الوثيقة | مشاهدة الموضوع - نقل الفلسطينيين إلى جوهانسبورغ.. “المجد أوروبا”: غموض واتهامات بـ”التهجير الصامت”
تغيير حجم الخط     

نقل الفلسطينيين إلى جوهانسبورغ.. “المجد أوروبا”: غموض واتهامات بـ”التهجير الصامت”

القسم الاخباري

مشاركة » الأحد نوفمبر 16, 2025 9:42 pm

1.jpg
 
غزة – «القدس العربي»:فتحت الرحلة الجوية غير المباشرة، التي انطلقت من مطار «رامون» الإسرائيلي إلى مطار «جوهانسبرغ» في جنوب أفريقيا، مرورًا بأحد مطارات القارة الأفريقية، وهي تحمل على متنها عشرات الفلسطينيين من قطاع غزة، كان أغلبهم عائلات بأكملها، وما واجه المسافرين من مشقّات في السفر عند وصول وجهتهم، الباب أمام شكوك كبيرة حول أهداف الجهة التي نظمت الرحلة، وعلاقتها بمخطط إسرائيل لتهجير السكان، خاصة وأن هذه لم تكن الرحلة الأولى لهذه المؤسسة لإخراج غزّيين إلى الخارج.

تهجير صامت

والحديث في هذا السياق يتركز على جهة تعرف نفسها ومن يتعامل معها باسم مؤسسة «المجد أوروبا»، التي يعرفها سكان غزة جيدًا، من خلال موقع إلكتروني اشتهر مؤخرًا بزيارة الغزيين الذين ذاقوا ويلات الحرب والقتل والتدمير على مدار عامين، بحثًا عن فرصة للخروج من «المقتلة» الكبيرة التي تنفذها إسرائيل، والتي لم ترحم صغيرًا ولا كبيرًا، وخلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى، إلى جانب دمار طال نحو 80% من قطاع غزة الساحلي الضيق.
ولا يُعرف بالضبط الجهة التي تقف وراء تلك المؤسسة، غير أن شكوكًا كثيرة يجري تناقلها تؤكد أن لإسرائيل ضلعًا كبيرًا فيها، وأن الهدف من ذلك تنفيذ مخطط «التهجير الصامت» لسكان غزة.
وعلى الصفحة الرسمية لهذه المؤسسة هناك شروحات كثيرة عن عمل المؤسسة؛ فبداية الدخول للصفحة تنقل المتصفح إلى تنبيه من عمليات احتيال قد تحدث باسم المؤسسة، من أي جهات أو وساطة أو تدخل خارجي، وتقول إنها لا تمنح أي تفضيل أو أولوية لأي شخص، ولا تُقبل أي طلبات استعجال للموافقات الأمنية، وأنه لا يوجد أي دفع إضافي لضمان الموافقة أو التسريع، وتؤكد أن الطريقة الوحيدة المعتمدة تكون من خلال التسجيل الحصري عبر الرابط الرسمي للمؤسسة، وذلك مع إشارتها إلى أن جميع المندوبين المعتمدين منها «معروفون بالاسم»، وأن أرقامهم الرسمية معلنة عبر القنوات الرسمية للمؤسسة فقط.

«القدس العربي» تكشف مسار النزوح من غزة إلى جوهانسبرغ

وعلى الموقع الرسمي عدة أرقام وُضعت للتواصل مع إظهار الأسماء الأولى فقط لأصحابها، وهو ما يثير الشكوك حول احتمالية أن يكون الاسم وهميًا، غير أن أشخاصًا سجلوا عبر رابط المؤسسة، وآخرين أجليت عائلاتهم مؤخرًا وتواصلت معهم «القدس العربي»، قالوا إنهم يعرفون أحد الأشخاص جيدًا ممن يروّجون لعمل المؤسسة، والحديث عن شاب كان من أوائل من خرجوا عبر تنسيق هذه المؤسسة قبل عدة أشهر إلى إحدى الدول الآسيوية.

الهجرة مقابل المال

أحد من تحدثت معهم «القدس العربي»، واكتفى بذكر اسمه الأول «أحمد»، وهو اسم مستعار خشية أن يؤثر ذلك على طلب خروج أسرته من غزة، قال إنه علم بأمر المؤسسة وعملها على تنظيم رحلات سفر من غزة إلى إندونيسيا، من إحدى العائلات التي أجليت قبل أشهر، وأنه بدأ التواصل مع هذه المؤسسة «المجد أوروبا» لإخراج أفراد أسرته الموجودين في غزة. ويضيف أحمد أنه علم أن بدايات السفر من غزة كانت «مجانية»، حيث كانت المؤسسة تدير الأمر حتى وصول المسافرين إلى وجهتهم، وأنه عند تواصله طُلب منه دفع مبلغ مالي مقابل كل اسم من أفراد العائلة.

مسؤول في جهة دولية لـ«القدس العربي»: تنسيق أسماء المسافرين ينقل مباشرة من الجانب الإسرائيلي إلى الجهة المكلفة بذلك في غزة.

ومن مواطنين آخرين سجلوا للسفر عبر المؤسسة ظهر أن المبلغ الذي يُدفع غير متشابه، وأنه بداية طُلب الدفع عبر طريقة التحويل البنكي، وكانت تصل إلى 1000 دولار أمريكي مقابل كل مسافر، لتصل حاليًا إلى 2700 دولار، فيما اتضح مؤخرًا أن من بين من سافروا دفعوا 5000 دولار مقابل تسريع أمور خروجهم.
ويقول أحمد لـ»القدس العربي» إن الخوف على أفراد من أسرته موجودين في غزة ويعيشون في النزوح المرير، وخشيته من فقدانهم جراء الهجمات الإسرائيلية الدامية، دفعه إلى تدبير مبلغ مالي، والاتفاق عبر الرسائل مع أحد المنظمين على تطبيق «واتس أب» على دفع باقي المبلغ عندما تتم عملية السفر، وقد تلقى وعدًا أن يُنجز أمر السفر قريبًا، بعد أن فشلت محاولاته في أن يكون أفراد أسرته من بين من جرى إخراجهم مؤخرًا إلى جنوب أفريقيا.
وبعد طلب متكرر وجهته «القدس العربي» لأحد الأشخاص الذين أجليت عائلتهم إلى جنوب أفريقيا، تحدث هذا الشخص، شارحًا ما حدث معه منذ البداية بالقول: «تواصلت بالطريقة الرسمية مع المؤسسة عبر الصفحة الإلكترونية، وقمت بتعبئة الطلب المرفق»، ويتابع: «بعدها تلقيت رسالة بالموافقة المبدئية، وطلب مني دفع مبلغ مالي»، ويشير إلى أنه بعد ذلك تواصل مع أحد الأشخاص المعروفين بالعمل مع المؤسسة، وجرت عملية التحويل، وأُبلغ قبل يومين من موعد السفر إلى جنوب أفريقيا بالاستعداد للمغادرة، ويقول: «قبل يوم السفر جرى اتصال أبلغنا فيه بمكان التجمع، وهناك استقلت العائلة الحافلة مع ناس آخرين، وانطلقوا من النقطة الأولى».

طرق السفر

وبالغالب يجري تجميع السكان في إحدى المناطق الواقعة وسط القطاع، وتتبع إجراءات السفر مع المغادرين من خلال مؤسسة «المجد أوروبا»، على غرار عمليات الإجلاء المعروفة التي يوافق عليها الجانب الإسرائيلي وتشمل مرضى وطلبة ومواطنين لهم أقارب من الدرجة الأولى في دول أوروبية، حيث يجري التأكد من أسماء المسافرين حسب الكشف المُرسل بالموافقة من الجانب الإسرائيلي، وبعدها تنطلق الحافلات بإشراف من طواقم الصليب الأحمر إلى معبر كرم أبو سالم أقصى الحدود الجنوبية الشرقية لقطاع غزة، ومن هناك، حيث تسيطر قوات الاحتلال على المعبر الخاضع بالكامل لإدارتها، يجري نقل السكان بعد التحقق من هوياتهم إلى مطار رامون، وليس كما جرت العادة مع المرضى والطلاب بنقلهم في حافلات أخرى إلى الأردن، ومن هناك تتم عملية نقلهم جوًا كلٌّ إلى وجهته.

مصدر فلسطيني لـ«القدس العربي»: منذ بداية الحرب لا تنسيق سفر من غزة أو أي اتصال مع إسرائيل بخصوص معبر كرم أبو سالم

ويقول الرجل الذي سافرت عائلته مؤخرًا في رحلة جنوب أفريقيا إن قلقًا كبيرًا انتابه بعد تكشف أمر الرحلة، وتأخر منح الركاب إذن الدخول إلى جوهانسبرغ، ما يعني أن المؤسسة المذكورة لم تكن تجري التنسيق الرسمي الذي كانت تتحدث عنه لمن يتعامل معها، وأنه كان يخشى على مصير أفراد العائلة وبينهم أطفال. وكغيره يؤكد أن الخوف من الموت ومرارات الحياة في غزة التي خلقتها ظروف الحرب الطويلة الدامية هي ما أجبره على هذا الخيار.

لغة عاطفية تستغل السكان

وتضع المؤسسة، وبعد صفحة تحذير المتعاملين معها من عمليات النصب، في صدر الصفحة عدة لافتات بأسلوب يحمل اللغة العاطفية والجمل البراقة، حيث كُتب في الأولى «الإجلاء الإنساني»، وتتبعه بجملة «لأهل غزة الصامدين، لستم وحدكم»، وتضيف وهي تبعث برسالة لترغيب الفلسطينيين بالتعامل معها: «في ظل القصف، وتحت الأنقاض، هناك من ما زال يؤمن أن الحياة تستحق فرصة أخرى. جئنا لنمدّ يد العون، ونفتح لكم بابًا نحو الأمان».
2.jpg
 


وتعرّف المؤسسة نفسها أنها «منظمة إنسانية تأسست في عام 2010 في ألمانيا»، وأنها مختصة في تقديم المساعدات وجهود الإنقاذ للمجتمعات المسلمة في مناطق النزاع والحروب، وأن مقرها الرئيسي يوجد في القدس، وأنها عملت سابقًا في عدة دول لتقديم المساعدات والإغاثة لمن هم أكثر تضررًا من ويلات الحرب والمحن، وأنه خلال العام الماضي ركزت جهودها بشكل أساسي على دعم أهل غزة، وأن خدمة السفر متاحة حاليًا للسكان الموجودين داخل قطاع غزة فقط.

شكوك كبيرة

غير أن أحدًا لم يؤكد وجود مقر لهذه المؤسسة في مدينة القدس، وعلى موقعها الرسمي لا تضع المؤسسة صورًا لها ولا لطواقمها ولا صورًا لنشاطاتها السابقة في دول العالم، ولا توضّح جهات تمويلها كونها إنسانية، حيث تبقى أمورها ضبابية، ما يعزز الشكوك حولها. وهناك من يؤكد أنها لم تُجرِ سابقًا أي عمليات إجلاء إنساني لأناس متضررين من النزاعات من أي مناطق في العالم، وأن عملها بدأ فقط في غزة.
ويؤكد مسؤول في جهة دولية تعمل في غزة لـ»القدس العربي» أنه حسب معرفته فإن عمليات تنسيقها لأسماء المسافرين تُنقل مباشرة من الجانب الإسرائيلي إلى الجهة المكلفة بذلك في غزة، وهذه الأمور تعزز الشكوك في أهداف عمل المؤسسة وارتباطها بخطة إسرائيل لـ «تهجير» السكان.
وتوضح المؤسسة على صفحتها أن وجهات السفر تختلف بناءً على معايير المتقدمين، حيث يقوم فريق المؤسسة المختص بتحديد الوجهة الأنسب بعد دراسة الجوانب الإنسانية واللوجستية، غير أن ما واجهته الرحلة الأخيرة إلى جنوب أفريقيا التي حملت على متنها 153 مواطنًا بينهم أطفال كشف عدم مصداقية المؤسسة، خاصة وأنه لم يكن هناك تنسيق لدخول المسافرين، بعد أن احتجزتهم شرطة الحدود لعدة ساعات بسبب عدم وجود أختام مغادرة من إسرائيل على جوازات سفرهم.

أحد الأشخاص الذين أجليت عائلتهم: «تواصلت عبر الصفحة الإلكترونية، وتلقيت موافقة، ثم طُلب مني المال، وبعد التحويل أُبلغت بالاستعداد للمغادرة

وفي خضم تلك الأزمة قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا عن المسافرين: «إنهم أشخاص من غزة وُضعوا بطريقة غامضة على متن طائرة مرت بنيروبي وجاءت بهم إلى هنا»، موضحًا أن بلاده استقبلتهم من باب التعاطف مع وضعهم الإنساني، وأن التحقيق في تفاصيل وصولهم مستمر.
وكانت هذه الرحلة هي الثانية لهذه المؤسسة خلال أقل من شهر لمواطنين من غزة إلى جنوب أفريقيا، حيث جرى منحهم الإذن في الرحلة الثانية بناءً على تدخل رئاسي لمعالجة موقف إنساني، خاصة وأن من بين المسافرين كان هناك أطفال. حيث يتضح أنه يوم 28 تشرين الأول / أكتوبر الماضي وصلت رحلة أولى تقل 176 فلسطينيًا من قطاع غزة، ووقتها تم استقبالهم في جنوب أفريقيا برسائل عبر تطبيق «واتس أب» تحدد لهم سيارات «أوبر» لنقلهم على نفقتهم الخاصة إلى بيوت ضيافة وفنادق رخيصة في مناطق متفرقة من جوهانسبرغ، لكن بعد حجز إقامة لهم لمدة 7 أيام فقط انقطعت الجهة التي نظمت سفرهم عن التواصل معهم وتركتهم يواجهون مصيرهم بمفردهم.
ويضع موضوع نقل المسافرين إلى جنوب أفريقيا بدلًا من إندونيسيا علامات استفهام أخرى حول إن كانت الدولة الثانية قد رفضت التعامل مع هذه المؤسسة بعد انكشاف أمرها وغموض نواياها والشكوك الكبيرة في نشاطاتها.
وتبين من عملية السفر أن إسرائيل، التي سهّلت خروج المسافرين من غزة ونقلتهم من معبر كرم أبو سالم إلى مطار «رامون»، لم تضع أي أختام على أوراق سفرهم وفق الإجراءات المتبعة في كل دول العالم، وهو ما يضع علامات استفهام حول مخطط مدروس يمنع عودتهم إلى القطاع لاحقًا، لعدم حصولهم على ما يثبت أمر سفرهم.

تحذير رسمي

وفي هذا السياق أكد مصدر فلسطيني مطّلع أن أيًّا من الطواقم الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية لم تكن له علاقة بسفر هؤلاء المواطنين. وأوضح المصدر، الذي يعمل في هيئة الشؤون المدنية، أنه منذ بداية الحرب لم يعد هناك تنسيق للسفر من غزة أو أي اتصال مع الجانب الإسرائيلي بخصوص عمل معبر كرم أبو سالم، وأن عمليات السفر تُجرى عبر جهات دولية وإغاثية لا علاقة للجانب الفلسطيني فيها، وأن هناك عمليات سفر تتم من خلال طلب إسرائيلي مباشر من جهات التنسيق، وهي منظمات دولية، للإشراف على تحرك الحافلات من غزة إلى ذلك المعبر.
وقد حذرت جهات رسمية فلسطينية من هذه الرحلات «المشبوهة»، فبعد تدخلها لحل أزمة المسافرين الأخيرة قالت سفارة فلسطين لدى جنوب أفريقيا إن ترتيب سفرهم تم عبر جهة غير مسجلة ومضللة «استغلت الظروف الإنسانية المأساوية لأبناء شعبنا في غزة، وقامت بخداع العائلات، واستغلالها ماليًا، وتنظيم سفرها بطريقة غير قانونية وغير مسؤولة»، مشيرة إلى أن هذه الجهة لاحقًا حاولت التنصل من أي مسؤولية فور ظهور التعقيدات.
وأنذرت وزارة الخارجية الفلسطينية الشركات والكيانات التي تضلل المواطنين وتحرضهم على «الترحيل أو التشريد»، واستغلال أوضاعهم الإنسانية المأساوية والكارثية، مشددة على أنه «لن يتم التسامح معها»، وقالت إنها ستتابع جميع الحالات التي تم فيها خداع المواطنين، ودعت سكان قطاع غزة إلى «توخي الحيطة والحذر، وتجنب الوقوع فريسة لشبكات الاتجار بالبشر وتجار الدم ووكلاء النزوح».
وقد أوضحت غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في قطاع غزة أن الفترة الأخيرة شهدت تزايدًا في نشاط جهات خاصة وغير قانونية «تقوم بخداع المواطنين، وجمع مبالغ مالية بطرق غير مشروعة، وترتيب سفر عبر مسارات غير آمنة قد تعرّضهم لمخاطر قانونية وإنسانية بالغة»، وطالبت المواطنين الإبلاغ عن هذه الجهات.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار