أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المقبلة، وحددت بدء التصويت مع مطلع كانون الأول/ ديسمبر المقبل وإعلان النتائج في 16 كانون الثاني/ يناير 2024. ومن المنتظر أن يكون الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي هو المرشح الفائز بولاية رئاسية ثانية لمدة 6 سنوات تمتد حتى 2030، بعد الأولى التي بدأت في نيسان/ أبريل 2018، وذلك بموجب تعديلات دستورية تمّ إقرارها في سنة 2019 وتتيح له الترشح مجدداً.
غير أن أجهزة النظام المختلفة لم تنتظر إعلان توقيتات الانتخابات فبدأت حملات غير مباشرة لخدمة إعادة انتخاب الرئيس، مستندة أولاً إلى الجولات التي قام بها السيسي شخصياً وشملت قطاعات عسكرية ومدنية، كما حرّكت عدداً من الأحزاب السياسية المناصرة للرئاسة والتي انخرطت في اشكال دعاية متعددة بينها توزيع حقائب أغذية وقيادة أفواج المواطنين المزدحمين أمام مكاتب منح توكيلات التأييد للسيسي، فيما قالت مصادر من حملة المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي إن عناصر أمنية وبلطجية تمنع أنصاره من الوصول إلى مقار الشهر العقاري لتحرير توكيلات.
ومن المعروف أن المادة 142 من الدستور المصري تشترط حيازة المرشح على 25 ألف توكيل من المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب في 15 محافظة على الأقل وبحد أدنى لا يقل عن 1000 توكيل في كل محافظة، والبديل هو الحصول على تزكية من 20 عضواً في مجلس النواب الحالي، وهذا مجرد نموذج على العوائق العملية التي تعترض الترشيح أصلاً.
وإلى جانب المشكلات المعقدة التي تعاني منها الأحزاب المعارضة، والعراقيل التي تواجهها من جانب أجهزة النظام والقوى السياسية والإعلامية والاقتصادية المناصرة له، فإن الدفع بمرشح جدّي يواجه السيسي ويحظى بمقادير دنيا مطلوبة من الإجماع الوطني يبدو بعيد المنال حتى الساعة. والمثال الأبرز هو تجمع أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية التي لم تتوافق على مرشح واحد من ثلاثة يُنتظر ترشحهم، سواء عاد سبب التعثر إلى خلافات داخلية بين المكونات، أو ردّه البعض إلى تأجيل الحسم في انتظار إيجاد حلول عملية لمعضلة التوكيلات.
في إطار هذه الأجواء فإن جلسات الحوار الوطني، التي دعا إليها النظام منذ أيلول/ سبتمبر 2021، تكرس الفشل في اتخاذ توصيات ملموسة بصدد الحريات العامة وإطلاق سراح السجناء السياسيين وتخفيف قوانين القضاء العسكري التي تبطش بأي صوت معارض تحت ذريعة محاربة الإرهاب. ويكفي مشهد السجون المصرية وما تشهده من انتهاكات فاضحة تبدأ من منع زيارات الأقارب، ولا تنتهي عند حرمان من الرعاية الصحية أسفر عن 27 حالة وفاة جراء الإهمال الطبي منذ مطلع العام الحالي.
ولم يكن ينقص المشهد المصري الراهن سوى قضية السناتور الديمقراطي الأمريكي بوب ميننديز الذي يواجه القضاء بتهمة الارتشاء من رجال أعمال لصالح الحكومة المصرية، في ملفات ذات صلة بالتمويل العسكري والعمل على الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات المخصصة لمصر سبق أن جمدتها الخارجية الأمريكية بتوصية من الكونغرس على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان.
ومن فساد واستبداد في الداخل إلى إفساد وشراء ذمم في الخارج، ثمة مؤشرات تشي بوضوح إلى أن مسارح الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تخرج عن الدائرة المتماثلة ذاتها.