الوثيقة | مشاهدة الموضوع - ما خيارات مصر والسودان في أزمة سد النهضة؟ محمود سامي - القاهرة
تغيير حجم الخط     

ما خيارات مصر والسودان في أزمة سد النهضة؟ محمود سامي - القاهرة

مشاركة » الخميس مارس 04, 2021 2:59 am

لم تتمهل إثيوبيا مصر والسودان كثيرًا في الرد على طلبهما تدويل مفاوضات سد النهضة بعد إعلانها بدء التعبئة الثانية في يوليو/تموز المقبل، لتعلن رفضها التدويل والتمسك باتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث.

وبعد نحو 10 سنوات من المفاوضات "المتأزمة" في ملف السد، انحسرت البدائل المصرية والسودانية في التغلب على التداعيات "السلبية" المحتملة على حصتيهما ومنشآتهما المائية، في وقت قطعت فيه أديس أبابا شوطًا كبيرا في البناء وتنتظر بعد أشهر الملء الثاني للسد.

ومرارًا أكدت القاهرة التزامها بالمسار التفاوضي، غير أن الأشهر الماضية شهدت حراكًا دبلوماسيا وعسكريا غير مسبوق بين مصر والسودان كلل بمناورات عسكرية واتفاقيات أمنية مشتركة في توقيت مثخن بالأزمات في المنطقة خصوصًا على الحدود السودانية الإثيوبية، علاوة على صراع أهلي لم يتوقف داخل إثيوبيا.

ومع انحسار البدائل أمام مصر والسودان، جددت القاهرة رفضها سياسة الأمر الواقع، ودعت إلى عودة المفاوضات بزمن محدد لها، بالتزامن مع حديث سوداني عن تأثيرات خطيرة للملء الثاني للسد على ملايين المواطنين السودانيين.

وفي بيان مشترك صدر بالقاهرة الثلاثاء خلال زيارة وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي لمصر، أكد البلدان تمسكهما باقتراح الخرطوم تشكيل لجنة رباعية دولية تشمل الأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والأفريقي والولايات المتحدة للوساطة في مفاوضات السد، بعد إعلان إثيوبيا البدء بالتعبئة الثانية لسد النهضة.

وشددا على أن قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء السد بشكل أحادي سيشكل تهديدا مباشرا للأمن المائي لمصر والسودان، خاصة فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية ويهدد حياة 20 مليون مواطن سوداني، كما أكدا أن هذا الإجراء سيعد خرقًا ماديًا لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015.

غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي قال إن بلاده ترفض تدويل ملف سد النهضة، وتتمسك باتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، مشيرا إلى أن خيار أديس أبابا هو السلام لحل الخلاف الحدودي مع السودان، ومستبعدا نشوب حرب مع البلدين.
ثأثيرات الملء الثاني

الأكاديمي المصري محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود والموانئ، استبعد أي تأثير للملء الثاني لبحيرة سد النهضة على بلاده، موضحًا أن إثيوبيا ستخزن قرابة 15 مليار متر مكعب من الفيضان القادم، وهذا الحجز والتخزين سيتم صرفه من بحيرة ناصر (جنوبي مصر) لتعويضه.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف أن كل مليار متر مكعب سيتم تخزينه أمام سد النهضة سيتم سحبه من بحيرة ناصر، وعليه فمصر لن تشعر بأي أثر سلبي للملء الثاني لأنه يسحب من مخزون بحيرة ناصر، التي ستخسر هذه الكمية دون تعويض في الفيضان القادم.

في حين أن التأثير السيئ جدا سيكون، بحسب حافظ، على السودان خاصة قاطني الأرياف والقرى على النيل الأزرق بداية من سد الروصيرص (القريب من سد النهضة) إلى الخرطوم، وهم يعادلون قرابة 20 مليون نسمة.

وأوضح حافظ أن الملء الثاني للسد سيمنع عن المواطنين السودانيين جريان النيل الأزرق لقرابة شهرين كاملين حتى تتمكن إثيوبيا من تخزين قرابة 15 مليار متر مكعب خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، موضحًا أنه في هذه الحالة يحتاج مواطنو السودان لسحب المياه من المياه الجوفية لتلافي مخاطر حجز المياه.


بين الضغط الشعبي والحل العسكري

ويتبقى خياران أمام مصر لمواجهة التداعيات السلبية المحتملة، بحسب الأكاديمي المصري، الأول يصلح فقط خلال الفترة من بداية مارس/آذار الجاري حتى الأول من مايو/أيار المقبل، وهو يقوم على ضغط شعبي على الرباعية الدولية بأن يخرج المجتمع المصري أمام سفارات ومقرات هذه الدول والمنظمات في مصر ويبدي غضبه واستياءه من تعامل العالم في أسوأ مشكلة تواجهها بلاده.

وتوقع أن تبعث ورقة الضغط الشعبي تلك رسائل قوية إلى حكام ومسؤولي تلك الدول والمنظمات، مما يدفعهم للضغط على إثيوبيا، مشددًا على أنه من دون هذا الضغط لن تقوم هذه الدول والمنظمات بممارسة ضغوط على إثيوبيا.

وأضاف حافظ أن أميركا والبنك الدولي لو شاهدا ضجيجا بمصر سيقومان بالضغط على أديس أبابا خاصة وأنهما يمدانها بتكنولوجيا السد والتمويل وخطوط الكهرباء.

وطالب حكومة بلاده بأن تضع توقيتا محددا آخره أول مايو/أيار المقبل، وهو الخيار الثاني بوجهة نظره بحيث إن لم تفلح الوسائل الدبلوماسية والسياسية فعلى الجيش المصري التوجه إلى إثيوبيا بتدمير أي عائق يمنع وصول التدفقات الطبيعة من النيل الأزرق لمصر، وفق تعبيره.

وقال حافظ إن الحل النهائي قد يكون عسكريًا ويتطلب أن يأتي حين تكون كمية المياه أمام سد النهضة أقل ما يمكن بحوالي 3.5 مليارات متر مكتب وسيكون ذلك من أول مايو/أيار إلى أول يوليو/تموز المقبلين، وهذان الشهران ستسمح خلالهما إثيوبيا بخروج كمية من المياه الموجودة حاليا حتى تتمكن من تجفيف المقطع الأوسط للسد وبحيرته والبناء عليه.

وأضاف أن هذه أفضل فرصة يتم فيها اللجوء لحل عسكري، مع ملاحظة أنه يجب إفراغ سد الروصيرص بالكامل قبل أي ضربة عسكرية حتى يتم تفريغ المياه الموجود داخل سد النهضة دون أن يؤثر ذلك على سد الروصيرص.
إثيوبيا أعلنت أنها ستبدأ الملء الثاني لسد النهضة خلال أشهر قليلة (مواقع التواصل)
الرباعية الدولية

بدوره توقع الكاتب المصري والباحث في العلاقات الدولية أحمد مولانا تصاعد الضغوط المصرية كفكرة وجود وساطة دولية، مشيرًا إلى أن القاهرة تراهن على أن التصعيد المصري السوداني سيدفع الأطراف الدولية الإقليمية للتدخل حتى لا تصل الأمور إلى صراع وحرب بين الأطراف.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أشار إلى أن القوى الدولية ليس من مصلحتها أن تشهد منطقة الشرق الأفريقي حربًا بين مصر والسودان وبين إثيوبيا، حيث ستكون تداعياتها كبيرة في مسائل الهجرة والهشاشة الأمنية وانهيار السلطة والأنظمة في المنطقة، وبالتالي هي تدفع لضغوط دولية للتدخل لاتفاق ترضى عنه الأطراف الثلاثة.

أما عن فكرة تشكيل رباعية دولية لحلحلة أزمة ملف السد الإثيوبي، أكد مولانا أنها ممكنة حال شعور الدول الكبرى بخطورة المشهد وتحوله لحرب، وفي ذلك ستضغط على الدول الثلاث للوصول إلى حل، محذرًا من أن خلاف ذلك سيكون خيار التصعيد على الحدود السودانية الإثيوبية مرجحًا.

وأوضح أن مصر في هذه الحالة حريصة على تحسين علاقتها مع السودان ودعمه في أي صراع محتمل بذريعة المشاكل الحدودية.

أما عن الخيارات الباقية أمام مصر، فيرى مولانا أن مصر لديها سلسلة خيارات أخرى كدعم متمردي التيغراي في مواجهة الحكومة الإثيوبية، ودعم الطوائف العرقية التي لها خلافات مع الحكومة المركزية في أديس أبابا وأمهرا التي تسيطر حاليًا، وكذلك خيار دعم السودان عسكريا حال حدوث صدام مع إثيوبيا الفترة المقبلة.
تهديد مشترك

أما التحسن المفاجئ بين القاهرة والخرطوم مؤخرًا، فعزاه الباحث المصري إلى أنه يعود بطبيعة الحال لوجود تهديد مشترك يتمثل في الدور الإثيوبي والتعنت في أزمة سد النهضة، إضافة إلى تغير الإدارة السودانية وتولي الجيش الحكم، فاًصبح الشخصان سواء السيسي والبرهان يمثلان القوات المسلحة بالبلدين، وهما أقرب لبعضهما خصوصًا في ظل التحديات المشتركة التي يواجهانها.

وتعقيبًا على الإعلان الإثيوبي برفض تدويل ملف السد، قال مولانا إنه طبيعي ومتوقع في ظل التعنت الاثيوبي، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التصعيد الكلامي والتلويح بتحشيدات عسكرية على الحدود، ومطالبة أطراف خارجية بالتدخل، ومعتبرا أن خيار شن حرب شاملة أو قيام مصر بعملية عسكرية مباشرة في إثيوبيا هو أمر مستبعد لأن إثيوبيا قطعت شوطا كبيرا في بناء السد.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron