منذ ان ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي اكدت فوز دونالد ترامب بدورة جديدة، ليكون ثاني رئيس يعود للبيت الأبيض في فترتين غير متتاليتين منذ عام 1892، تزايدت التكهنات والتصورات حول ما سيفعله في فترته الجديدة. ما هي سياسته الداخلية والخارجية، والاهم كيف سيحقق ما وعد به مرارا وتكرارا اثناء حملته الانتخابية بأنه سيوقف الحرب في أوكرانيا خلال يوم احد، ولما سئل كيف رفض تقديم اي تفاصيل، اما بالنسبة للشرق الأوسط فلقد وعد باحلال السلام وانهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، ولم يقل كيف ايضا. وكان له تصريح غريب آخر قال فيه انه لو كان رئيسا لما اندلعت الحربين! ولم يقل لنا كيف وعلى اي اساس. وبما ان الانتخابات الأمريكية هي من اكثر الانتخابات التي تتحكم بها الشعبوية والخطابات التي تلامس مشاعر المصوتين السطحية، )المراقبون يضربون بعض الامثلة مثل نجاح رئيس في الفوز بولاية ثانية بنسبة اكبر -بيل كلينتون- على الرغم من ارتكابه فضيحة أخلاقية هزت المجتمع، والأدهى من ذلك انه ارتكب هذه الفضيحة في مكتبه الرسمي في البيت الأبيض، ونجاح ترامب الذي لا يفقه بالسياسة الخارجية مرتين، او اعادة ترشيح رجل خرف (بايدن) لولاية ثانية، الى غير ذلك من الامور المضحكة المبكية(، فان مثل هذه التصريحات قد تستهوي معشر الناخبين والمطبلين للنفوذ الأمريكي، ولكن السؤال الأهم سيبقى هو كيف سينفذ الرئيس ترامب هذه الوعود؟
هناك من يعتقد ان كون ترامب شخصا ذا مزاج متقلب، فان ذلك، بالإضافة الى تجربته السابقة، ربما يقوده الى إتخاذ قرارات غير تقليدية. وهناك من يقول انه سيتصرف بطريقة مختلفة مع إسرائيل وذلك لسبب رئيس هوانه يحمل في نفسه ضغينة تجاه نتنياهو الذي سارع الى تهنئة جو بايدن بعد فوزه في انتخابات 2020، التي كان هو (ترامب) ما زال يطعن في صحتها. ووصل الأمر بآخرين إلى الاعتقاد بانه قد يوقف التسليح للجيش الاسرائيلي لكي يجبر نتنياهو على وقف الحرب، إلى غير ذلك من افكار او تمنيات ليس لها سند. كما ان اصحاب هذا الرأي يبنون تحليلاتهم على ما ترشح عن نية ترامب وقف الحرب في أوكرانيا على اساس انها كبدت الولايات المتحدة مئات المليارات وبدون اية نتيجة تذكر. والحال ان هناك فرق كبير بين حرص ترامب على إبقاء علاقة هادئة مع بوتين وروسيا وإيقاف الحرب الاوكرانية التي تستنزف اموال الولايات المتحدة واوربا، وبين فكرته الراسخة عن حق اسرائيل في البقاء والتوسع وضم اراضي عربية وفلسطينية اخرى وفي زيادة المساعدت لها بحجة (الدفاع عن نفسها) ضد محاولات المقاومة الفلسطينية واللبنانية لإنهاء الإحتلال. الدليل على ذلك هو تسريب خبر عن طلبه من بوتين عدم التصعيد في أوكرانيا، (نفت الحكومة الروسية ذلك لكن جريدة الواشنطن بوست واسعة الإطلاع اكدته واكدت ان ترامب وزميله الملياردير ايلون ماسك تحدثا ايضا مع زيلنسكي في نفس الوقت، واللبيب يستطيع ان يفهم دلالة الإتصالين)، بينما لم يتحدث ترامب عن الحرب في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي إقتصرت فيه إتصالات القادة العرب لتقديم التهنئة بالفوز، فإن نتنياهو أجرى ثلاثة إتصالات مع ترامب انصب الحديث فيهم على الشكوى من (التهديدات الإيرانية) وطلب الوقوف إلى جانب اسرائيل. ويبدو ان كلام الرئيس القادم قد طمأن نتنياهو كثيرا مما جعله ووزراءه يطلقون تصريحات منتشية تؤكد ان قضية ضم الضفة الغربية وضعت على جدول الحكومة الإسرائيلية، وان ترامب سيدعم ذلك كما دعم سابقا ضم الجولان وأفشل حل الدولتين. واكد هذا الكلام وزيرإسرائيلي حينما قال ان فوز ترامب فرصة مهمة لإسرائيل، وان 2025 سيكون عام السيطرة على الضفة الغربية، وهاجم ادارة بايدن متهما إياها بعدم التعاون. علما بان خطة ضم الضفة كانت قد وضعت خلال فترة حكم ترامب الأولى كجزء من حملة التطبيع. كما نُقِل عن ترامب أنه أبدى عدم إرتياحه عن تحقيق هدنة في الحرب على غزة لأنها، حسب تعبيره، ستسمح لحماس بتوحيد صفوفها، وهذه إشارة واضحة الى ان الإدارة القادمة لا تنوي المساهمة او التوسط في مباحثات لوقف الحرب. على الجانب الآخر لايوجد قائد عربي واحد تربطه بترامب علاقة تؤهله ان يتحدث معه حديثا حميما وفي اي وقت كما يفعل نتنياهو، إذا ما استثنينا اتصالات التزلف للتهنئة. الإتصال العربي الوحيد الذي استغرق اكثر من التهنئة (15 دقيقة)، هو ذلك الذي جرى بين ترامب والرئيس محمود عباس، والذي أفرح الاخير كثيرا، حيث اخبره ترامب ان يُنَشِط اجهزة السلطة الامنية الفلسطينية للسيطرة اكثرعلى الضفة الغربية وان يستعد لحكم غزة بعد ان يفرغ جيش الإحتلال من تدميرها، وهذا الكلام يُظهِر اكثر فكرة الرئيس القادم عن الحل الذي يحمله للقضية الفلسطينية. واخيرا فان نظرة ترامب للحكومات والأنظمة العربية لم تختلف عما كانت عليه في دورته السابقة 2016-2020. هذه النظرة المبنية على فكرة تقول ان هناك عدد من الدول العربية تمتلك ثروات هائلة يجب ان تدفع اجزاءا كبيرة منها إلى الولايات المتحدة كي تحميها!
إنحياز ترامب المبكر لإسرائيل ظهر في إختياره ممثلة شمال ولاية نيويورك في الكونغرس (إليز ستيفانيك) مندوبة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة. وستيفانيك هذه، حسب مجلة الفورن بولسي معروفة بإنتقادها المستمر للمنظمة وتتهمها بانها معادية للسامية ومتحيزة ضد إسرائيل، ودعت الى تقييم كامل لتمويل الولايات المتحدة للمنظمة الدولية. اضف الى ذلك فان إدارة ترامب بادرت الى تشكيل خلية عمل لمتابعة نشطاء الإعتصامات والحراك الطلابي في الجامعات الامريكية المعارضين لإسرائيل وحربها في غزة، وإعداد قوائم باسماء اولئك الذين يجب فصلهم نهائيا او بصورة مؤقتة، دعما لقرارات الفصل التي اصدرتها بعض الجامعات بحق الطلاب.