بغداد ـ «القدس العربي»: تحدثت تقارير صحافية عن انخراط آلاف الشباب العراقيين في صفوف الجيش الروسي للعمل كـ«مرتزقة» في الحرب الدائرة مع أوكرانيا، طمعاً بالمرتبات والحصول على الجنسية الروسية بعد انقضاء مدّة خدمتهم، الأمر الذي دفع سفارة بغداد في موسكو لتحذير الشباب العراقيين من استدراجهم في هذه الحرب، عِبر وسطاء يدعون أنهم ممثلون للجالية العراقية في روسيا.
ادعاء باطل
وفي بيان صحافي أصدرته السفارة في العاصمة الروسية موسكو، أمس الجمعة، قالت: «نودُّ أن نوضّح لأبناء الجالية العراقية المقيمين في روسيا الاتحادية، أن ما تم تداوله على بعض مواقع التواصل الاجتماعي من قِبل شخصٍ يَدّعي زوراً تمثيل الجالية العراقية في روسيا (لم تُفصح عنه) هو ادعاء باطل ولا أساس له من الصحة».
وأكدت أنها «لا تصدر مطلقاً أي سمات دخول مرتبطة بمثل هذه الادعاءات المضللة، وأن الجهة الوحيدة المخوّلة بإصدار سمات الدخول إلى الأراضي الروسية هي سفارة روسيا الاتحادية في بغداد وقنصلياتها في أربيل والبصرة حصراً».
كما جددت «موقف العراق الثابت بالحياد إزاء الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، ودعوته الدائمة إلى اعتماد الحلول السلمية وإنهاء الصراع عبر الحوار».
وأضافت: «نحيط أبناء الجالية علماً بعدم وجود أي ممثل رسمي مُخوَّل للجالية العراقية في روسيا الاتحادية، لا من الجانب العراقي ولا من الجانب الروسي، وتُحذّر من الانخداع بمثل هذه المزاعم أو التعامل معها».
وحذرت السفارة من «محاولات استدراج أو توريط بعض العراقيين المقيمين في روسيا أو خارجها تحت ذرائع مختلفة للمشاركة في الحرب»، مؤكدةً رفضها القاطع «مثل هذه الممارسات»، وداعيةً أبناء الجالية إلى «توخّي الحيطة والحذر وعدم الانجرار وراء هذه الأساليب المضللة».
وأكدت «احتفاظها بحقها في الرد عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية المختصة لحماية مصالح العراق وأبنائه».
وينشط على منصات التواصل الاجتماعي عدد من العراقيين المنخرطين في صفوف الجيش الروسي، وينشرون يومياتهم في الحرب، كما يروجون عن إمكانية استحصال تأشيرات السفر وتقديم التسهيلات للراغبين في القدوم إلى روسيا والتعاقد مع جيشها، على أمل الحصول على الجنسية الروسية بعد عام من التطوع في الحرب، فضلاً عن مرتبات شهرية تقدّر بآلاف الدولارات.
مواجهة المجهول
وأوردت مواقع إخبارية عراقية أنباء تفيد بالتحاق أكثر من 5 آلاف شاب عراقي للعمل بصفة مقاتل في روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، الأمر الذي جعلهم أمام خيارين: القتال في الخطوط الأمامية لنقاط الاشتباك في الحرب، أو الهرب عبر الغابات ومواجهة المجهول.
وقال موقع «شفق نيوز» إن «عروضا لافتة تقدمها بعض شركات السياحة في بغداد والمحافظات تحت يافطة السياحة، للتعرف على معالم الدول الأوربية إلى جانب روسيا وأوكرانيا وبأسعار مناسبة، وأحيانا تقدم سفرات بنظام الأقساط الميسرة، أسهمت في استقطاب الآلاف من الشباب للسفر إلى روسيا وأوكرانيا».
للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا… وتحذيرات من محاولات الاستدراج أو التوريط
وبمجرد انتهاء مدة الرحلة يتم استدراج المشاركين فيها، من قبل «عصابات سماسرة التهريب وإغوائهم بالعمل في الجيش الروسي كمقاتلين»، مقابل أجور شهرية تقدر بـ«3 آلاف دولار»، وهكذا يتم إقحامهم في الجيش الروسي وتوزيعهم على الخطوط الأمامية لنقاط الاشتباك العسكري الروسي ـ الأوكراني، طبقاً للمصدر ذاته.
المعلومات الواردة تشير أيضاً إلى أن «بعض المسافرين لقوا حتفهم بسبب الظروف الجوية القاسية، وآخرين وجدوا أنفسهم مجبرين على الالتحاق بالجيش الروسي أو الأوكراني بصفة (مقاتل) متعاقد يتبع أوامر القوات النظامية في كلا البلدين».
فيما «البعض الآخر يتم استدراجهم من خلال مكاتب خاصة تروج لوجود فرص عمل ضمن شركات الحماية الخاصة (البادي كارد) والرواتب لا تقل عن 2500 دولار، إلا أن سماسرة العقود الوهمية سرعان ما ينقضون عهودهم بذرائع مختلفة من بينها محدودية الفرص، الأمر الذي يدفع بضحايا تلك الوعود إلى القبول بعقود الخدمة القتالية في صفوف الجيش الروسي وبصفة رسمية ولمدة محددة تصل إلى خمس سنوات».
ونقل الموقع عمن وصفه بـ«مسؤول الجالية العراقية في روسيا»، حيدر الشمري- الذي نفت وزارة الخارجية قبل ذلك وجود مثل هكذا منصب، قوله إن «هناك قرابة ألفي عراقي يعملون كمقاتلين ضمن صفوف الجيش الروسي مقابل راتب شهري يقدر بـ3 آلاف دولار، أغلبهم يعمل وفق عقود رسمية مع الجيش الروسي».
وينص القانون الروسي على أنه يحق لأي مواطن أجنبي مقيم في روسيا ويجيد اللغة الروسية التعاقد مع الجيش الروسي وفق عقد رسمي براتب محدد يتراوح 2500 ـ 3000 آلاف دولار.
يشار إلى أن أغلب الذين التحقوا بالجيش الروسي هم من الوافدين إلى موسكو بهدف السياحة أو ممن اتخذوا من الأخيرة بوابة آمنة لتحقيق أحلامهم في إحدى الدول الأوروبية.
الجدير بالذكر أن العديد من المقاتلين العراقيين المشاركين في الحرب الروسية الأوكرانية لصالح موسكو، قد ناشدوا لإعادتهم إلى العراق، بعدما زجوا بأنفسهم في الحرب المستعرة منذ مطلع عام 2022، ولكن دون رد رسمي حول ذلك.
وحول الموقف الحكومي فإن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علاوي حنظل النداوي، يؤكد متابعة لجنته هذا الملف، قائلا: «في حال تأكدت لنا صحة المعلومات التي تتحدث عن انخراط مجاميع من الشباب للعمل كـ(مرتزقة) في الجيش الروسي أو الأوكراني فإننا سنناقش الأمر داخل اللجنة ونعمل مع الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر على إيجاد حلول ومعالجات لذلك».
ويكمل: «الدستور العراقي شدد، بل ومنع أن يكون العراق مصدرا للاعتداء على دول الجوار، فكيف يمكن السماح لعراقيين بالاعتداء أو بالعمل كـ(مرتزقة) سواء في الجيش الروسي أو الأوكراني أو أي دولة أخرى».
مخالف للقانون
إلا أن المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير، يرى أن «حصول مسافرين على سمة سفر سياحية أصولية لدول ما خارج العراق أمر طبيعي».
لكنه يستدرك «إذا ما اتخذ السفر الأصولي وسيلة للالتحاق بعمل ما وتحديدا العمل كـ(مرتزقة) فإن ذلك مخالف للقانون، بل وهو أمر ممنوع»، لافتا إلى أن «الوزارة لا تمتلك معلومات عن التحاق عراقيين بالجيش الروسي أو غيره».