كأننا نشاهد أحد أفلام هوليوود وهي تعرض علينا في أحد مشاهدها السينمائية إجتماع بين عصابات المافيا والجريمة المنظمة وهم يتداولون شؤونهم الخاصة والعامة,وكل شخصية قيادية حاضرة كانت تحمل سلاحها الشخصي والذي ينعكس في سيناريو مثل هذه الأفلام عن مدى عدم الثقة والتخوين فيما بينهم !.
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن هناك شريحة قد تكون واسعة من الرأي العام قد تأثر جدآ وهي تشاهد ما جرى للعراق بفضل نظام المحاصصة السياسية والحزبية والعشائرية والمناطقية وهي ترى كيفية وطريقة إستقبال الوفد الامني العراقي برئاسة “حميد الشطري” رئيس جهاز المخابرات من قبل الحكومة السورية الجديدة بقيادة “احمد الشرع” وهو يحمل في ظهر خاصرته مسدسه الشخصي ويخفيه تحت بدلته الرسمية , على العكس والتمام والكمال وبالمقابل و بالمجمل من طريقة ابتسامته واستقبال الوفود العربية والدولية بكل الود والمحبة ! حتى ولو اظهرت كاميرات التلفزة الأحضان الحميمة التي تبادلها كل من “الشرع” و “الشطري” فأن لقطة المسدس الشخصي سوف تبقى محفورة بالذاكرة العراقية على ما وصل اليه العراق وقيادته السياسية والامنية من ان الاخر المقابل أصبح يتوجس منهم خفية في الغدر والخيانة لأن هناك معلومات أمنية سبقت زيارة الوفد العراقي تم أعلام القيادة السورية الجديدة بأن معظمهم ينتمون أو كانوا ضمن ميليشيات وفصائل الولائية المسلحة الايرانية و”الحشد الشعبي” وبأن رئيس الوفد “الشطري” كان في فترة من عمله ضمن الفصائل الولائية مرافق شخصي الى “قاسم سليماني” حتى أن الوفد العراقي تم مراقبته من قبل مقاتلين أجهزة الأمن السورية الجديدة بصورة لصيقة !؟ وعندما طلب الوفد العراقي بأن يتم السماح لهم بزيارة مرقد السيدة زينب(ع) قد قوبل بالرفض أو على الاقل قيل لهم بأن الأوضاع الأمنية حاليآ ليست جيدة لغرض ان يقومون بهذه الزيارة !؟.
على الرغم من حالة الانتقاد اللاذع والاستهجان لدى بعض قيادات القوى السياسية في ائتلاف “إدارة الدولة” و “الاطار التنسيقي” حول زيارة الوفد الأمني يوم الخميس 26 ك1 2024 حتى مع أخذ الموافقات المسبقة والتشاور مع قيادات هذه القوى السياسية من قبل رئيس الوزراء ” السوداني” لغرض السماح له والموافقة بالإيعاز والسماح له بتشكيل وفد لغرض القيام بهذه الزيارة المهمة والحيوية والمطلوبة , ولكن نعتبر بدورنا بأن أخذ الموافقات المسبقة هو انتقاص من منصب “رئيس الوزراء” الذي هو اعلى سلطة تنفيذية, وإعطاء صورة غير جيدة للشارع العراقي بأن رئيس الوزراء لا يعمل أي شيئ لمصلحة الدولة العراقية : ” إلا بعد أخذ الموافقات من قبلنا نحن بالذات” أو بعبارة أدق يريدون أن يقولون بأنه مجرد دمية وواجهة , وهذه الرسالة اذا فهمت بهذه الصورة لدى الرأي العام العراقي تعتبر كارثة على السيد “السوداني” في المستقبل , بالاخص هناك احاديث بأنه ينوي تشكيل حزب أو تكتل سياسي لغرض خوض الانتخابات البرلمانية القادمة ؟ لكن على السيد رئيس الوزراء أن يعمل بما هو جدير لمصلحة العراق وليس وفق أهواء وتوجهات أشخاص ليسوا في موقع قيادي حكومي لاتخاذ القرار , ولكنهم مجرد زعماء كتل حزبية ليس إلا.
ما روج عنه في وسائل الإعلام ومقابلة الوفد الامني العراقي كل من رئيس السلطة الانتقالية “ا الشرع” ووزير الخارجية “اسعد الشيباني” وكذلك رئيس جهاز الاستخبارات “انس الخطاب” وبما أن هذه الزيارة أتت متأخرة ولم تسبق دول الجوار السوري ولا الدول الإقليمية والغربية في مبادرتها السباقة لترتيب أوضاعها مع الحكومة الانتقالية الجديدة ومع كل هذا نعتقد من أن “تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي” وعلى الرغم من أن الانتقادات التي رافقت هذه الزيارة , ولكنها تبقى خطوة في الاتجاه الصحيح لغرض ترتيب مستقبل للعلاقات بين العراق وسوريا وبالأخص ما ذكره الوفد العراقي ومن خلال المناقشات وما تم تناقله من خلال وسائل الإعلام بأن الوفد العراقي عبر عن مخاوفه ومقترحاته بشأن : “حماية الحدود، والتعاون بشأن منع عودة نشاط عصابات داعش الإرهابية، وكذلك حماية السجون التي تضم عصابات داعش داخل الأراضي السورية والمسيطر عليها حاليا من قبل قوات سوريا الديمقراطية بالإضافة الى تقديم المساعدات والمشورة في التصدي لأي عمليات تسلل قد يقوم بها عناصر ومقاتلين وقيادات الجماعات المسلحة “.
ولكن ما لم يتم التطرق له من خلال وسائل الإعلام ” المرئية والمسموعة والمقروءة ” والتي نقلت بدورها جانب من أبعاد هذه الزيارة العلنية فقط ولكن المخفي من هذه الزيارة وما سربت بعض من عبارات وجمل مقتضبة حول ابعاد سرية اخرى لهذه الزيارة والمحادثات عما جاء في حقيقة طلب الوفد الأمني العراقي من رئيس جهاز الاستخبارات “أنس الخطاب” بعدم نشر أي معلومات أو وثائق أو مستندات أو صور شخصية او تسجيلات فيديو تخص القيادات السياسية المعارضة التي كانت تتعامل مع أجهزة المخابرات السورية عندما كانت تتواجد في عهد نظام “حافظ وبشار الأسد” لما لها من تداعيات سلبية عليهم وعلى مستقبل وضعهم السياسي ؟! نحن بدورنا نستغرب أيضا من هذا الطلب وبالأخص نحن كنا كذلك متواجدين في منطقة السيدة زينب (ع) منتصف ونهايات عقد تسعينات القرن الماضي ,وغالبية العراقيين كان يعلم بأن قيادات “حزب الدعوة الإسلامية” و “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” وكذلك “منظمة العمل الإسلامي” كانوا يعملون لدى الفرع “279” والعلاقات الوثيقة التي كانت تربطهم مع العميد “محمد الخير” مسؤول مكتب العراق و “علي حوري” مسؤول الفرع ,وقد سبق أن كتبت سلسلة من المقالات قبل الغزو والاحتلال الأمريكي 2003 حول قيادات وأحزاب المعارضة العراقية في حينها ,وما كان يصدر منهم من أفعال وأقوال وصدام وتسقيط شخصي فيما بينهم ,وقد يكون لن وقفة مطولة في المستقبل حول هذا الموضوع بالتحديد!.
وقد عرض الوفد الامني العراقي كذلك على القيادة السورية نظير عدم نشر أي وثائق أو مستندات رسمية بأن تخص قيادات سياسية عراقية بأن تكون هناك شحنات من النفط الخام المجاني وكذلك شحنات نفط مقابل أسعار رمزية كما يحدث الآن في تصدير النفط العراقي إلى الأردن إضافة الى ارسال مساعدات غذائية ودوائية وسلع مختلفة . وكل هذه التنازلات في سبيل عدم نشر هذه الوثائق التي تم تداولها من خلال منصات التواصل الاجتماعي!.
ولكن وهذا ما نعتقده , أن الأهم من موضوع تسريب مثل تلك الوثائق والمستندات يندرج تحت خوف هؤلاء المعارضين السابقين من أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب ,ومن هنا فإن تخوف القيادات السياسية في “الإطار التنسيقي” الذين كانوا يعملون لصالح مختلف الأجهزة الأمنية السورية ,والوثائق والمستندات التي تم الكشف عنها بعد سقوط نظام “بشار الأسد” التي كانت موجودة في دوائر أجهزته الأمنية ,قد تنعكس سلبا بصورة مباشرة على سمعتهم السياسية بين الرأي العام العراقي , وبالأخص اذا انكشفت حقيقة أخرى عن كيفية وصيغة ما كانوا يكتبون التقارير الأمنية ضد بعضهم البعض بقصد الاساءة وإقصائهم من المشهد المعارض أو التقليل من شأنهم او حتى اعتقالهم , كما حدث مع بعض أعضاء ومنتسبي “الحزب الشيوعي العراقي” والذي كان احد اقربائي من ضمن هؤلاء المعتقلين من خلال وشاية وكتابة تقرير غير حقيقي من قبل “مكتب المجلس الاعلى للثورة الاسلامية” في العراق في حينها .