الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الجواب على تراجعات الماضي : علي محمد فخرو
تغيير حجم الخط     

الجواب على تراجعات الماضي : علي محمد فخرو

مشاركة » الخميس يونيو 12, 2025 3:14 pm

أما وأننا نعيش مرحلة التباعد بين شتّى أقطار الوطن العربي، والتوجه نحو خارج هذا الوطن لبناء شتّى أنواع التنسيقيات والتضامنيّات في كل أنواع الحقول، فإنه يجدر أن ننبّه هذا الجيل إلى ما قادت إليه بعض التراجعات الماضية، إلى ما نراه أمامنا من أوضاع الحاضر العربي التباعدية المحزنة المأساوية. في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي طرح بعضنا، وزراء التربية العرب، في اجتماعات المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (أليكسو)، اقتراح التوحيد التدريجي لمناهج بعض المواد، التي تدرس في المراحل الابتدائية والإعدادية، ومن ثم الثانوية، مثل اللغة العربية والإنكليزية والرياضيات وعلوم الفيزياء والكيمياء. وكان منطلقنا أمرين:
أولهما، لا يمكن أن تكون هناك خلافات حول هذه المواد، إذا وضعت من قبل لجان من أخصائيي مناهج من كل الأقطار العربية. الخلافات قد تكون حول مواد مثل التاريخ أو الاجتماعيات، وهذه يمكن ترك تأليفها على مستوى كل قطر على حدة.
وثانيهما: إن تأليف كتب المواد الدراسية لمئات الألوف من الطلاب العرب بدلاً من بضع ألوف، سيوفر أموالاً كثيرة يمكن الاستفادة منها في إجراء الدراسات والبحوث المعمّقة حول مواضيع تلك الكتب الدراسية وبالتالي رفع مستواها وقيمتها المعرفية.
في تلك السنوات اقترح بعضنا أيضاً توحيد مشاريع مكافحة الأمية الوطنية، كتباً وبرامج تلفزيونية ومواد تثقيف للكبار، توحيدها في مشروع عربي واحد تحت إشراف جهة عربية واحدة.
كان الحماس لتنفيذ كلا الاقتراحين التوحيديين العروبيّين التضامنيّين موجوداً، لكن التغيرات في أشخاص المسؤولين عن وزارات التربية وبالتالي قصر النظر، أو ضعف إرادة الفعل عند البعض، أو حتى المصالح الانتهازية والخوف من خسران مكاسب سابقة لهذه الجماعة، أو تلك أدت إلى تراجع، ومن ثم موت المقترحين، ومعهما تكلّس الخطوات التوحيدية العربية المشتركة في حقل التعليم والتربية بالغ الأهمية في المشروع النهضوي العروبي الواحد.
دعنا نأخذ مثالاً آخر، عبر الخمسين سنة الماضية اتخذت، مجموعة من الأقطار العربية، كدول مجلس التعاون الخليجي، ودول الاتحاد المغاربي، ومجموعة الأقطار العربية كلها، كما حدث في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي في اجتماع عربي حاشد في الأردن، اتخذت تلك المجموعات قرارات بقيام وحدة اقتصادية إقليمية، أو قومية مماثلة للسوق الأوروبية المشتركة، لكن إلى اليوم، وعلى الرغم من كل التمنيات والتصريحات، لم يتحقق ولا مشروع واحد من تلك المشاريع، وبقيت تلك الآمال القومية الوحدوية حبيسة الأدراج، مع ملفات مشاريع أخرى مثل قيام صناعة حربية عربية مشتركة، أو قيام قوة أمنية عربية واحدة مشتركة. لا أذكر أنني سمعت صوتاً عربياً رسمياً واحداً يحتجّ بصوت عالٍ، معبّرا عن جماهير هذه الأمة على ما وصلت إليه مؤسسة الجامعة العربية، التي كانت في يوم ما تفجّر أحلام وآمال وأهداف هذه الأمة، وكانت ملء العين والبصر كلما اجتمعت لتتحدّى الأعداء، ولتضع الخطوط الحمر ولترفع لاءات الأمة الشهيرة. الآن هناك كلام كثير حول إصلاح هذه المؤسسة الوحدوية القومية المشتركة وإخراجها من القبر، الذي أراد البعض دفنها في أعماقه، هذا الكلام مرحّب به، وآن أوان تفعيله على أرض الواقع العربي، لإخراج ذلك الواقع من السّقم الذي أصابه. لكننا نريدها محاولة إصلاح وتقوية وتغيير عميقة صادقة، تتخطى المناكفات والمنافسات العبثية حول من يقودها، وتجعل شعارها الوحيد كفاءة من يريد أن يقود هذا الجهد الذي سيكون رائعاً، في ما لو تحقق.

كلام كثير حول إصلاح الجامعة العربية وإخراجها من القبر، الذي أراد البعض دفنها في أعماقه، هذا الكلام مرحّب به، وآن أوان تفعيله على أرض الواقع العربي، لإخراج ذلك الواقع من السّقم الذي أصابه

من يريد أن يقود ذلك الجهد يحتاج منذ الآن أن يستعد لحمل الجزء الأكبر من المسؤوليات والتضحيات، لإعداد الأمة لمواجهة هجمة الخارج الخبيثة لتجزئة الأمة وتفتيت كل قطر، ووضع كل المصاعب لعرقلة كل خطوة توحيدية، أو حتى تكاملية في ما بين أقطار الوطن العربي، ولمواجهة أشرس هجوم استعماري وصهيوني على هوية الأمة وذاكرتها الجميعة وتاريخها المشترك، بل حتى على سلوكياتها وقيمها الأخلاقية والدينية، ومع الأسف هناك في الداخل من يعين على ذلك. إنها هجمة كبرى تحتاج لإرادة إصلاحية كبرى للمؤسسة العربية المشتركة الباقية: مؤسسة الجامعة العربية. ليتفضّل من يملك تلك الإرادة ليقود ويتقدم مصارعة الأمواج العاتية. إنها مسؤولية وليست تشريفا.
كاتب بحريني
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات