تحت عنوان: “محاولات توحيد الدول العربية.. تاريخ من الهزائم والإخفاقات”، توقّفت مجلة جون أفريك الفرنسية عند القمة العربية التي احتضنتها العاصمة العراقية بغداد هذا السبت، قائلة إن هدف القمة المتمثّل في مناقشة إنشاء اتحاد جمركي بين دول جامعة الدول العربية يعد طموحًا، لكنّ منذ 80 عاماً لم تُكلّل أيٌّ من محاولات التوحيد بين دول المغرب والمشرق العربيين بالنجاح.
أضافت الصحيفة أنّ الكثيرين لا يعرفون أن جامعة الدول العربية تأسست في 22 مارس عام 1945، أي قبل سبعة أشهر ويومين من تأسيس منظمة الأمم المتحدة. وهذا يدل على أن العرب دخلوا عصر المنظمات الإقليمية والدولية قبل الغرب. وقد تأسست جامعة الدول العربية في العاصمة المصرية القاهرة، مركز العروبة بعد الحرب العالمية الثانية. وتضم اليوم 22 بلداً عربياً، أي أقل قليلاً من عدد دول الاتحاد الأوروبي، وتمتد على مساحة 14 مليون كيلومتر مربع، مقارنة بـ 4.2 مليون كيلومتر مربع فقط للاتحاد الأوروبي.
رغم أن الجانب السياسي والجيوسياسي كان حاضراً بقوة في إنشاء هذه المنظمة العربية، فإن الجانب الاقتصادي لا يمكن إغفاله. وكذلك تأثير التاريخ الحديث
رغم أن الجانب السياسي والجيوسياسي كان حاضراً بقوة في إنشاء هذه المنظمة العربية، فإن الجانب الاقتصادي لا يمكن إغفاله. وكذلك تأثير التاريخ الحديث. ويوضح المؤرخان الفرنسيان دومينيك شوفالييه وأندريه ميكيل في كتابهما “العرب، من الرسالة إلى التاريخ” (فايار، 1995): “لا شك في أن جامعة الدول العربية هي نتيجة عملية متجذرة في التاريخ العربي الحديث، لكنها أيضاً تعكس إلى حد كبير رغبة بريطانيا في الحفاظ على منطقة نفوذ اقتصادي في الشرق الأوسط العربي. فجميع الأعضاء المؤسسين للجامعة كانوا تحت النفوذ البريطاني، حتى أولئك الذين كانوا تحت الانتداب الفرنسي”. فالاقتصاد والسياسة لا ينفصلان.
ومن المهم الإشارة إلى أن الجامعة، رغم كونها “الأم” لجميع المنظمات الإقليمية العربية، ليست الوحيدة في هذا المجال. فعلى الصعيد السياسي، هناك منظمة المؤتمر الإسلامي، التي أنشأها الملك فيصل عام 1967، وعُقد أول مؤتمر لها في مدينة جدة السعودية. وبنفس التسمية، تأسست منظمة التعاون الإسلامي في شهر سبتمبر 1969 في العاصمة المغربية الرباط، وتضم 57 دولة، من بينها دول إفريقية وأمريكية جنوبية. وتشمل هذه المنظمات دولاً ذات غالبية مسلمة لكنها غير عربية، مثل باكستان وأفغانستان، ما يجعلها أقرب إلى الطابع الإسلامي منها إلى العربي.
ثم توالت المنظمات، خاصة منذ سبعينيات القرن الماضي. “لقد أصبحت العلاقات بين الدول العربية أكثر تماسكاً في تلك الفترة، وشهدنا نشاط عدد غير مسبوق من المنظمات العربية المشتركة، وبعضها كان فعالاً”، كما يؤكد المؤرخ ألبرت حوراني في كتابه تاريخ الشعوب العربية (1993). ومن بين هذه المنظمات، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، التي تُعد سلف منظمة أوبك الحالية، ولعبت دوراً سياسياً واقتصادياً مهماً، خصوصاً في إدارة الموارد المالية الناتجة عن عائدات النفط.
محاولة صدام حسين الفاشلة
شهد عام 1981 ولادة مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم دول شبه الجزيرة العربية بقيادة المملكة العربية السعودية. وكانت أهداف المجلس واضحة: إنشاء اتحاد جمركي، وسوق مشتركة، وسياسة خارجية موحدة. لكن من الواضح أن هذه الطموحات لم تتحقق، تقول مجلة جون أفريك.
ثم جاء الرئيس العراقي صدام حسين، الذي كان، بعد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، من أبرز رموز القومية العربية، من خلال حزب البعث. سعى هو أيضاً إلى تحقيق وحدة عربية خالصة. حاول ذلك بين عامي 1981 و1982، مع كل من اليمن و الأردن ومصر عبر مشروع ذي أبعاد اقتصادية وسياسية وعسكرية. لكن المشروع لم يُكتب له النجاح. فقد جاءت الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وغزو الكويت، ثم حرب الخليج الأولى والعقوبات التي تلتها، لتقضي على أي أمل في وحدة عربية إقليمية، تُذكِّر المجلة العربية.
أما المحاولة الأخيرة فكانت في المغرب العربي، مع إنشاء اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير عام 1989 بمراكش، بمشاركة المغرب والجزائر وتونس، وليبيا وموريتانيا. “اتحاد المغرب العربي هو المثال الأبرز لوحدة لم ترَ النور في غرب الوطن العربي. لكن من يقوده؟ العاهل المغربي (أمير المؤمنين)؟ أم الرئيس الجزائري (الجنرال الذي حارب الاستعمار)؟ أم العقيد القذافي (الأكثر تهديداً)؟”، يتساءل الجيوسياسي فريدريك أنسل في كتابه جيوسياسية الربيع العربي (2014).
أدى تصادم الأنانيات أدى إلى شلل المشروع، ولم ينعقد الاتحاد منذ عام 1994. والأسوأ، أن الجزائر تحاول اليوم إحياء اتحاد مغرب عربي يحتضر، دون إشراك المغرب، تقول مجلة جون أفريك.
وأمام هذه السلسلة من المحاولات الفاشلة، كيف لا نختتم بكلمة منسوبة إلى المؤرخ وعالم الاجتماع العربي في القرن الرابع عشر، ابن خلدون: “اتفق العرب على أن لا يتفقوا”.