الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بغداد وأربيل… أزمات قديمة متجددة :صادق الطائي
تغيير حجم الخط     

بغداد وأربيل… أزمات قديمة متجددة :صادق الطائي

مشاركة » الاثنين يونيو 02, 2025 4:39 pm

2.jpg
 
الأزمات بين بغداد وأربيل مستمرة منذ أكثر من عشرين عاما، وإن كانت حدة الخلافات تتموج صعودا وهبوطا وفق معطيات صراعات الساحات الداخلية والإقليمية والدولية. لكن بات من المسلم به أن أزمات الأقليم مع المركز يحركها موضوعان؛ الأول الخلافات المالية التي تشمل موضوع الاستثمارات النفطية وما يتعلق بها من مشاكل الموازنة المالية السنوية وحصة الإقليم من الموانة الاتحادية. والموضوع الثاني هو ما بات يعرف بالمناطق المتنازع عليها، وتقف في مقدمتها محافظة كركوك، وهذا الموضوع ما زال معلقا ويمثل خطا أحمر لا تستطيع الأطراف المتنازعة الاقتراب منه.
الأزمة الأخيرة اشتعلت بعد إعلان حكومة الإقليم صفقة استثمار حقلي غاز، بتوقيع عقد استثمار مع شركتين أمريكيتين. إذ شكَّل إعلان يوم 19 مايو منعطفا في الوضع الاقتصادي لإقليم كردستان. ففي العاصمة الأمريكية واشنطن، وتحديدا في مقر غرفة التجارة الأمريكية، وضع رئيس وزراء حكومة الإقليم مسرور بارزاني توقيعه على اتفاقين استراتيجيين مع شركتي (HKN Energy) و(Western Zagros) الأمريكيتين، ويحمل اختيار مكان التوقيع دلالات سياسية واضحة تعكس رغبة أربيل في الحصول على دعم حكومة دونالد ترامب لمواجهة رفض حكومة بغداد المتوقع.

يبدو أن وضع الإقليم يتقلب على جمر الأزمات، التي تحاول حكومة الإقليم إخفاءها أو تجميلها أو إلقاء مسؤوليتها على الحكومة المركزية في بغداد

لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان توقيع إقليم كردستان على الاتفاق التجاري مع الشركتين الأمريكيتين، حتى جاء الرد سريعا من بغداد، في بيان شديد اللهجة، صدر من وزارة النفط العراقية.. وقد نقلت وكالة رويترز عن الوزارة بيانها الذي أشار إلى أن، «الإجراءات المتخذة من قبل حكومة الإقليم تعد مخالفة صريحة للقانون العراقي، فالثروات النفطية، تعد ملكا لجميع أبناء الشعب العراقي، وأي إجراء لاستثمار هذه الثروة، يجب أن يكون من خلال الحكومة الاتحادية». أربيل من جانبها أكدت أن هذا الحق في إدارة ثرواتها مكفول للإقليم دستوريا ككيان فيدرالي ضمن العراق الموحد، فيما عبّر مسرور بارزاني رئيس وزراء الإقليم عن امتعاضه مما وصفه بـ»تفسيرات خاطئة في بغداد من دون مبرر»، ونقل بيان صادر عن حكومة بارزاني القول: «حكومة الإقليم ملتزمة التزاما كاملا بتطوير قطاع الطاقة، خاصة أن إصلاحاتنا تمثل خطوة مهمة نحو ضمان إمدادات الطاقة الكهربائية على مدى الساعة لسكان إقليم كردستان كافة، ونأمل أن نسهم في توفير الكهرباء لمناطق أخرى في العراق». من جانبه، قال مسؤول كبير في وزارة النفط الاتحادية، إن توقيع الاتفاقين في واشنطن جرى دون علم بغداد مسبقا. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة رويترز «توقيع اتفاقي طاقة من دون التشاور مع الحكومة المركزية، سيزيد من تعقيد العلاقات بين بغداد وأربيل، وسيؤثر في الجهود المبذولة لاستئناف تصدير نفط إقليم كردستان».
كتب الصحافي الكردي سامان نوح على صفحته في فيسبوك، تغطية وتحليلا لما جرى في انتخابات برلمان الإقليم الأخيرة قائلا: «في خضم نشوة إجراء انتخابات إقليم كردستان 2024، ذكرت أن البرلمان المقبل سيكون الأضعف، وإن شخصياته سيكون حضورها كالغياب، لأن الحزبين الكبيرين أصرا على ترشيح الوجوه العشائرية والاجتماعية (حتى من خارج كوادرهما التنظيمية)، وجوه تستطيع جمع الأصوات، ونأت قيادات الحزبين بنفسها عن الوجوه السياسية والكفاءات. والنتيجة اليوم واضحة، سبعة أشهر والبرلمان لم يعقد جلسة واحدة، ومن يفترض أنهم ممثلون للشعب وليس للأحزاب غالبيتهم لم يفكر حتى بكتابة منشور ناقد لحزبه، وليس إعلان حراك احتجاج». وقد علق المحلل السياسي رواء موسى على الخطوة الأخيرة للتصعيد بقوله»، إن عقودا بهذا الحجم تتطلب بالضرورة موافقة برلمان كردستان نفسه، حتى لو كانت الحكومة منتخبة وليست موقتة»، وأشار إلى أن «الحصول على موافقة البرلمان الكردستاني يتطلب تصويت 66 نائبا من أصل 100، وهذا لم يحدث»، مضيفا أنه طالما لا يوجد دستور خاص بإقليم كردستان، فإنه يظل محكوما بالدستور الاتحادي العراقي، الذي يضع قيودا على صلاحيات الإقليم في عقد اتفاقات دولية بصورة منفردة، خاصة في قطاع استراتيجي كالطاقة».
ويبدو أن رائحة الفساد فاحت مبكرا هذه المرة، إذ أشار عدد من المراقبين إلى أن القيمة المعلنة للعقدين تبدو «مبالغا فيها» بالنظر إلى حجم الحقلين المشمولين بالاتفاق. ويشير المحلل السياسي دلشاد أنور، إلى أن أربيل ربما تحاول استغلال وجود مسؤول مقرب من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إحدى الشركتين للحصول على دعم أمريكي. لكنه يحذر من خطورة «المقامرة» والمراهنة على إدارة ترامب التي لا يمكن التنبؤ بسياساتها.
وتزداد الشكوك عمقا مع الإشارة إلى تحقيق نشره مركز «ستاندر» للتحليل الاقتصادي، الذي يفيد بأن الشركتين لا تمتلكان مكاتب فعلية في الولايات المتحدة، وأن إحداهما مسجلة باسم جندي أمريكي متقاعد، بينما الأخرى مسجلة بأسماء أشخاص غير معروفين، وليس لهما تأثير يذكر على دوائر صنع القرار في الحكومة الأمريكية. وذهب التحقيق إلى حد الإيحاء بأن ما جرى هو مجرد «تغطية لإضفاء الشرعية» على عمليات قد تكون أربيل هي المالك الرئيس فيها، خاصة أن نشاط الشركتين يقتصر تقريبا على العمل داخل كردستان.
أما الملف الثاني في المشاكل المالية بين بغداد وأربيل فيتمثل في المشكلة القديمة المتجددة المتعلقة برواتب موظفي الإقليم، فمنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقا بين الشد والجذب بين الإقليم والمركز، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطا على الإقليم مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، وواردات المنافذ الحدودية والجبايات الأخرى للخزينة المركزية، وبالمقابل تستلم خزينة الإقليم حصتها من الموازنة التشغيلية وتشمل رواتب الموظفين، والموازنة التنموية المقررة لتطوير الإقليم.
توقف الإقليم عن تصدير النفط في مارس 2023 إثر قرار صدر عن هيئة تحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس، بناء على دعوى كان قد رفعها العراق ضد أنقرة، لسماحها بتدفق النفط من الإقليم منذ عام 2013 بمعزل عن حكومة بغداد. وبعد شد وجذب في حيثيات المطالب والشروط وما رافقها من مفاوضات عسيرة لإعادة استئناف التصدير، وافق مجلس الوزراء الاتحادي على تعديل المادة 12 الخاصة بإنتاج وتسليم نفط الإقليم إلى شركة تسويق النفط الاتحادية «سومو» في الموازنة الاتحادية. وحتى هذه النقطة ما زالت تعاني من تلكوء وغياب الشفافية بين أربيل وبغداد، الأمر الذي انعكس على حصة الإقليم من الموازنة المالية الاتحادية، وكانت المحكمة الاتحادية العليا، قد ألزمت، في شهر فبراير 2024، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان مباشرة، دون إرسالها إلى حكومة الإقليم، وذلك بعد تأخر لأشهر بتسليم تلك الرواتب. وقد أكد عضو حزب العدل الكردستاني ريبوار محمد أمين، أن الحل النهائي لأزمة رواتب موظفي كردستان بيد حكومة الإقليم. وقال محمد أمين في حديث إعلامي إن، «إطلاق رواتب شهر مارس الماضي بسلاسة من قبل الحكومة الاتحادية ووزيرة المالية كان لتزامنه مع عيد الفطر المبارك». وأضاف أن «الأزمة ستعود مجددا إذا لم يلتزم الإقليم بتسليم النفط لشركة سومو والعائدات المالية غير النفطية من الضرائب والمنافذ، وأيضا تسليم قوائم الموظفين واعتماد نظام التوطين، وتسليم الحسابات البنكية للحكومة الاتحادية».
ويبدو أن وضع الاقليم يتقلب على جمر الأزمات، التي تحاول حكومة الإقليم إخفاءها أو تجميلها أو إلقاء مسؤوليتها على الحكومة المركزية في بغداد. وقد كتب سامان نوح متسائلا :»لماذا منذ سبعة أشهر يصر الحزبان الكرديان على إبقاء البرلمان معطلا مغلق الأبواب بقرار مشترك؟ لماذا يريان أن لا برلمان أفضل من برلمان لا يعمل وفق الحسابات المطلوبة؟ ولماذا قبلها ولنحو عامين أبقيا الإقليم بلا برلمان، ولعشر سنوات أبقيا الإقليم بلا موازنة عامة، ولا أرقام ولا حسابات مصادقة؟ حزبان يجتمعان منذ عام 1998 بلا ملل! ويناقشان الملفات ذاتها تقريبا! ويطلقان للجمهور البيانات ذاتها حول الفرج القريب!». لكن كل مراقب يرى أن الازمات القديمة باتت متجددة، من دون التوصل لحلول حقيقية تخرج المواطن الكردي من مأساته.
كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات