الوثيقة | مشاهدة الموضوع - يهرفون بما لا يعرفون – عبد المنعم الاعسم
تغيير حجم الخط     

يهرفون بما لا يعرفون – عبد المنعم الاعسم

مشاركة » الجمعة سبتمبر 27, 2024 5:49 pm

اخر صرعات الجهل السياسي، باطل القيمة، صار البعض من ابناء عم الحُكم يبشرون بسياسة عراقية جديدة تقوم على مبدأ البراغماتية، وعندهم خلال عرض المشروع المسموم انها تصب في مصلحة العراق، سيما انها توحي للجميع انها تأمن جانبهم فيما هي ترتاب منهم في ذات الوقت.

وعلى مستوى السياسات الداخلية لحكم الاطار التنسيقي المأزوم ، فان البعض يبشر بنوع «محسن» من البراغماتية على اساس المحاصصة و»اسكت عليّ اسكت عليك» مقابل مَن يشتم البراغماتية بعد ان يضمها، جهلا، الى العولمة والليبرالية والشيوعية والكوسموبوليتية والسادية والوجودية والاباحية، والبعض الآخر يحيطها بريبة، من جنس الريب التي تحاط بها، عادة، الاصطلاحات الاجنبية الغريبة، فكل ما يأتي من ما وراء المحيط يجب التوجس منه والتحسب من غزوه للعقول.

وطبعا، ثمة من رفع شعار البراغماتية فوق جميع الشعارات في ظروف اختلطت فيها الشعارات ببرك الدم، وعدّها أحد اركان الحكم الاطاري الوصفة الجاهزة والفلسفة السياسية المطلوبة وخشبة النجاة للوصول الى الديمقراطية المنشودة، واخذ منها اجتزاءات، فوظفها في غير موضعها، واستند فيها الى تعريفات من غير سياقها، وصعد فيها، ومنها، الى صورة ساذجة تبيح لاصحابها «اللعب على الحبال» باعتبار ذلك جوهر البراغماتية ومعناها في التطبيق.

وفي هذا الجو من التضبيب والاضطراب المفاهيمي والسياسي، ينبغي التذكير بان البراغماتية توصيف ابتدعه النموذج الامريكي في الحياة السياسية. انها الطبيعة الامريكية في التصرف واسلوب العمل، وهي –في تعريفاتها المدرسية- تعني الوسيلة العملية الآنية القابلة للتغيير والاستبدال في اي وقت تنتفي الحاجة اليه، او الذرائعية او التبريرية التي تحقق فائدة آنية، ولا يهم ان تتم بمختلف الاليات غير الاخلاقية، لكنها القانونية في ذات الوقت، وبمعنى آخر هي العمل اللااخلاقي في اطار القوانين المرعية، ويختصر «ساندرس بيرز» مؤسس المذهب البراغماتي (اواخر القرن التاسع عشر) مذهبه بالقول ان جدوى اي مشروع وفكرة تتحدد في نتائجها، وقد ساعدت هذه الفلسفية في تفريخ مذهب «الغاية تبرر الواسطة».

وللعلم، ايضا، فان الكثير من الدراسات والمعاهد والهيئات والزعامات السياسية الاوربية ترفض الفلسفة البراغماتية، وتعدها بمثابة وصفة امريكية خاصة للتنافس في ساحة العمل والسياسة والحياة، وتطعن في نظرية «النتائج هي الاهم» وفي نزعة اقصاء الاخلاق عن السياسة.

ان البراغماتية تدق ابوابنا باسوأ العناوين والصور المنافية للتنافس الحضاري، وسيكون مفيدا، كلما يحمى الوطيس، ان نؤشر بعض الالاعيب والمسرحيات والصفقات التي يعلن اصحابها بان «المهم هي النتائج، وجميع الاساليب مشروعة» لكن الفارق ان اصحابنا لا يقبلون بجميع النتائج، فبعضها، لو تعلمون يقتضي قطع الرقاب.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات