
ولم تُعيّن واشنطن، منذ نحو عام، سفيراً جديداً في بغداد خلفاً للسفيرة السابقة ألينا رومانوسكي، المعروفة بمواقفها المتشدّدة تجاه الجماعات المسلّحة المقرّبة من طهران. ورُجِّح في وقت سابق أن تخلفها تريسي جاكوبسون، التي تُعدّ بدورها من أبرز الدبلوماسيين الأميركيين المعارضين للنفوذ الإيراني في المنطقة.
شراء الرضى الأميركي
من جانب آخر، انتقد الألوسي غياب الثقة بين الحكومة العراقية والسفارة العراقية في واشنطن، التي يُفترض أن تضطلع بمهمة تعزيز التواصل وتقريب العلاقات بين الجانبين، بدلاً من الاعتماد على قنوات واتصالات جانبية.
كما حذّر من إشاعات متداولة في بغداد تزعم أن الحكومة دفعت خمسة ملايين دولار إلى مارك سافايا لتسهيل مكالمة هاتفية سابقة بين السوداني وترامب، معتبراً أن هذه الأحاديث غير مدروسة وخطيرة.
ولفت الألوسي إلى أن بعض التسريبات تشير إلى تحويل أموال من شركات نفط أميركية تعمل في العراق إلى شخصيات أميركية وعراقية من أصول أميركية، بهدف تسهيل زيارة السوداني إلى واشنطن الشهر المقبل قبل الانتخابات التشريعية العراقية، وهو ما يسعى مستشاروه إلى استثماره لتحقيق مكاسب انتخابية.
ورأى أن الجانب الإيجابي في التعيين هو أنه يعكس اهتماماً أميركياً متجدّداً بالعراق بعد فترة عزلة دبلوماسية، وأن اختيار شخصية من أصول عراقية مسيحية يوجّه رسالة دعم للمسيحيين والأقليات.
كما اعتبر أن التكليف يشير إلى رغبة واشنطن في التعامل مع حكومة عراقية متوازنة مستقبلاً، لا تخضع لهيمنة «الإطار التنسيقي». وأضاف: «يجب أن نشكر ترامب لاهتمامه مجدداً بالعراق».
وأثارت زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأخيرة إلى قمة شرم الشيخ ومصافحته للرئيس الأميركي دونالد ترامب انقساماً داخل المنظومة السياسية الشيعية. فقد هاجم سياسيون مقرّبون من «الفصائل» وجمهورهم تصرّف السوداني، معتبرين المصافحة «إهانة للعراق» مقابل السعي للحصول على ولاية ثانية.
وكان ترامب قد حذّر، خلال كلمته في القمّة، من أن العراق قد يواجه «مشكلة» إذا فشل في إدارة ثروته النفطية بشكل صحيح، مشيراً إلى أن البلاد غنيّة بالنفط، وأضاف: «ستكون مشكلة لديكم إذا لم تعرفوا كيف تتعاملون مع النفط».
وفي المقابل، رفض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مشاركة السوداني في القمة، واصفاً إياها في تدوينة بـ«وصمة عار».
وجاءت المصافحة بعد أيام من إعلان وزارة الخزانة الأميركية إدراج شخصيات محسوبة على ما يُعرف بـ«محور المقاومة» ومؤسسة حكومية عراقية على قائمة الإرهاب.
وبحسب مستشاره للشؤون الخارجية، فرهاد علاء الدين، كان السوداني يسعى إلى إيجاد وسيط أو لوبي ينقل وجهة نظر بغداد إلى واشنطن، وسط أنباء عن فتور في العلاقات بين البلدين.
دور غير تقليدي
من جانبه، رأى غازي فيصل، الدبلوماسي السابق، أن تعيين مارك سافايا يشكّل مؤشراً على مرحلة تحوّل مهمة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه بغداد، والتي شهدت، كما أشارت وزارة الخارجية الأميركية، تجميداً مؤقتاً للعلاقات الدبلوماسية وعدم إرسال سفير من واشنطن.
وأضاف في حديثه لـ(المدى) أن «الوضع الحالي بوجود قائم بالأعمال في بغداد يقلّص مستوى التمثيل الدبلوماسي بين بغداد وواشنطن».
ويرى غازي فيصل أن إرسال المبعوث الذي يرتبط مباشرة بالرئيس الأميركي قد يؤدّي إلى تنفيذ برنامج يختلف عن البرنامج المعتاد للدبلوماسية الأميركية، مشيراً إلى أن «طبيعة المبعوث الرئاسي ودوره تختلف تماماً عن الأدوار الدبلوماسية التقليدية، إذ يمتلك صلاحيات واسعة للتحرّك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى في تأسيس الشركات».
ورجّح فيصل، الذي يرأس أيضاً المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن يلعب المبعوث الجديد مارك سافايا دوراً في تحويل الاقتصاد العراقي من نموذج هجين يعتمد على مزيج من الدولة والقطاع الخاص إلى اقتصاد أكثر انفتاحاً وتعددية، يُعرف بالاقتصاد الليبرالي أو اقتصاد السوق المفتوح، بما يتماشى مع التحوّلات الدولية ويسهم في تفكيك الاحتكار المؤسسي للدولة على الموارد والثروات.
وأضاف فيصل أن «سافايا قد ينجح في تحويل الاقتصاد والتجارة العراقية نحو اقتصاد مفتوح، ما يتطلّب تعديلات على العديد من القوانين التقليدية التي تشكّل عقبة أمام جذب الاستثمارات العالمية، خصوصاً الأميركية والأوروبية، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين العراقيين المحليين».
وأكد فيصل أن دور المبعوث يتجاوز الدبلوماسية التقليدية، ليصبح دبلوماسية اقتصادية واجتماعية تهدف إلى بناء علاقات بين الشعبين الأميركي والعراقي على أسس مختلفة، بعيداً عن القواعد العسكرية والحروب والنزاعات، نحو تحقيق سلم مدني مستدام.