مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، تتزايد حدّة الانقسامات داخل الإطار التنسيقي، وسط تبادل للاتهامات وغياب التوافق حول القضايا الأساسية، وعلى رأسها منصب رئاسة الوزراء.
ويبدو أن التحالف الذي جمع قوى شيعية بارزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 لمواجهة التيار الصدري ومنعه من تشكيل حكومة الأغلبية، بات مهدداً بالتفكك، بفعل تراكمات الماضي، والضغوط الخارجية، والتنافس الانتخابي المحموم الذي دفع بعض الأطراف إلى خوض السباق بقوائم منفردة.
ويرى قادة من داخل الإطار وسياسيون أن هذه الخلافات لا تعود إلى الحسابات الانتخابية أو الطموحات الشخصية فقط، بل تمتد إلى قضايا إستراتيجية وملفات شائكة، مثل العلاقة مع سوريا في ظل حكومة دمشق الجديدة، والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومستقبل الحشد الشعبي، ونزع سلاح الفصائل.
كما تشير التوقعات إلى أن مرحلة ما بعد الانتخابات قد تشهد مزيداً من التصعيد، مع إمكانية الكشف عن ملفات فساد أو نزاعات سياسية قد تصل إلى المحاكم، في مشهد يعكس هشاشة التحالفات الحالية داخل الإطار التنسيقي.
ضغوط خارجية وأزمات داخلية
وفي هذا السياق يقول القيادي في الإطار التنسيقي، رحمن الجزائري، إن الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة مع اقتراب موعد الانتخابات، “أسهمت في تعميق الانقسام داخل الإطار التنسيقي وتجزئة المشهد السياسي في البلاد”، مشيراً إلى وجود دور واضح للفاعل الخارجي في تأزيم الوضع.
ويوضح الجزائري أن عدداً من القوانين، سواء التي لم تُشرّع داخل البرلمان أو التي أُقرت تحت ضغوط داخلية وخارجية، ساهمت في تصعيد الخلافات، إلى جانب “تأثيرات المعارضة السياسية والعلاقة الضبابية مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
ووفقاً للمتحدث، فإن “قضايا حساسة مثل نزع سلاح المقاومة وملف الحشد الشعبي كانت من بين الأسباب التي أدت إلى انقسام الإطار”، مؤكداً أن الضغوط الأمريكية لعبت دوراً أساسياً في هذا الانقسام.
وحول الخلاف بين رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ورئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، يعتبر الجزائري أن هذا الخلاف “لن ينتهي” في ظل وجود ملفات عالقة بين الطرفين.
ويتوقع أن تشهد المرحلة التي تلي الانتخابات كشف ملفات لدى بعض الأحزاب الشيعية والسنية، قد تُعرض على الإعلام أو تُحال إلى المحاكم الدولية بهدف إقصاء بعض الأطراف.
تجديد الولاية يشعل الصراع
من جهته، يعزو المحلل السياسي حسين الكناني، الانقسام داخل الإطار التنسيقي الحالي، إلى الخلاف حول تجديد ولاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ويوضح الكناني أن السوداني كان قد “تعهّد بعدم الترشح للدورة الانتخابية المقبلة، إلا أنه تراجع عن هذا الاتفاق”، وفق قوله، ما دفع بقية أطراف الإطار إلى اتخاذ مواقف مغايرة.
وهو ما أدى، بحسب المتحدث، إلى تخندق القوى السياسية داخل الإطار، وتوجهها إلى خوض الانتخابات بقوائم منفردة، تمهيداً للعودة لاحقاً لتشكيل تحالف الإطار التنسيقي مجدداً، واختيار مرشح لرئاسة الوزراء.
ويذكّر الكناني بأن هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ شهدت الدورات الانتخابية السابقة محاولات مشابهة من قبل الأحزاب الشيعية المنضوية في الإطار، وذلك لمعرفة حجم كل حزب وعدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها، بما يسهم في تقاسم السلطة وتوزيع المناصب بعد الانتخابات.
ائتلاف “واسع” وقوائم متعددة
هذا وكان السوداني قد أعلن في 20 أيار/ مايو الماضي تشكيل ائتلاف انتخابي واسع باسم “ائتلاف الإعمار والتنمية”، يضم سبع كتل سياسية.
ويضم هذا الائتلاف إلى جانب “تيار الفراتين” للسوداني، كلاً من: “تجمع بلاد سومر” لوزير العمل أحمد الأسدي، و”ائتلاف الوطنية” لإياد علاوي، و”تحالف إبداع كربلاء” لمحافظ كربلاء نصيف الخطابي، و”تجمع أجيال” للنائب محمد الصيهود، و”تحالف حلول الوطني” لمحمد صاحب الدراجي، و”العقد الوطني”، لفالح الفياض.
وبالإضافة إلى هذه الكتل، بحسب القيادي في الإطار التنسيقي، رحمن الجزائري، يضم ائتلاف السوداني أيضاً ائتلاف “الأساس العراقي” لمحسن المندلاوي، والسياسي العراقي ونائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي الذي كان من التيار الصدري، وجزء من الوزراء والنواب.
وهذه القوى كانت حتى وقت قريب تشكل العمود الفقري للإطار التنسيقي الذي قاد حكومة السوداني؛ إلا أن اتساع الخلافات، دفع أطرافاً رئيسية أخرى كدولة القانون بزعامة نوري المالكي، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، بالشروع في خوض الانتخابات بأكثر من قائمة، مع الإبقاء على احتمال الاندماج مجدداً بعد إعلان النتائج.
يذكر أن الإطار التنسيقي قرر في 21 نيسان/ أبريل الماضي، الدخول إلى الانتخابات بقوائم متعددة تلتئم عقب نتائج الاقتراع، لتشكيل كتلة “الإطار التنسيقي” التي تضم جميع أطرافه.
تراكمات الماضي والتنافس الحالي
ويقدم أمين عام حركة “كفى”، رحيم الدراجي، رؤية أوسع بشأن هذا الخلاف بالقول إن الإطار التنسيقي لم يتمكن من الحفاظ على وحدته رغم تحالف مكوناته، مرجعاً ذلك إلى خلافات قديمة تعود إلى فترة المعارضة، والتي ما زالت تؤثر على العلاقة بين أطرافه حتى اليوم.
ويوضح الدراجي أن التنافس الانتخابي الراهن يُعد سبباً رئيسياً للانقسامات الحالية، في ظل غياب رؤية موحدة، حيث “يرى كل حزب مصلحته بمعزل عن الآخر، ويتمنى في الوقت نفسه إضعاف خصومه”، ما أدى إلى اتساع الشرخ داخل الإطار.
ويعتبر السياسي أن هذا الانقسام قد يكون إيجابياً من ناحية كشف ملفات الفساد لبعض الأحزاب، ما يصب في مصلحة المواطن.
وحول وضع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يرى الدراجي أنه “لا يمتلك فرصة حقيقية”، وإن الالتفاف الحالي حول قائمته يأتي بدافع المنصب والصوت الانتخابي والدعم المالي، متوقعاً تفكك القائمة بعد الانتخابات وتوزع المرشحين الفائزين على قوائم أخرى، كما حدث مع قائمة حيدر العبادي في الانتخابات السابقة.
الخلافات ليست انقساماً
لكن في مقابل الآراء السابقة، يقلل فهد الجبوري، القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وجود انقسام داخل الإطار التنسيقي، معتبراً أن الحديث عنه “مبالغ فيه” ولا يعكس الواقع.
ويؤكد الجبوري أن الاجتماعات الدورية للإطار ما زالت مستمرة، والخلافات القائمة لا تتعدى اختلافاً في وجهات النظر بين بعض القوى أو في تصريحات محددة.
وبحسب المتحدث، فإن الإطار سيخوض الانتخابات المقبلة من خلال 12 قائمة انتخابية، وهناك اتفاق بين مكوناته على “صياغات معينة” تضمن الحفاظ على كيان الإطار، بل وتمهد لمأسسته عبر تشكيل هيئة عامة وأخرى قيادية.
وخلص في النهاية إلى القول إن هناك توافقاً بين أطراف الإطار بشأن “القرارات الإستراتيجية المتعلقة بالدولة والحكومة والنظام السياسي والعلاقات الخارجية مع إيران وأمريكا”، وهذه القضايا تُعد ثوابت لا يمكن أن تتأثر بالخلافات السياسية.