تأخّرَ الرّد، ولكن حجمه وقوته واثره تُسقِط عيب او عتب التأخير، وتُبّرره فنياً وسياسياً.
نتنياهو، ومن معَ نتنياهو (اعضاء حكومة)، وخلفه من دول، يقاتلون وفق شعوريّن او هاجسيّن: شعور بالخطر الوجودي للكيان، وشعور بالجنون او الاستهتار، فالمعركة او الحرب بالنسبة لهم هي حرب وجود ،مصحوبة بجنون او استهتار بكل ما في حولهم من قواعد وقوانين واخلاق وقيم، والدليل هو التناقض في متبنيات نتنياهو؛ فهو يقول ويعلن صراحة بأن الحرب هي حرب وجود، وفي ذات الوقت يتبنى هدف، اكبر وابعد بكثير من كيان يعاني خطر وجود، الهدف هو تغيير الشرق الأوسط !
ad
مَنْ يواجه خطر الوجود في المنطقة ،لن يسعْ الى الهيمنة على المنطقة ،لذلك أصفه مسؤولاً مهووس بلوثة الجنون، او الاستهتار، وأمريكا و الغرب ،بدعمهم اللامحدود له ،يدفعونه اكثر إلى التهور و ارتكاب المزيد من الجرائم .
اذاً، المنطقة امام عدو بهذا الوصف، وعلى مَنْ يقاومه بالسلاح، او يساومه بالسياسة والدبلوماسية ،أن يعي حالة عدوه او خصمه. بعبارة أخرى ، لا تنفع معه ( و اقصد مع نتنياهو ) قواعد اشتباك ، و إذا اضطرَ خصمه إلى التعامل معه، وفقاً لقواعد اشتباك، لردحة من الزمن فنيّته ليس السلام او الحل ،و انما خدعة ولكسب الوقت ،وهذا ما شاهدناه ولمسناه .
كما لا تنفع معه مباحثات سلام وتواصل، لماذا؟
لانه ،وبكل بساطة ، شخص او كيان لايؤمن بالسلام ،و لا يعترف بحقوق الآخر ،بل يتربّص للآخر .
لا أظّنُ أنَّ الإيرانيين يجهلون هذا المُعطى او الاستنتاج ،ولعلهم أدركوه مؤخراً ، فنفذّوا ضربتهم و استعادوا توازن قوة الردع ، والرئيس الإيراني ،والذي هو اكثر انفتاحاً من المسؤولين الإيرانيين الآخرين ،عادَ ليقول ” خدعونا الأمريكان بوعودهم الكاذبة ” .
الحرس الثوري الإيراني هو الذي تبنى الهجوم الصاروخي على إسرائيل في 2024/10/1 .و الرّدْ ،و الذي طال انتظاره و دخل مرحلة ” التسويف ” ، تأخّر لاسباب سياسية و عسكرية او فنيّة : سياسية خارجية و داخلية .
اعتقدت ايران ،حسبما صرحوا ،بأمكانية مقايضة عدم الرّدْ، على انتهاك سيادتها و ارتكاب عمل ارهابي بأغتيال القائد هنيّة، بوقف حرب الابادة في غزّة، او حرب “العقربادة” حسب المصطلح المستخدم من قبل الزميل البروفسور مكرم خوري مخول، ويقصد فيه حرب عنصرية وابادة. وبُنيَّ الاعتقاد على وعود أمريكية خادعة وكاذبة. داخلياً، كانت الرئاسة الإيرانية، وعلى خلاف الحرس الثوري و رأي البرلمان الإيراني ، ترجّح التريث في الرّدْ والقبول بعدم الرّدْ مقابل وقف الحرب في غزّة.
أمّا من الناحية العسكرية والفنية، ونظراً لخصوصية الرد في حجمه و قوته و ظرفه الزمني ، شاورت إيران روسيا ، وقبيل الرد بيوميّن ،عقد الرئيس الروسي اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع او الامن القومي الروسي، وزار وزير الخارجية الروسية طهران، قبل الهجوم بيوم واحد ، الأمر الذي يدّل و بوضوح تشاور او تعاون بين ايران وروسيا بخصوص الهجوم الصاروخي ، الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل. قد يكون هذا التعاون ابعد وغير محدود بالهجوم الصاروخي ، وكُلنا نعلم بأنَّ لروسيا قواعد عسكرية في سوريا، ولبنان الجنوب ليس بعيداً عن القواعد الروسيّة في سوريّة. ومن مؤشرات الاستهتار والغباء الاسرائيلي الصهيوني، يحسبُ نتنياهو، بتهديده لاي طائرة نقل إيرانية او عراقية تهبط في مطار بيروت، يستطيع ان يمنع وصول المساعدة و العون إلى جبهة القتال في جنوب لبنان .
هذا التعاون او التواصل الروسي الإيراني، والعلني، قبيل الهجوم بساعات، هو بمثابة رسالة روسيّة لأمريكا، التي تمّد زيلينسكي بالسلاح المتطور لمهاجمة العمق الروسي. حينها صرحّت الادارة الأمريكية وعلناً، وكذلك مسؤولين ألمان وفرنسيين، بسماحهم للجيش الاوكراني بأستخدام سلاحهم لمهاجمة العمق الروسي. وقد أجابهم الرئيس الروسي، حينها، بالمثل، حيث قال، “نحن سنمّدُ اصدقاءنا اينما كانوا والذين يقاومون الوجود الأمريكي”.
تعمّدت روسيا في ان يكون تواصلها الرسمي مع ايران، وقبيل الهجوم بساعات، علني وصريح، لتعزيز دورها ونفوذها وأشهاره، وانها ليست غائبة عن مايدور في المنطقة. هذا ماهو مُعلنْ ، اما ما خفي علينا ،حتماً لا يُخفى على اجهزة الترصد الامريكية والغربية والاسرائلية.
وعلينا ان نعي خطورة الموقف ومايدور في المنطقة، وسببه الاستهتار الاسرائيلي والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لهذا الاستهتار. علينا ان نعي وندرك ابعاد المخطط الصهيوني في المنطقة وفي العالم، حين تظهر ابعاده في ما يقوله ويردده نتنياهو “سنغيّر الشرق الأوسط”! ويؤيده ويدعمه في هذا المسار والرؤية امريكا وفرنسا.
مسار ورؤية مرتكزتان على الجرائم و التوسع والاحتلال، وعدم احترام و تطبيق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ، ويصف الغرب، ما تقوم به إسرائيل “دفاع عن النفس”.
مؤلم حقاً ان تسمع “نتنياهو” يجرأ على القول بأنه “سيغيّر الشرق الأوسط”.
رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل