بعد أسابيع قليلة على سقوط نظام بشار الأسد، طرح “معهد السلام الأمريكي”، جملة من التأثيرات المحتملة لما قد يجري في سوريا، على العراق والعراقيين.
وفي تقرير للمعهد حذر من أن الكرد ومكونات الأقليات، قد تكون الأكثر تضررا في حال قيام نظام حكم شمولي وهيمنة طائفية على السلطة هناك، لكنه قال إن ظهور عملية ديمقراطية بين السوريين، سيؤدي إلى تجديد الطاقة الديمقراطية في العراق المجاور.
وأشار التقرير إلى أن سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وما سيحدث بعد ذلك في سوريا، ستكون له “آثار كبيرة امنية وسياسية وغيرها على العراق”، مضيفا ان الوضع ديناميكي وربما يتطور لصالح استقرار العراق، او انه قد يفرض تحديات جديدة عليه، لكنه اشار ايضا الى ان العراق هو واحد من مجموعة من الأطراف الفاعلة الى جانب ايران وتركيا ودول الخليج والولايات المتحدة، والتي قد تكون لأفعالها التأثير الكبير على المسار السوري خلال الشهور المقبلة.
وأوضح أن التشابك العميق للتاريخ الحديث للعراق وسوريا، مر بمراحل انعطافات مضطربة، مشيرا الى ان حزب البعث بدأ في سوريا، ومنه نشأت النسخة العراقية، وكلاهما خلق انظمة استبدادية ودكتاتوريات مختلفة وكارثية، في اشارة الى عائلة الاسد في سوريا وصدام حسين في العراق، ما جلب الخراب لكلا البلدين. وتابع التقرير إلى تحالف والد الاسد، حافظ، مع إيران خلال حربها مع العراق.
الابتعاد عن سوريا
قال التقرير الامريكي إنه في ظل تقدم الجماعات المتمردة السورية خلال الاسابيع الاخيرة، فان بعض القادة والجماعات العراقية طالبوا بانخراط عسكري عراقي حكومي وغير حكومي، في سوريا، وذلك بشكل اساسي من اجل الدفاع عن المصالح الشيعية ومحاربة التنظيمات الارهابية، مضيفا ان ذلك كان من شأنه ان يهدد بجر العراق الى حرب في وقت لم تتحرك روسيا وايران، وهما الدولتان الراعيتان لمصالح اكثر عمقا مع الاسد، من اجل انقاذه.
واوضح التقرير، بينما كانت موسكو وطهران تتجنبان بشكل واضح التورط عسكريا بشكل اكبر في سوريا، فان بغداد بدت مستعدة للانجراف الى الصراع، وهو ما اثار تساؤلات حول الدوافع السياسية للجهات الفاعلة العراقية وما اذا كانت قد تقع في خطأ الحسابات مجددا مع تطور الوضع في سوريا، خصوصا اذا في حال انفجر العنف الطائفي.
الا ان التقرير قال إن العراق برهن في نهاية الامر على قدرته على التصرف وتجنب التورط في الصراع السوري، مشيرا الى انه من بين العوامل الاخرى التي ساهمت في بقاء العراق بعيدا عن سوريا، هو انه اتبع النصائح الخارجية، وربما ايضا بسبب طبيعة سقوط الاسد بشكل سريع.
وذكر ان العراق انخرط في حوار اقليمي يركز على بلورة موقف عربي موحد تجاه تطور الاحداث في سوريا، مضيفا ان المساهمة في بناء سوريا جديدة بامكانها ان توفر للعراق الفرصة للمضي قدما في مساره كلاعب اقليمي بناء وليس كطرف في الصراع.
مخاطر الصراع
ولفت التقرير الى ان العراقيين كانوا يخشون في ظل الصراع الذي تلا 7 اكتوبر/تشرين الاول 2023، تحول بلدهم الى ساحة معركة جديدة بعد غزة ولبنان وسوريا، مشيرا الى ان جماعات عراقية مدعومة من ايران، تشكل جزءا من “محور المقاومة”، شنت هجمات اسرائيل بطائرات مسيرة، بينما هددت اسرائيل بالرد.
واعتبر ان “استقرار سوريا وكبح جماح الجماعات المتطرفة العنيفة سيكون مفيدا لاستقرار العراق، الا ان خطر استغلال الجماعات المتطرفة السورية للفراغات في الحكم، والصعوبات الاقتصادية، والتنافس الطائفي والعنف قد تثير مخاطر جسيمة على العراق، الذي يشترك مع سوريا في حدود يبلغ طولها 600 كيلومتر”.
ولفت التقرير الى ان العراق، وحتى قبل سقوط الاسد، كان يشعر بالقلق إزاء التهديدات المتطرفة من جانب تنظيم داعش وغيره من الجماعات”، خصوصا في ظل التقارير التي تحدثت عن عودة ظهور داعش في سوريا والاوضاع الهشة في الاراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تدير مخيم الهول، حيث لا يزال هناك اكثر من 17 الف عراقي، والسجون التي تحتجز الآلاف من مقاتلي داعش، بما في ذلك بضعة الاف من العراقيين.
ديمقراطية ام طائفية؟
واعتبر التقرير ان “دمقرطة سوريا” قد يخلق تاثيرا مريحا على الديمقراطية في العراق، والتي شهدت تراجعا على المستوى المؤسساتي خلال العقد الماضي.
واوضح التقرير انه بعد المعاناة التي واجهها العراقيون تحت حكم الدكتاتور صدام حسين وحزب البعث، فانهم رحبوا بنهاية دكتاتورية الاسد الوحشية، حيث انه بالنسبة اليهم اعادت صور السوريين وهم يتدفقون الى الشوارع، وتدمير تماثيل عائلة الاسد، واطلاق سراح السجناء، وجمع شمل العائلات مع احبائهم، اليهم ذكريات من العام 2003، عندما عاش العراقيون تجارب مشابهة مع سقوط صدام.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير ان العملية السياسية الشاملة في سوريا قد تثير الامال والطاقة الايجابية خصوصا في حال نجح العراق في الانخراط بشكل ايجابي في سوريا.
لكن في المقابل، قال التقرير انه في حال سيطرة الطائفية في سوريا، وخصوصا اذا دعمتها البلدان الاقليمية السنية، فان ذلك قد يؤدي الى إيقاظ مشاعر مشابهة في العراق، مضيفا ان مشاعر القلق والحذر التي قد يثيرها ذلك لدى شيعة العراق، قد يؤدي الى تفاقم الضغوط على الطائفة السنية في العراق والذين قد يستمدون القوة من اخوانهم السنة في سوريا.
وحذر التقرير من ان العراقيين يشاهدون تصادم 3 قوى اقليمية متوسعة: ايران واسرائيل وتركيا حيث يبدو ان القوتين الاخيرتين تتقدمان في نفوذهما، في حين اضطرت ايران الى التراجع.
وتابع قائلا ان السنة والشيعة في العراق يشعرون بانهم يمتلكون حلفاء اقليميين اقوياء، في حين يشعر الكورد والمسيحيون والايزيديون وغيرهم من الاقليات، بانهم الحلقة الاضعف في النظام الاقليمي الذي تقوم قوى اقليمية وخارجية بتحديد شروطه، مضيفا ان الكورد يخسرون اراضيهم وسلطتهم الحاكمة في كل من العراق وسوريا، بينما اصبحت الاقليات الاخرى في خطر وجودي.
وبرغم ان التقرير رأى ان العراقيين سعداء بشكل عام بخسارة ايران لحليفها الاسد وممرها البري في سوريا، ما قد يخفف الضغوط عليهم، الا ان العراقيين يخشون ايضا من محاولة ايران تعزيز قبضتها على العراق لمنع المزيد من التراجع وتعويض ما خسرته حتى الان.وتابع ان تاثير الدمار الذي تسبب به تنظيم داعش في العراق، وخصوصا في المناطق السنية لا يزال حاضرا، ولهذا فان الشهية للعنف محدودة.
واضاف ان ايران، وباعتبارها الطرف الاقليمي الاكثر نفوذا في العراق، فان امامها ايضا خيارات، بحيث انها اما ان تمارس المزيد من السيطرة في العراق وتعيد البلد الى الوراء كنتيجة لذلك، او ان بامكانها ان تخفف من قبضتها وتظهر موقفا بناء تجاه النظام الاقليمي المتغير، او انها ستظل على مسارها الحالي المتمثل في النفوذ العالي الذي تسوده درجة من الهدوء السياسي، وتستفيد ايران بذلك على الصعد الاقتصادية والسياسية، ويتم تجنيب العراقيين العنف.
دور الولايات المتحدة
وذكر التقرير ان الديناميكيات بين ايران والادارة الاميركية الجديدة، سوف يكون لها تأثير على العراق، مشيرا الى ان الولايات المتحدة والعراق اتفقتا على انهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة داعش في العراق بحلول سبتمبر/ايلول 2025 والتفاوض على شراكة امنية تنسجم مع اتفاقية الاطار الاستراتيجي للعام 2008 ومع الدستور العراقي.
وتابع التقرير ان العراقيين ارادوا في العام 2014، دعم الولايات المتحدة لهم ضد داعش، وهو يريدون الان من الولايات المتحدة ان تمنع وقوع هجوم اسرائيلي على العراق.
وختم بالقول ان الكورد وغيرهم من الجماعات العرقية والاقليات الدينية ومنظمات المجتمع المدني في العراق وسوريا، يراقبون التطورات بشكل وثيق، وهم يأملون في انخراط استباقي من جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في هذين البلدين للمساعدة في التحرك نحو قيام حكم يشمل الجميع والاستقرار، لان البديل بالنسبة اليهم “قد يكون قاتما”.