عبد الباري عطوان
التصريحات الخطيرة جدا، وغير المسبوقة، التي أدلى بها السيد علي خامنئي المرشد الأعلى في ايران امس الاثنين اثناء استقباله مجموعة من الشباب الإيراني الفائز بميداليات في الاولمبياد العالمية، يشعر بإنطباع بأن ايران انتقلت من مرحلة الدفاع والصبر الاستراتيجي، الى مرحلة المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
فالسيد الخامنئي قال في أعنف هجوم على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “من انتم حتى تقرروا ما اذا كان ينبغي على ايران ان تمتلك صناعة نووية ام لا.. وما علاقتكم في منطقتنا، انها قمة الغطرسة والبلطجة، وقد تنجح هذه الغطرسة مع بعض الدول لكن بفضل الله لن يكون لها أي تأثير على الشعب الإيراني”.
وبلغت سخرية الامام الخامنئي ذروتها من الرئيس ترامب وأكاذيبه، وخاصة الزعم بأنه يحارب الإرهاب، ويسعى للسلام، عندما قال له “هل استشهاد اكثر من 20 الف طفل ورضيع في قطاع غزة هو محاربة للإرهاب، وهل كان هؤلاء ومعهم 50 الفا من أهلهم ارهابيين؟”، وأضاف “الإرهابي هو أمريكا التي تنشر الحروب والموت في الشرق الأوسط، والا لماذا توجد القواعد العسكرية الامريكية فيها”.
***
أهمية هذه التصريحات تأتي من توقيتها، وعلى لسان صاحب القرار الأعلى في إيران الذي يقرر السلم والحرب في بلاده، أي الأمام خامنئي، فقد تزامنت (التصريحات) مع اعلان علي لاريجاني رئيس مجلس الامن القومي الإيراني التي اعلن فيها “ان بلاده الغت اتفاق التعاون الذي وقعته مع الوكالة الدولية للطاقة، في رد مباشر وصاعق على فرض الغرب بزعامة أمريكا عقوبات اقتصادية جديدة على ايران، بذريعة انتهاء مدة الاتفاق النووي رسميا الذي جرى توقيعه في أيلول (سبتمبر) 2015، والغته إدارة ترامب الأولى عام 2017.
الأمر المؤكد ان القيادة السياسية الإيرانية العليا توصلت الى قناعة راسخة بأن النسخة الثانية و”المصححة” للعدوان الثنائي الامريكي الإسرائيلي الفاشل في حزيران (يونيو) الماضي، باتت وشيكة جدا، ولهذا قررت اعلان حالة الطوارئ، وبدء عملية التعبئة للرأي العام الإيراني.
خبير عسكري غربي كبير من المتابعين عن كثب للملف الإيراني، وعائد لتوه من طهران، أكد في لقاء خاص مع مجموعة محدودة جدا من الصحافيين، انه بات على قناعة راسخة بأن ايران قد تكون المبادرة في شن حرب على إسرائيل والقواعد الامريكية في المنطقة، ولن تنتظر العدوان الثنائي الأمريكي الإسرائيلي، وقال ان إيران طورت قدراتها الدفاعية والجوية بمساعدة صينية وروسية التي كانت نقطة ضعفها في العدوانات السابقة.
وما يؤكد قول هذا الخبير ان السيد الخامنئي تحدث عن هذه المسألة بشكل صريح اثناء لقاءه مع الرياضيين الإيرانيين عندما ركز على عدة مسائل في رسائل موجهه للداخل الإيراني أولا، والثنائي الإسرائيلي الأمريكي ثانيا:
الأولى: ان العدوان الثنائي لم يحقق اهدافه في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وردّ على التباهي الأمريكي على لسان ترامب بهذا التدمير “حسنا استمروا في أحلامكم”.
الثانية: التذكير بالضربة الساحقة التي وجهتها القوات الإيرانية للكيان اثناء حرب الأيام الـ 12 واصابتهم باليأس، مؤكدا ان الصهاينة فوجئوا بهذه الضربة، ولم يتوقعوا ان يتمكن الصاروخ الإيراني من اختراق انظمتهم الدفاعية والوصول الى مراكزهم الحساسة، وتدميرها في قلب تل ابيب.
الثالثة: الصواريخ صناعة إيرانية بحته، وفي تطور مستمر، وأشارت العديد من التحليلات العسكرية الغربية، الى ان سلاح الغواصات التي تملك إيران أكثر من 19 منها تصنيعا محليا (إسرائيل تملك 7 غواصات)، ولا يمكن رصد أماكن تواجدها، قد يلعب دورا كبيرا في الحرب المقبلة اذا اشتعل فتيلها.
***
إيران تدرك ان أي عدوان ثنائي إسرائيلي امريكي لن يكون محدودا، بل أكثر تدميرا وباتت تضع استراتيجياتها العسكرية وفق هذه القناعة الجديدة، فوقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة، والتصعيد العسكري العدواني ضد “حزب الله” في لبنان، يأتي للتفرغ للعدوان الموسع المحتمل ضد إيران، فالإعلام الإسرائيلي ينشر تسريبات هذه الأيام قديمة متجددة على لسان قادة عسكريين متقاعدين تقول ان إيران هي رأس الاخطبوط في المنطقة، ويجب التوجه اليه وليس الاكتفاء بضرب أذرعه.
اعلان الجنرال لاريجاني اليوم الغاء اتفاق التعاون مع وكالة الطاقة الدولية ربما يكون تمهيدا لإنتاج أسلحة نووية، والتخلص من جميع الالتزامات السابقة، ولعل تصريحات الجنرال شمخاني سلف لاريجاني الذي يتعافى من محاولة اغتيال اسرائيلية في الهجوم الأخير، التي اعترف فيها بندمه لعدم تطويره أسلحة نووية عندما كان في السلطة تؤكد هذا التوجه.
العبارة القوية التي ختم فيها السيد خامنئي تصريحاته غير المسبوقة، واكد فيها “ان الغطرسة الامريكية قد تنجح مع بعض الدول (في إشارة لبعض العرب) لن يكون لها أي تأثير على الشعب الإيراني” تشي بالكثير، وتمهد للقادم الذي سيكون مختلفا عن كل سابقاته.. والله اعلم.