تثير التصريحات المتلاحقة لمبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، جدلاً واسعاً بشأن مستقبل النفوذ المسلح في البلاد، ومدى انعكاس هذه المواقف على مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.
وشدد سافايا في بياناته الأخيرة على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة ومساءلة الجماعات المسلحة الخارجة عن إطار السلطة، داعياً إلى تعزيز سيادة العراق وسط بيئة سياسية وأمنية يزداد فيها حضور الفصائل ذات الأجنحة العسكرية داخل العملية السياسية.
وتنطلق المخاوف الأميركية من معادلة سياسية جديدة فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2025، حيث حصلت القوائم الشيعية على 187 مقعداً، من ضمنها ما يزيد على 60 مقعداً للفصائل المسلحة.
في وقت تواصل فيه واشنطن التأكيد على دعمها لحكومة قوية وقوات أمن موحدة، بحسب ما جاء في أول بيان رسمي لسافايا وتصريحاته اللاحقة بشأن الهجمات الأخيرة على حقل كورمور الغازي في قضاء جمجمال بمحافظة السليمانية.
ثقل حاسم للفصائل
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي عماد المسافر، أن مهمة مارك سافايا تتجاوز الجانب السياسي نحو ملفات اقتصادية ترتبط بطبيعة عمل إدارة ترمب واستثماراتها في المنطقة.
ويشير المسافر إلى أن نتائج الانتخابات رسمت واقعاً جديداً داخل البيئة الشيعية “التي أظهرت دعماً واضحاً للمقاومة والحشد الشعبي من خلال عدد المقاعد التي حصل عليها هذا المكون”.
ويؤكد المسافر أن الولايات المتحدة “تتعامل مع واقع لا يمكن إنكاره”، وهو امتداد جماهيري للفصائل داخل المجتمع العراقي، ما يجعل تجاوز هذا النفوذ أمراً غير واقعي.
وبناءً على ذلك، يستبعد أن تكون لتصريحات المبعوث الأميركي “تأثيرات كبيرة على مسار تشكيل الحكومة”، لأن العملية الديمقراطية -كما يقول – هي من منحت الفصائل حضورها الحالي.
رسائل تهديد مبطنة
من جانبه، يقدم المحلل السياسي سيف السعدي، قراءة أكثر حدة، إذ يصف تصريحات سافايا بأنها “إملاءات مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب”.
ويلفت السعدي إلى أن البرلمان الجديد هو “الأكثر من ناحية صعود قوى تمتلك أجنحة مسلحة”، بواقع نحو 60 مقعداً للفصائل، ما يعد تحولاً نحو ما يسميه “المقاومة السياسية”.
ووفق السعدي، فإن هذا الواقع أثار انزعاج واشنطن، خصوصاً بعد الهجوم على حقل كورمور للغاز – الذي ندده سافايا واعتبره عملاً تقوده جماعات بأجندات خارجية – مشيراً إلى أن رسائل المبعوث الأميركي اتخذت طابع “التهديد والوعيد” قبل زيارته المرتقبة إلى العراق خلال أسبوعين، حيث سيجتمع مع القوى السياسية، في خطوة يتوقع أن تترك تداعيات سلبية بسبب “لغة التهديد الحاضرة في خطابه”.
لا سلاح منفلتاً
أما الباحث في الشأن السياسي أحمد يوسف، فيذهب باتجاه يرى فيه أن تصريحات سافايا لا تعبر عن موقف شخصي بل “تمثل وجهة النظر الأميركية للمرحلة المقبلة”.
ويؤكد يوسف أن واشنطن تسعى لتهيئة بيئة سياسية جديدة في العراق عنوانها المركزي حصر السلاح بيد الدولة والفصل بين السلطات وإعادة هيبة المؤسسات من خلال فرض القانون.
ويضيف أن الولايات المتحدة ترى في تعزيز الاستقرار خطوة محورية لجعل العراق بيئة جاذبة للاستثمار، انسجاماً مع تصريحات سافايا التي شددت مراراً على دعم العراق اقتصادياً وأمنياً، وعلى توحيد القوات المسلحة تحت راية الحكومة.
ويعتقد الباحث أن الحكومة المقبلة “يراد لها أن تكون حكومة قوية وقادرة على فرض السيادة”، مع التأكيد على أن هذا يجب أن يتم “من دون فرض إرادات خارجية”.
بين الخطاب والواقع
في المقابل، يقلل الخبير الأمني سرمد البياتي من التأثير الفعلي لتصريحات المبعوث الأميركي، معتبراً أنها “إعلامية أكثر مما هي واقعية”، خصوصاً أنها تصدر عبر تدوينات شبه يومية قبل وصوله إلى بغداد.
ويشير البياتي إلى واقع “معقد” يتمثل بفوز نحو 100 نائب من أصول مسلحة في الانتخابات الأخيرة، ما يضع تحدياً عملياً أمام سافايا في كيفية التعامل مع مشرعين ينتمون إلى قوى تمتلك أجنحة عسكرية.
ويرى البياتي في النهاية أن تقييم تأثير سافايا الحقيقي لن يكون قبل دخوله العراق وبدء عمله الميداني، متسائلاً عن الوسائل التي سيعتمدها لتعزيز سلطة الدولة، وهل ستتطابق الأفعال مع التصريحات أم ستغير الوقائع على الأرض من لهجة واشنطن؟.