الوثيقة | مشاهدة الموضوع - سكان استنبول يخشون من ان الزلزال القادم سيدفنهم احياء : متابعات
تغيير حجم الخط     

سكان استنبول يخشون من ان الزلزال القادم سيدفنهم احياء : متابعات

مشاركة » الاثنين مارس 13, 2023 9:05 am

1.jpg
 
الصدع الذي أحدثه الزلزال في حائط غرفة نوم مسعود مطالب أوغلو عريض لدرجة أنه يستطيع أن يدخل فيه مفتاح سيارة.

يلف مسعود المفتاح قليلا فتسقط كتلة كبيرة من الجص من الحائط وترتطم بالأرض.

لهذا السبب قرر هو وأسرته إخلاء الشقة التي عاشوا فيها على مدى الأعوام الخمسة عشرة الماضية. المبنى بأسره اعتبر غير صالح للسكن بعد أن أجري عليه اختبار مقاومة الزلازل وتبين أنه غير مطابق للمواصفات. هناك احتمال كبير أن يتهاوى المبنى بأسره إذا ما وقعت هزة أرضية أخرى.

هنا في اسطنبول، تتنامى مخاوف السكان.

فالزلزالان القويان الذين ضربا جنوب تركيا مؤخرا أسفرا عن مصرع حوالي 50 ألف شخص، وأثارا مخاوف بين سكان أكبر مدينة في البلاد. يبلغ عدد سكان اسطنبول 15 مليون نسمة، وتقع فوق خط صدع شمال الأناضول، ويتنبأ الخبراء بأنها ستتعرض لزلزال قبل عام 2030.حوالي 70 في المئة من مباني المدينة شيدت قبل تطبيق قواعد جديدة تفرض معايير بناء أكثر صرامة في عام 1999، ومن ثم تعتبر غير آمنة. قبل ثلاثة أشهر فقط، أشارت دراسة إلى أن نحو 90 ألف شخص ربما يلقون حتفهم إذا تعرضت المدينة لزلزال قوي. والآن، بدأ السباق من أجل تهيئة المدينة لمواجهة الزلازل.

يدرك مسعود جيدا حجم الدمار الذي من الممكن أن تتسبب فيه الزلازل. فقد عاد لتوه من جنوب مدينة قهرمان مرعش، مركز الزلزال، حيث فقد بعض أقاربه. وبينما كنا نتحدث في شقته التي أصبحت الآن خاوية، وصف لي مسعود اللحظة التي اكتشف فيها ما حدث. "وقع الزلزال في الساعة 04:17 صباحا، واتصل بي أحد أقربائي، واستيقظنا جميعا وأخذنا نصرخ". تنهمر الدموع من عيني مسعود، ويدير وجهه بعيدا محاولا أن يتمالك نفسه. "إنه موقف رهيب. لم نتمكن من الذهاب [إلى قهرمان مرعش] على مدى ثلاثة أيام بسبب الثلوج، وعندما وصلنا ورأينا الأنقاض، كان شيئا صعبا جدا لا أستطيع وصفه. أدعو الله ألا يمر أحد آخر بهذه المحنة".

عندما عاد مسعود إلى اسطنبول، كانت السلطات قد قطعت إمدادات الطاقة والمياه عن الشقة. "طلبت إعادتها إلى أن نكمل إخلاء العقار، فمنحونا يومين آخرين".

"كان المجلس البلدي قد أرسل لنا تحذيرا مكتوبا، لكن لم تُحل المشكلة بسبب رفض الجيران. كنا نعرف أنهم سيقطعون عنا المرافق، وكنا على استعداد للرحيل، لكن جاء الزلزال وتحول كل شيء إلى حالة من الفوضى".

منذ أن ضرب الزلزال جنوب البلاد، قُدم أكثر من 100 ألف طلب إلى مجلس بلدية اسطنبول لإجراء فحوصات السلامة على المباني. وبلغ طول قائمة الانتظار ثلاثة شهور، ثم أربعة، ولا يزال في تزايد.

باستطاعة السكان الآن، فضلا عن ملاك المباني، التقدم بتلك الطلبات، لكن البعض لا يفعلون ذلك بسبب التداعيات المالية. فالتعويضات التي تمنح لمن يضطرون إلى مغادرة المباني التي تعتبر غير صالحة للسكن ضئيلة. ولا توجد أرقام رسمية توضح عدد المباني التي تفشل في تلك الاختبارات.

وقد تعهد عمدة المدينة إكرام إمام أوغلو بإعطاء فرق الإنقاذ المزيد من التدريبات، وبتجهيز ملاجئ مؤقتة تكفي لنحو 4.5 مليون شخص في أعقاب الزلزال الأخير. لكن يخشى كثيرون أن ذلك ليس كافيا.يمكنك أن تعرف السبب إذا تمشيت في أحد شوارع اسطنبول العادية. الكثير من المباني بها خصائص تصميمية قد تجعلها تنهار في حال تعرضها للضغط عند وقوع الزلازل.

التقيت بالدكتور كورتولوس أتاسيفر المهندس المختص في المعمار ومقاومة الزلازل الذي أوضح لي بعض تلك الخصائص. وقفنا على أرضية خالية بجانب بعض الأحجار التي كانت تشكل أسس بعض المباني. عندما ضرب زلزال قوته 5.8 درجة اسطنبول في عام 2019، تضررت تلك المباني بشكل كبير، مما اضطر السلطات إلى هدمها. وتوجد بطول ذلك الشارع مبان مشابهة بها نفس العيوب.

يقول لي الدكتور أتاسيفر إن الإسمنت عالي الجودة أمر في غاية الأهمية، كما أن المعمار شيء حيوي أيضا: "لدينا هنا بعض النتوءات. في هذا النوع من المباني، هناك بعض الطوابق الضعيفة أو الهشة. كما أن هناك أعمدة قصيرة، كل تلك الأمور في الحقيقية تعتبر مشكلات في البناء".

ببساطة، كل من هذه الأشياء التي تحدث عنها أتاسيفر تعمل على إضعاف المستوى الأرضي للمبنى، مما يجعله غير قادر على حمل الطوابق العليا في حالة وقوع زلزال. والنتوءات تجعل باقي المبنى أكثر عرضا من التصميم الموضوع له. والطوابق الضعيفة أو الهشة هي تلك التي يكون فيها الدور الأرضي أطول من الأدوار التي فوقه. والأعمدة القصيرة طولها غير كاف مقارنة بقطرها.

يقول الدكتور أتاسيفر إنه يمكن أن تكون كل هذه الأمور آمنة عندما يتم التخطيط للتصميمات كما يجب، ولكن هذا نادر في المباني القديمة على وجه الخصوص.

نقف في ظل منزل ياسمين سليمان أوغلو، وأسألها ما إذا كانت تشعر بالقلق على المبنى الذي تعيش به. تمسك بيد ابنتها وتنظر إلى أعلى صوب المبنى، قائلة: "لا أشعر بالأمان هناك".

"لقد اهتز مبنانا كثيرا خلال زلزال عام 2019، كما تصدعت أعمدة المبنى الذي يوجد في الجهة المقابلة من الشارع. أشعر بالقلق منذ ذلك الحين، كما انتابنا خوف كبير منذ الزلزال الأخير. لقد أصابنا الأرق خشية أن يضربنا زلزال في أي لحظة. أعتقد أننا معرضون للخطر لأن مبنانا قديم".

الخطوة التالية هي تطوير نظام إنذار مبكر يعتمد على ألياف بصرية طولها 50 كيلومترا. لكن بالنسبة لمدينة ضخمة إلى هذا الحد، من الصعب معرفة إلى أين سيذهب الناس بحثا عن الملجأ، حتى لو تم تنبيههم إلى أن زلزالا على وشك الحدوث.

وبينما تواصل شاشات التلفاز التركية عرض الكثير من صور الدمار الذي تعرض له جنوب البلاد، باتت تلك المخاوف الشغل الشاغل لشريحة كبيرة من سكان اسطنبول. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المهمة التي من المزمع إجراؤها بعد نحو شهرين، اكتسبت تلك المخاوف أهمية كبيرة.

بين عشية وضحاها، أصبحت أزمة الزلزالان وما تسببا فيه من خسائر ودمار من بين القضايا المهمة للناخبين، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا. الكثير من المواطنين الأتراك غير راضين عن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الأزمتين. والتوابع هنا ليست هزات أرضية فحسب، بل هزات سياسية أيضا.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron