رغم العاصفة التي أثارها الصاروخ الحوثي الذي سقط في منطقة مطار بن غوريون أمس، فلا شيء غريباً فيه. فقد كان فصلاً آخر في حرب تتواصل في سبع جبهات منذ 17 شهراً، وشكل مقدمة لروتين الحياة المتوقعة للجمهور الإسرائيلي لفترة زمنية غير محددة عقب القرار الذي يلوح في الأفق عن تعميق المعركة في غزة.
أبدى نتنياهو نهجاً مرتباً حين ادعى بأنه لا توجد “ضربة واحدة وانتهينا”. الحوثيون وإن كانوا يتعرضون لضربات شديدة على أيدي الأمريكيين، فإنهم يواصلون القتال. ولن تكرر واشنطن تجارب مصر والسعودية اللتين غرقتا في الوحل اليمني (وأساساً ستمتنع عن التواجد البري)، بحيث أنه من المعقول الافتراض بأن “التنقيط” سيتواصل من اليمن على طول المعركة في غزة.
يجدر بـ “التعقيد” الذي أبداه نتنياهو تجاه الحوثيين (وقبل ذلك في وصفه لقطر) أن يطبقه على غزة أيضاً، التي تحل فيها الأوهام والشعارات محل الأهداف الواقعية والخطط الواعية. فمنذ أكثر من سنة ونصف، يتبين مدى صعوبة تحقيق “الحسم” في غزة (وليس واضحاً ما هو المعنى العملي للاصطلاح)، لكن يتواصل عرض “النصر المطلق” كهدف قابل للتحقيق. كل هذا دون أن يشرح للجمهور بأن “الحسم” يفترض التنازل عن المخطوفين، والقتال المرير داخل المجال المديني في القطاع، واحتلال كامل للمنطقة والبقاء فيها.
الصاروخ القادم من اليمن جسد حقيقة معقدة أخرى ينبغي الاعتراف بها؛ فرغم الإنجازات العسكرية الدراماتيكية، لم ينتهِ القتال في أي واحدة من الساحات. الوضع الأفضل بدا في لبنان، حيث تم توجيه ضربة شديدة لحزب الله مع تثبيت حكم مستقر نسبياً، لكن إسرائيل تواصل العمل طوال الوقت. أما باقي الساحات فالوضع فيها معقد أو متفاقم. ربما لا تزال ذروة القتال أمامنا في غزة؛ أما في سوريا فليس واضحاً ما هي الاستراتيجية، حين تجتذب إسرائيل صراعات داخلية واحتكاكاً مع تركيا؛ أما إيران فهي التهديد المركزي الذي يجب التركيز عليه، وأيادي إسرائيل ما زالت مقيدة إزاءها في ضوء حوار مفاجئ يعمل عليه ترامب وقد ينتهي بصفقة.
قررت قيادة إسرائيل العيش في قطار جبال دون فرامل، فيما الحرب نفسها أصبحت هي الاستراتيجية. والمعارك تروجها لنا قيادة خلقت مفهوم 7 أكتوبر وتعرض استخدام القوة الأبدية كـ “درس واعٍ” ولا تبين للجمهور ما أهدافها (بخاصة في غزة) أو ما هي الاستراتيجية (اصطلاح يترافق بالسخرية بدعوى أنه يعكس “تفكير 6 أكتوبر”).
يجب التوقف عملياً قبل لحظة من غرق إسرائيل في حرب بلا أهداف واضحة وبلا إجماع داخلي، بينما المجتمع منهك ولا أحد يشرح بأن احتلال غزة والبقاء في المنطقة سيغير حياة الإسرائيليين لسنوات طويلة. هذا ليس رفعاً للأيدي وليس إعلاناً عن نهاية الحروب أو الاستسلام.
التوقف حاجة وجودية لبضع غايات: تحقيق معمق (يفر منه أصحاب القرار بثبات)، وبلورة خطط مرتبة (لا توجد اليوم)، وكذا إشفاء داخلي في مجتمع ممزق لم يعالج بعد صدمة 7 أكتوبر كما ينبغي، وثقته بقيادته تقل، ولا سيما حول شك بأنها تقرأ الواقع والعدو بشكل أفضل، وجديرة بأن تكون هي التي تقوم بإصلاح التاريخ أيضاً.
لا توجد ذرة سذاجة في توقف كهذا أو وعد لمستقبل ساحر، وذلك بخلاف إعلانات النصر المطلق التي تسمع عن الادعاء الذي يقول “محظور إنهاء الحرب وحماس على حدودنا”. هذا قول ينطوي على مناكفة ليس فيها بحث معمق بالنسبة لاصطلاح “الحسم” والتحديات التي ينطوي عليها احتلال كل غزة، أو تفسير لماذا لا يحل المنطق “المطلق” على النووي الإيراني الذي يطرح تهديداً وجودياً أكثر حدة بأضعاف على إسرائيل.
فضلاً عن الإشفاء الداخلي – الذي يفترض إعادة تصميم العلاقات مع جماهير كشفت الحرب فجوة خطيرة بينها وبين الدولة، وعلى رأسها الحريديم، والعرب أيضاً – فالمطلوب هو بلورة خطط مرتبة للمستقبل. أولاً وقبل كل شيء كيف يكون تركيز الجهد على النووي الإيراني إلى جانب ثلاث خطط أخرى بلورتها ولن يكون تنفيذها ممكناً بسبب حروب متواصلة، وهي: التصدي للتهديد الحوثي من خلال عزل اليمن عن النفوذ الإيراني وتعزيز قوى بديلة في الدولة؛ وبلورة قواعد لعب وتقاسم مناطق نفوذ مع تركيا في الساحة السورية؛ وبالطبع تخطيط الحرب التي لا مفر منها ضد حماس. ويحتمل في ظل احتلال غزة وهدف تاريخي واضح بأن القيادة الحالية تفتقر لتخطيط وشرعية من الداخل والخارج لتحقيقه.
ميخائيل ميلشتاين
يديعوت أحرونوت