لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا أعده إيشان ثارور قال فيه إن الفلسطينيين في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الهش يواجهون تحديات كبيرة، والتي أصبحت ثانوية لكل من الولايات المتحدة والسعودية، في إشارة إلى استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يقوم بزيارته الأولى إلى واشنطن منذ سبعة أعوام.
دافع ترامب، في لقاء صدامي مع الصحافيين، عن ولي العهد السعودي، وأثنى على سجل حقوق الإنسان في السعودية
وحتى في غياب التطبيع بين السعودية وإسرائيل فإن وضعًا جديدًا بدأ يترسخ في الشرق الأوسط. فقد كشفت زيارة ولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، عن الأولويات الجديدة، كما أظهرت الطريقة التي سامحت فيها الدول الكبرى الأمير السعودي على ما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2018 ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية.
وقد دافع ترامب، في لقاء صدامي مع الصحافيين، عن ولي العهد السعودي، وأثنى على سجل حقوق الإنسان في السعودية، ورفض مقتل خاشقجي قائلًا: “هناك أمور تحدث”، وقال إنه لا يحمّل الأمير المسؤولية، رغم التقرير الاستخباري للوكالات الأمريكية التي قالت غير هذا.
وقد استُقبل الأمير بالحفاوة والصخب وسرب من الطائرات المحلّقة ومأدبة عشاء تشبه مأدبة عشاء رسمية، مع أن الأمير ليس الحاكم للسعودية رسميًا، بل الزعيم الفعلي. وحضر الحفلة طيف من المسؤولين ورجال الأعمال ونجوم رياضة. إلا أن الرئيس الأمريكي، الذي عقدت عائلته سلسلة من الشراكات التجارية في المملكة، أكد أن تحالفه مع ولي العهد السعودي هو أكبر من مجرد قبضة اليد التي قام بها الرئيس جو بايدن في زيارته للسعودية عام 2022. وقال: “أمسك بتلك اليد”، و”لا يهمني أين كانت هذه اليد”. لكن الصحيفة نفسها التي كان يشارك فيها خاشقجي مقالاته تهتم؛ مشيرًا إلى ما قاله، الثلاثاء، جيسون رضائيان، مدير مبادرات الحرية في الصحيفة، للراديو الوطني العام: “هذا أمر لا يمكننا سحبه تحت البساط ونسيانه”.
إلا أن البيت الأبيض ركز في لقاء الرئيس مع ولي العهد على الصفقات الكبرى بين البلدين، بما في ذلك إمكانية شراء السعودية مقاتلات “أف-35” واحتمال انفتاح في العلاقات الأمريكية مع إيران وصفقات في مجالات الطاقة وسلاسل التوريد الحيوية للمعادن.
ومع ذلك، فقد كان الموضوع الأساسي الذي يحوم فوق اللقاء في البيت الأبيض هو الوضع في غزة، المنطقة التي سويت بالتراب جراء قصف إسرائيلي استمر لمدة عامين، الذي بدد أي أمل في انضمام السعودية إلى نادي دول التطبيع مع إسرائيل.
فالأمير السعودي، الذي لم يُعرف عنه ارتباطه العاطفي بالقضية الفلسطينية مثل والده الملك سلمان، لا يزال مرتبطًا برغبات البلاط الملكي في الرياض، وكذلك المشاعر الداعمة لفلسطين داخل بلده.
والثلاثاء، رحّب الأمير محمد باحتمالية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه أشار إلى أن أي تطبيع مع إسرائيل سيتطلب مسارًا واضحًا لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وقبل يوم، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا مدعومًا من الولايات المتحدة، يدعم خطة ترامب لغزة ويرسخها حسب القانون الدولي، ويقضي بـ”إنشاء مجلس سلام، برئاسة ترامب وعضوية من يختارهم، حيث سيسيطر لمدة عامين على كل جانب تقريبًا من جوانب الأمن والحكم وإعادة إعمار غزة”. وتشير الخطة، التي تخلت عن مطالب حاسمة من الفلسطينيين، إلى مسار محتمل نحو السيادة الفلسطينية، وإن كانت بشروط ومحاذير تعني تأجيل مسألة إقامة الدولة.
ولا يزال السياسيون الإسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يعارضون بشدة أي نقاش حول إقامة دولة فلسطينية. كما أن بعض أعضاء حكومة نتنياهو صريحون أيضًا بشأن المستقبل الذي يرونه للفلسطينيين: مستقبل يقبلون فيه العيش كمواطنين من الدرجة الثانية في ظل سيادة يهودية، أو الرحيل. وقال وزير الدفاع إسرائيل كاتس قبل فترة: “الحل الحقيقي الوحيد لغزة هو تشجيع الهجرة الطوعية”.
ويعلق ثارور أنه لا العملية السياسية التي أقرتها الأمم المتحدة، ولا تعميق العلاقات الأمريكية- السعودية يغيران الواقع الكئيب للفلسطينيين على الأرض.
وكما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أطلق المستوطنون الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون موجة من الإرهاب في الضفة الغربية، ما عرض المزارعين الفلسطينيين للخطر خلال موسم حصاد الزيتون السنوي.
وأشار إلى تقرير أعدته الأسبوع الماضي لويزا لوفلوك قالت فيه: “في 77 بلدة وقرية، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، أحرقت عصابات من المتطرفين اليهود السيارات ونهبت المعدات الزراعية وأتلفت أكثر من 4000 شجرة وشتلة”. وبات عدد هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين- بمعدل 8 حوادث يوميًا- هو الأعلى منذ أن بدأت الأمم المتحدة توثيقها عام 2006.
كان الموضوع الأساسي الذي يحوم فوق اللقاء في البيت الأبيض هو الوضع في غزة الذي بدد أي أمل في انضمام السعودية إلى نادي دول التطبيع مع إسرائيل
ورغم إدانة السلطات الإسرائيلية أعمال العنف، فإن جماعات حقوق الإنسان والناشطين يزعمون أن القوات الإسرائيلية مكنت في بعض الحالات أو وقفت مكتوفة الأيدي أثناء هجمات الأهالي. وينفي هذا الإكراه والضغط تأكيدات ترامب وغيره من القادة العرب بأن إسرائيل لن تتمكن من ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع.
ونقل الكاتب عن يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة “بتسيلم”: “الضفة الغربية خاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة”. وأشارت هي وزملاؤها إلى عملية ممنهجة يقوم بها المستوطنون ودولة إسرائيل لمصادرة الأراضي الفلسطينية، واحتكار الوصول إلى إمدادات المياه، والضغط على حياة الفلسطينيين في المنطقة. وقالت: “ما نراه في العامين الماضيين هو أن كل فلسطيني في الضفة الغربية يتعرض لعنف لا حدود له تقريبًا”.
وفي غزة المدمّرة، الوضع أسوأ. قُتل مئات الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي، حتى بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الأطراف المتحاربة. لا تزال المساعدات الإنسانية مقيدة، ودُمرت البنية التحتية المدنية في معظمها. وأعلنت منظمة “بتسيلم” هذا العام أن إسرائيل “تتخذ إجراءات منسقة ومدروسة لتدمير المجتمع الفلسطيني في غزة”، أي ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.
وتخشى نوفاك من عودة الوضع الراهن، حيث تستطيع إسرائيل مواصلة حملاتها “بأقل قدر من الانتقادات، لأن هناك واجهة تبدو فيها الأمور على ما يرام”. وفي اجتماع ترامب ومحمد بن سلمان، يمكنك رؤية الصرح الكامن وراء هذه الواجهة وهو يتبلور.