بعد تدمير الجيشين العراقي والسوري، واسقاط النظام البعثي في دمشق بعد حله في بغداد من قبل، يبدو ان المخطط الثلاثي الأمريكي التركي الاسرائيلي يستعد لتدمير الجيش المصري، ونقل السيناريو السوري الأخير الى قاهرة المعز، وأول حلقاته توريط هذا الجيش في حرب اليمن تحت “ذريعة” الاضرار الجسيمة التي الحقتها حركة “انصار الله” الحوثية بالاقتصاد والأمن المصريين من جراء هجماتها على السفن التجارية والحربية الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر وباب المندب.
الغارات الامريكية والبريطانية والإسرائيلية على عدة مدن يمنية، خاصة العاصمة صنعاء وميناء الحديدة فشلت في وقف قصف الجيش اليمني بصواريخ فرط صوت والمسيّرات لمدينة تل ابيب (يافا) ومطار اللد (بن غوريون)، وام الرشراش (ايلات)، وحتى قواعد جوية في قلب النقب قرب مفاعل ديمونا، بل ان هذا القصف تصاعد، وارسل اكثر من أربعة ملايين مستوطن الى الملاجئ تحت الأرض خوفا ورعبا، ولهذا فان هناك ضغوطا إسرائيلية وامريكية وربما عربية أيضا، مصحوبة بإغراءات بعشرات المليارات على السلطات المصرية للانزلاق الى الانضمام للعدوان الثلاثي المذكور آنفا على اليمن، والذريعة انقاذ الملاحة الدولية في البحر الأحمر وقناة السويس، ووقف الاضرار المالية المتصاعدة على الاقتصاد المصري.
***
ما يؤكد هذه الفرضية تسريبات جرى نشرها في الاعلام العبري قبل يومين جاءت على لسان البروفيسور يهوشع ميري ليختر الباحث الإسرائيلي وعضو مركز ديان في جامعة تل ابيب يقول فيها ان لديه “معلومات سرية عن تدخل مصري عسكري وشيك ضد جماعة الحوثي اليمنية بضغط إسرائيلي لوقف هجماتها في البحر الأحمر”.
وذهب هذا “اليهوشع” الى ما هو أبعد من ذلك لتأكيد معلوماته عندما كشف “ان القوات الجوية المصرية تعد في الوقت الراهن استراتيجية هجومية لحربها القادمة على “الحوثيين”، وان الجيش المصري أعد نماذج لمدن مشابهة لصنعاء والحديدة في الصحراء الليبية بين مدينتي قصر الفرافرة وبوليت، وأجرى مناورات جوية تتمحور حول قصفها”.
اللافت ان هذه التسريبات بعد تصريحات للسيد بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري قبل ثلاثة أسابيع تقريبا قال فيها “ان هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر تكلف الخزانة المصرية اكثر من 6 مليارات دولار سنويا لانخفاض عائدات قناة السويس، ثاني أكبر مصادر الدخل، بحوالي 60 بالمئة.
لا نعرف ما اذا كانت السلطات المصرية سترضخ لهذه الضغوط الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، وتنجر الى حرب استنزاف في اليمن ام لا، ولكن ما نعرفه ان عقيدة الجيش المصري “تحرّم” أي تدخل عسكري خارج الحدود المصرية، (لان الجيش مكلف بحماية مصر فقط) وتكرست هذه العقيدة بعد خسارة هذا الجيش اكثر من 30 الفا من خيرة جنوده وضباطه بسبب تورطه في حرب اليمن في بداية الستينات في القرن من الماضي، وهو التورط، وتكاليفه الباهظة ماديا وسياسيا وبشريا، كان من أبرز أسباب هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967، ولكن التصريحات التي ادلى بها لمحطة “روسيا اليوم” الدكتور محمد محمود مهران الخبير في القانون الدولي، والذي يقال انه مقرب من دائرة صنع القرار في القاهرة، المحت الى احتمال كسر هذه القاعدة، عندما قال “ان القانون الدولي يمنح مصر الحق في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي وسلامة الملاحة في البحر الأحمر، لان أي تهديد لهذه الملاحة يمس بهذا الامن بشكل مباشر، وينعكس في تراجع عائدات قناة السويس، وهو التراجع الذي يمثل تهديدا مباشرا للاقتصاد المصري”.
***
حتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد رسمي مصري على هذه التسريبات الإسرائيلية سلبا او إيجابا، الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام والغموض في الوقت نفسه، ولا نريد ان نستخدم المقولة المشهورة “الصمت أبرز علامات الرضا”.
السلطات المصرية التي لم تلجأ الى الحل العسكري لمواجهة الاعتداءات المائية الاثيوبية المتمثلة في سد النهضة التي تهدد الأمن المائي، وتجويع ملايين المصريين، وادارت وجهها الى الناحية الأخرى عن حرب الإبادة المستمرة منذ 15 شهرا في قطاع غزة التي يشكل أحد أخطر تهديدات أمنها القومي، ناهيك عن التزاماتها العقائدية والقومية والإنسانية، نأمل ان لا تخضع للضغوط الامريكية والإسرائيلية، وتتورط في أي حرب في اليمن ولخدمة مصالح أعداء مصر والامتين العربية والإسلامية، خاصة انها تعلم جيدا ان جميع الدول والامبراطوريات التي سقطت في مصائد الحرب في اليمن خرجت مهزومة، ومثخنة بالجراح، والامثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
اليمن يحارب برجولة وشجاعة ويقدم عشرات الشهداء دفاعا عن الامة والعقيدة، وانتصارا لأهلنا الصامدين في قطاع غزة الذين يستشهدون يوميا، بل وكل ساعة، جوعا وعطشا، وصقيعا، ونزيفا، وتسطر كتائب مقاومتهم ملاحم البطولة والشجاعة تأديبا للعدو، وافشالا لكل مخططاته وطموحاته بفرض العصر الصهيوني وإسرائيل الكبرى، على المنطقة بأسرها، ونصيحتنا للجارة الشقيقة المصرية ان لا تقع في المصيدة المنصوبة لها بعناية في اليمن لان خسائرها ستكون ضخمة جدا.. والأيام بيننا.