على وقع العنف الدائر في منطقة الساحل السوري بين القوات الحكومية والأهالي “العلويين”، حذر مراقبون من التفاعل الطائفي مع تلك الأحداث داخل العراق، خصوصا وأن أوساطا شعبية وسياسية تركت تعليقات منحازة إزاء تلك الأزمة، وفيما فسر مراقبون ذلك التفاعل بمحاولة السياسيين التغطية على الأزمات الداخلية أو استقطاب الجمهور “طائفيا”، أكدوا عدم إمكانية فصل الشأن العراقي عن السوري بسبب الجوار والعمق السياسي والعقائدي والقومي.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، بأن أكثر من 530 “مدنيا علويا” قتلوا منذ الخميس على يد قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها، وذلك خلال عمليات تمشيط واشتباكات مع موالين للرئيس السوري السابق بشار الأسد في غرب البلاد.
وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تحول إلى اشتباكات بعد إطلاق نار من مسلحين علويين، فيما أثارت هذه الأحداث تفاعلا عراقيا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي.
استقطاب “طائفي”
ويقول المحلل السياسي محمد نعناع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الساحة العراقية بلا شك أصبحت الآن بيئة منشغلة بما حصل في سوريا، بسبب محاولات تصدير الأزمات العراقية وتفعيل الخطاب الطائفي حتى تستفيد من ذلك جهات معينة”.
ويضيف نعناع، أن “القوى والأحزاب العراقية جميعها تستثمر بشكل مباشر بالأزمات الطائفية والاحترابات الإقليمية لسببين، الأول هو استقطاب الجمهور الذي ينسجم ويتماهى مع هذه الخطابات، وينشغل بها كثيرا ويصنف من يريد أن يدعمه وفق ما يلبي خطابه”.
الأمر الثاني، يشير نعناع، إلى أن “القوى العراقية تحاول أن تشغل العراقيين بهذه الأحداث حتى تخرج من الأزمات الداخلية كالأزمات السياسية والخدمية، وتصدر هذه الأزمات بإشاعة الاحترابات الطائفية وغيرها”.
وعن خطورة انعكاس الأوضاع في سوريا على العراق، يحذر بالقول، إن “الأمر حتى الآن مسيطر عليه، ولكن إذا ما تصاعدت الأوضاع في سوريا، واستدعت التدخل الميداني، فربما تنفلت الأمور، ولن يكون العراق في منأى عن تأثيرات ما يحصل في سوريا”.
وتعد الاشتباكات التي اندلعت الخميس الماضي، الأعنف منذ إطاحة الأسد في الثامن من كانون الأول ديسمبر، وتشكّل مؤشرا على حجم التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لناحية بسط الأمن في سوريا، مع وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة بعد 13 عاما من نزاع مدمر.
وأعربت وزارة الخارجية العراقية، عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأمنية الجارية في غرب سوريا، وأكدت موقف العراق الثابت والداعي إلى ضرورة حماية المدنيين، وفيما أكدت “رفضها المطلق لاستهداف المدنيين الأبرياء”، حذرت من أن “استمرار العنف سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة مما يعيق جهود استعادة الأمن والسلام”.
“التجربة العراقية”
من جهته، يجد المحلل السياسي علاء الخطيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يحدث في سوريا هو نتاج لاندفاعات غير محسوبة ممن شاركوا في التغيير بقياسات خاطئة، وليتهم تعلموا من التجربة العراقية التي أورثتنا الدماء والضحايا من خلال الحرب الطائفية”.
ويضيف الخطيب، أن “من الخطأ انسحاب القياسات الخاطئة لدكتاتورية بشار الأسد على طائفته كما حدث في العراق، حينما كان يعتقد بأن كل السنة يؤيدون رئيس النظام السابق صدام حسين، وهذا قياس خاطئ، فالكراهية لا تولد إلا الكراهية والعنف لا يولد إلا العنف، وقبول الآخر أهم ما يمكن أن يستوعبه الثوار”.
وعن مدى تأثر الوسط العراقي، يرى أن “ما يحدث في سوريا لا بد أن تكون له أصداء في العراق، وهو أمر لا مفر منه فهناك حدود مشتركة وعمق سياسي وديني وعقائدي بين البلدين، خاصة أن من تسلموا الحكم في سوريا رفعوا مؤخرا شعارات دينية أو ذات مساس بالمجتمع العراقي كـ(جئناك يا كربلاء) أو (يا خميني شوف شوف)، وهذه الشعارات لا تجعل من المجتمع مستقرا”، مشيرا إلى أن “العراق مر بهذه التجربة ودفع الكثير من شبابه ضحايا وتعرقل استقراره وتأخرت عملية التنمية لسنوات عديدة ولا يريد لأي إنسان أن يرث هذه التجربة”.
وكان زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، وجه رسالة إلى الطائفة العلوية في سوريا، بعد أعمال العنف والقتل التي شهدتها مناطق غرب البلاد، وقال الصدر في بيان نشره على منصة إكس “نهيب بالأخوة العلويين التصرف بحكمة وحذر حفاظا على وحدة الصف السوري، وتضييع الفرصة على المتشددين والمتربصين”، كما دعا الحكومة السورية الجديدة إلى “الابتعاد عن العنف والطائفية، وذلك لأجل ألا يتم اتهامهم بأنهم دواعش وإرهابيون”.
“وضع خطير”
إلى ذلك، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المطلوب من العراق اليوم احترام الاتفاقيات ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في سوريا، خصوصا وأن المعلومات المتداولة اليوم تتناول خروج بيان عن المجلس العسكري لتحرير سوريا وهو تشكيل يقوده شقيق بشار الأسد”.
ويردف فيصل، أن “هذا المجلس المشكل من ماهر الأسد، والحرس الثوري وفصائل عراقية أنشأ غرفة عمليات داخل الحدود العراقية وهذا يشكل انتهاكا خطيرا، لأن العراق قد يتحول إلى قاعدة عسكرية لإثارة النزعات الطائفية في سوريا بدلا من مساعدة الشعب السوري على اجتياز هذه المرحلة الانتقالية إلى إنشاء بلد يضمن للديمقراطية والتعددية”.
ويعتقد أن “الوضع خطير جدا، ويفترض على الحكومة العراقية بناء على الرسالة التي وجهت من الحكومة السورية لها حول التنسيق المشترك والدعم المتبادل، أن تعمل من أجل منع تفاقم هذه الأزمات ومنع هذه التشكيلات العسكرية من اجتياز الحدود وتغذية أعمال العنف”.
وشهدت العاصمة الأردنية عمان اليوم الأحد، قمة شاركت فيها وفود رفيعة المستوى من العراق وتركيا والأردن وسوريا لبحث التعاون الأمني والتطورات الإقليمية.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إن المجتمعين سيبحثون الوضع الراهن في سوريا، إلى جانب بحث آليات مواجهة الإرهاب وتعزيز التعاون المشترك بين الدول المشاركة في هذا المجال.