الحرب في غزة والتطورات الدراماتيكية في المنطقة تطرح على الأردن جملة من التحديات تقض مضاجعه. فامتداد الحرب والأزمة الإنسانية الحادة في القطاع صعبة جداً على المملكة التي دعت سفيرها في إسرائيل للعودة إلى عمان منذ مرحلة مبكرة من الحرب. إضافة إلى ذلك، عليها مواجهة فكرة “ريفييرا غزة”، ومحاولات إسرائيل ضم الضفة الغربية، وجهود إيران لتسخين الجبهة الداخلية في الأردن وغيرها. إلى جانب هذا كله، ثمة وضع اقتصادي يتحدى المملكة بشكل شبه دائم. الأردن لم يستقبل سقوط نظام الأسد بحزن، لكن البديل الإسلامي في شكل أحمد الشرع يقلق القصر الملكي أكثر في ضوء تداعياتها المحتملة على التيار الإسلامي في المملكة والمنطقة. إنجاز “جبهة العمل الإسلامي” التي تمثل الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأردني في أيلول 2024 كان محاولة من النظام للسماح للمعارضة “بالتنفيس” على أمل التحكم بالساحة الداخلية المعتملة قدر الإمكان.
تحليل الساحة الأردنية قد يضلل. فالمملكة الهاشمية تتصدى لسلسلة تحديات، اقتصادية وسياسية، وكانت قادرة عليها حتى الآن، بفضل التقاء المصالح الاستراتيجية مع إسرائيل، والاعتماد على الولايات المتحدة. التعلق الأردني باستيراد الغاز من إسرائيل مثلما هو أيضاً على المساعدات الأمريكية، مهم، لكن عندما تتآكل الثقة مع هؤلاء اللاعبين مثلما يحصل الآن، فالتعلق يغذي النقد الداخلي الحاد.
هل للأردن بدائل في شكل دول كروسيا أو الصين؟ يبدو أن لا، على الأقل في المدى المنظور للعيان، لكن خطاباً إعلامياً أكاديمياً يجري الآن في هذا الاتجاه. هل يقف الأردن أمام “تهديد وجودي”؟ أردنيون غير قليلين سيجيبون بالإيجاب. وإسرائيليون سيدعون بأنه “إحساس عادي” تكثر المملكة من استخدامه.
إذن، ما الذي تغير؟ أولاً، يدور الحديث عن بضعة تطورات، وعلى رأسها التهديد بترحيل الفلسطينيين من القطاع إلى الأردن، وربما من الضفة لاحقاً. ثانياً، يدور الحديث عن ساحة إسرائيلية مختلفة بشكل جوهري عما في الماضي. الخطاب الإسرائيلي عن الضم الذي هو اليوم جزء من أجندة لوزراء مركزيين في الحكومة، يخلق تهديداً ملموساً. والتخوف الأردني، سواء كان مبالغاً فيه أم لا، هو أن إسرائيل الحالية لا تخشى من حل المشكلة الفلسطينية على حساب الأردن. يعتقد كثيرون بأن مصر قد تبقى إذا ما أجبرت على استضافة فلسطينيين من القطاع في سيناء، ولكن الحال مختلف في الأردن. وكما أسلفنا، يتصدى الأردن الآن لجبهتين حيويتين تشكلان سنده الاستراتيجي، إسرائيل والولايات المتحدة.
هل مخاوف المملكة الهامشية مبالغ فيها؟ هل حيويتها بالنسبة لإسرائيل ستبقى لها، رغم المذهب السياسي لحكومة إسرائيل الحالية؟ ربما. لكن، كما أسلفنا، يدور الحديث عن جملة إشكالية واستثنائية تتصدى لها المملكة. يجدر بإسرائيل العقلانية أن تفتح عيونها وتفحص مصالحها الاستراتيجية مع الأردن.
ميخائيل هراري
معاريف 23/4/2025