الوثيقة | مشاهدة الموضوع - من النيل إلى الفرات... من يصدق وعد التوراة؟ رغدة عتمة
تغيير حجم الخط     

من النيل إلى الفرات... من يصدق وعد التوراة؟ رغدة عتمة

مشاركة » الجمعة سبتمبر 12, 2025 2:57 am

1.jpg
 

على رغم أن تصريحاته تلك أثارت موجة ردود فعل عربية وإسلامية كثيرة، فإنها عكست إجماعاً قل نظيره على رفضها التام بوصفها تجاوزاً صارخاً للخطوط الحمراء، وهي بالنسبة إلى حشد من المحللين والخبراء، تركت الباب مفتوحاً أمام كثير من السيناريوهات والتحليلات، خصوصاً أنها أظهرت بوضوح أن حدود إسرائيل الحالية في نظر نتنياهو ليست سوى موقتة بانتظار مشروع أوسع لم يكتمل بعد.

لم يكن تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الـ12 من أغسطس (آب) الجاري، الذي عبر فيه عن مدى ارتباطه الوثيق بفكرة "إسرائيل الكبرى" مجرد زلة لسان أو كلام استفزازي عابر، بل هي المرة الأولى التي يعبّر فيها مسؤول رفيع المستوى عن رؤيته لتحقيق أرض "إسرائيل الكبرى" لليهود بصورة رسمية، مما يعد إفصاحاً متعمداً عن مشروع أيديولوجي ظل راسخاً في الفكر والسياسة الإسرائيلية لعقود، فالمهمة التي يتولاها نتنياهو "تاريخية وروحانية" بحسب وصفه، "لتحقيق أحلام أجيال متعاقبة من الشعب اليهودي".

وعلى رغم أن تصريحاته تلك أثارت موجة ردود فعل عربية وإسلامية كثيرة، فإنها عكست إجماعاً قل نظيره على رفضها التام بوصفها تجاوزاً صارخاً للخطوط الحمراء، وهي بالنسبة إلى حشد من المحللين والخبراء، تركت الباب مفتوحاً أمام كثير من السيناريوهات والتحليلات، خصوصاً أنها أظهرت بوضوح أن حدود إسرائيل الحالية في نظر نتنياهو ليست سوى موقتة بانتظار مشروع أوسع لم يكتمل بعد، نظراً إلى التطورات الميدانية والتحالفات السياسية الراهنة، على رغم أن المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، رفض أكثر من مرة مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى"، وأكد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ضمن حدود 1967.
من الفرات إلى النيل

حين سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية إلى جانب سيناء والجولان عام 1967 ظهر مصطلح "إسرائيل الكبرى"، مع ربطه بروايات توراتية عن الوعد الإلهي لبني إسرائيل بأرضٍ تمتد من النيل إلى الفرات كما ظهر في نصوص مثل "سفر التكوين" و"سفر يشوع"، وروايات أخرى أشارت إلى أنها تشمل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن وسوريا ولبنان وسيناء والكويت والسعودية، وتتحدث إحدى المسؤولات عن حركة الاستيطان في الضفة الغربية، التي تمثل إحدى الأذرع الأساسية لتيار الصهيونية الدينية دانييلا فايس، في وثائقي أنتجته شبكة TRT World التركية بعنوان "الخلاص المقدس"، وتقول إن "حدود دولة اليهود هي الحدود التي وعد الرب بها إبراهيم من الفرات إلى النيل
وعلى رغم رفض بعض القوى السياسية الإسرائيلية العلمانية واليسارية مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى" وما قد يحمله هذا المفهوم من إعاقة لعملية السلام، يرى كثير من أبناء التيارات الدينية المتطرفة في إسرائيل وخارجها، أنها رؤية لا بد لها أن تتحقق وليست مجرد شعار عابر، خصوصاً أنها تأتي في ظل تصويت الكنيست في يوليو (تموز) الماضي بغالبية واسعة لمصلحة قرار رمزي يدعم ضم الضفة الغربية، وما تبعه من تغييراتٍ باستخدام الاسم التوراتي للضفة "يهودا والسامرة"، إضافة إلى قانون أقرته حكومة نتنياهو عام 2023، ألغى فك الارتباط مع غزة، وكرس السيادة القانونية الإسرائيلية على المستوطنات. ويزعم معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي في موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل جنوباً".
خريطة قديمة

وسبق أن ادعى البعض أن لوحة "من الفرات إلى النيل" معلقة على باب البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي، إلا أن أحداً لم ير أو يؤكد هذه العبارة المتداولة، بمن فيهم أعضاء الكنيست العرب، لكن موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية نشر مطلع العام الجاري خريطة تحدد معالم "إسرائيل الكبرى" في أقصى اتساع لها بين عامي 1004 و920 قبل الميلاد، حيث تمتد من نهر الفرات شمالاً وحتى خليج العقبة جنوباً والعريش في سيناء باتجاه الجنوب الغربي، وتضم معظم سوريا، والضفة الشرقية لنهر الأردن، والجزء الجنوبي من لبنان حتى نهر الليطاني. وتتشابه هذه الخريطة إلى حدٍ كبير مع خريطة قديمة نشرها رئيس معهد "التلمود والتوراة" في نيويورك بين عامي 1886 و1887 الحاخام صموئيل إيزاكس في كتاب بعنوان "The True Boundaries Of The Holy Land" صدر عام 1917، إلا أن إيتمار بن آفي الذي يعد واحداً من رموز الحركة الصهيونية في بدايات القرن الـ20، نشر في كتاب "A Zionist Primer" الذي أصدرته منظمة "شباب يهودا" في نيويورك عام 1917 خريطة هي الأخطر على الإطلاق لمفهوم "إسرائيل الكبرى"، حيث تبلغ مساحتها نحو مليون كيلومتر مربع، وتشمل كل مساحة فلسطين التاريخية وثلثي سيناء وشمال السعودية وكل الأردن ونصف العراق ومعظم سوريا وجنوب لبنان، وهي مساحة تساوي تقريباً عُشر مساحة الولايات المتحدة.
بلا حدود

في أعقاب حرب 1967 اتسعت المساحات الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية اتساعاً كبيراً، وباتت إسرائيل تسيطر على هضبة الجولان ومناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، كما أصبح شطرا مدينة القدس تحت السيطرة الإسرائيلية منذ ذلك الحين، وبعد انتهاء تلك حرب عام 1973 التي بادرت فيها مصر وسوريا إلى شن هجوم على إسرائيل، طرأت تغييرات طفيفة على حدود إسرائيل مع مصر وسوريا في إطار اتفاقات فصل القوات، حيث أعيد جزء بسيط من سيناء إلى مصر، وأعيدت مدينة القنيطرة إلى سوريا، ومذاك وحتى عام 2006 حلت بعض التغييرات على حدود إسرائيل، وذلك في أعقاب أحداث خاصة وقعت في هذه الأعوام، فخلال عام 1979 وقعت مصر على اتفاق سلام مع إسرائيل وانسحبت الأخيرة بموجبه من شبه جزيرة سيناء وعادت إلى الحدود التي رسمت عام 1906 بين الإمبراطورية العثمانية (التي كانت تحكم فلسطين آنذاك) والإمبراطورية البريطانية (التي كانت تحكم مصر)، وتحولت هذه الحدود إلى حدود متفق عليها.
وفي حرب لبنان عام 1982 دخل الجيش الإسرائيلي إلى لبنان ومكث في الجنوب مدة 18 عاماً إلى أن قررت الحكومة الإسرائيلية في مايو (أيار) عام 2000 الانسحاب من لبنان من جانب واحد والعودة إلى خط الهدنة لعام 1949، وعادت الحدود بين إسرائيل ولبنان منذ ذلك الحين لتصبح حدوداً موقتة تحت مراقبة الأمم المتحدة، لكن خضوع المنطقة المتاخمة للحدود لسيطرة "حزب الله" اللبناني شكل تهديداً دائماً لإسرائيل على طول الحدود. ونص اتفاق السلام الذي وقعته إسرائيل مع الأردن عام 1994 على الاتفاق على خط حدودي شبيه جداً بالحدود الفاصلة بين الأردن وفلسطين أيام الانتداب البريطاني.

وعلى رغم مرور أكثر من 75 عاماً على إعلان دولة إسرائيل، لم تتم تسوية حدودها بالكامل بعد، بل لا تزال غير محددة في بعض الأجزاء، لكن وفقاً لتفسيرات الخط الأخضر، يحدها لبنان في الشمال، ومرتفعات الجولان وسوريا في الشمال الشرقي، والضفة الغربية والأردن في الشرق، وقطاع غزة و‌مصر في الجنوب الغربي، ولا تزال حدودها، باستثناء الحدود مع مصر، تحددها خطوط الهدنة لعام 1949.
مستوطنات_اسرائيلية_اندبندنت_عربية_(3).jpg
صوت الكنيست لمصلحة قرار رمزي يدعم ضم الضفة الغربية تحت مسمى "يهودا والسامرة" (اندبندنت عربية)​​​​​​​



وبحسب مدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية في القدس خليل التفكجي، فإن إسرائيل ترفض بصورة قاطعة ترسيم حدودها أو أن تضع أية خريطة واضحة ورسمية لموقعها الجغرافي مع الدول المجاورة، لما في ذلك من تراجع عن حدود حلمها بـ"إسرائيل الكبرى"، ولأن غالبية الدول العربية لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة قومية للشعب اليهودي، مما حدا بإسرائيل للعمل على سن "قانون القومية" الذي صوت عليه الكنيست الإسرائيلي عام 2018، والذي "يعتبر إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، التي يقوم فيها بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير"، وأكد قانون القومية على أن رموز دولة إسرائيل تتمثل بالشمعدان السباعي، وعلى جنبيه غصنا زيتون، وكلمة إسرائيل تحته، والنشيد الوطني "هتكفا" وعلم أبيض عليه خطان أزرقان وفي وسطه نجمة داود زرقاء.
علم إسرائيل

وفقاً للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) كانت بداية هذا العلم إبان الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين بين عامي 1881 و1904، وتم تبنيه علماً للحركة الصهيونية منذ تأسيسها عام 1897، وقد تم تفضيل هذا العلم عن علم "النجوم السبع" الذي اقترحه بنيامين زئيف هرتسل، وبعد إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 احتار مجلس الدولة الموقت آنذاك في شأن العلم الذي سيتم اختياره للبلاد، لكن الاختيار وقع في نهاية الأمر على علم الحركة الصهيونية وتم إقراره علماً رسمياً لدولة إسرائيل بصورة رسمية يوم الـ28 من أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، "نظراً إلى شعبيته الواسعة بين الجمهور اليهودي".

حدد قرار "المجلس الموقت" مواصفات العلم ومقاييسه: طوله 220 سنتيمتراً وعرضه 160 سنتيمتراً، وخلفيته بيضاء وعليها خطان بالأزرق الفاتح، بحيث يكون عرض الخط 25 سنتيمتراً والمسافة بينهما 15 سنتيمتراً، في وسطه، وعلى بعد متساوٍ من الخطين، نجمة داود من ستة خطوط بالأزرق الفاتح، عرض الواحد منها 5.5 سنتيمتر، تضاف إلى مثلثين متساويي الأضلاع تكون قاعدتاهما موازيتين للخطين المتوازيين على طول العلم".
اندبندنت_عربية.jpg
على رغم مرور أكثر من 75 عاماً على إعلان دولة إسرائيل، لم تتم تسوية حدودها بالكامل بعد (اندبندنت عربية)​​​​​​​



وقد تم تكريس هذه المواصفات والمقاييس في قانون خاص سنه الكنيست الإسرائيلي عام 1949 وأطلق عليه اسم "قانون العلم".

وبحسب موقع "إسرائيل تتكلم بالعربية"، يعود استخدام العلم بتصميمه الحالي الى 150 عاماً في المجتمعات اليهودية، حيث تتصدر العلم نجمة داود السداسية الأضلاع التي كانت وفقاً لبعض التقاليد اليهودية محفورة على دروع جنود جيش الملك داود، والتي أمست منذ القرن الـ19 من أكثر رموز الشعب اليهودي شيوعاً على مر التاريخ.

ووفقاً لما ذكر في كثير من الكتب والمؤلفات الإسرائيلية، فإن المشارب على جانبي العلم واللونين الأزرق والأبيض مستوحاة من تصميم شال الصلاة (الطاليت) الذي يستخدمه اليهود على الأكتاف خلال صلواتهم، حيث يجسد اللون الأبيض "على حد الوصف الإسرائيلي" رمز النقاء الروحي، فيما يشير اللون الأزرق إلى لون السماء في الديانة اليهودية، وذكر الموقع التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي يعتبر المنصة الأشهر على الإطلاق وأكثرها تصفحاً باللغة العربية، أن اللون الأزرق "ذكر في الكتاب المقدس (التوراة) حيث أمر الله بني إسرائيل بلبسه".

وعلى رغم أن الخرائط المستخدمة لوصف رؤية "إسرائيل الكبرى" ثمة من يراها مجرد خيال يحمله إسرائيليون يمينيون متدينون، تُظهر الأحداث الجارية في غزة ولبنان وسوريا أنها قد تكون أقرب للتحقق مما كان يعتقد كثيرون.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات