لندن ـ «القدس العربي»: تمكن علماء مختصون من اكتشاف بصمات حيوية دالة على حياة ميكروبية على كوكب مغطى بالمحيطات، وهو ما يعني أن هذا الكوكب قد يكون زاخراً بالحياة، لكنه يبعد عن الأرض نحو 120 سنة ضوئية.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، إن الكوكب الجديد الذي تم اكتشافه يُرجح أن يكون عليه حياة بسبب مواصفاته، حيث يقول العلماء إنهم اكتشفوا «أكثر الدلائل الواعدة حتى الآن على وجود حياة خارج نظامنا الشمسي».
وباستخدام بيانات من تلسكوب جيمس ويب الفضائي «JWST»، حدد علماء الفلك، بقيادة جامعة كامبريدج، كميات هائلة من المواد الكيميائية التي تنتجها الكائنات الحية، والتقطوا البصمات الكيميائية لثنائي ميثيل الكبريتيد «DMS» وثنائي ميثيل الكبريتيد «DMDS»، وهي جزيئات تُنتجها بشكل أساسي الحياة الميكروبية، مثل العوالق النباتية البحرية.
وتم اكتشافها في الغلاف الجوي للكوكب الخارجي «K2-18b»، الذي يقع على بُعد حوالي 124 سنة ضوئية من الكرة الأرضية. ويُعد هذا أقوى تلميح حتى الآن لوجود نشاط بيولوجي خارج نظامنا الشمسي، حيث أشاد الخبراء بهذه «اللحظة التحولية الهائلة».
ويدور الكوكب حول نجم قزم أحمر فيما يُعرف بـ«المنطقة الصالحة للحياة»، والتي تُعتبر الموقع الأكثر واعداً للعثور على كواكب داعمة للحياة.
وكوكب «K2-18b» أكبر بـ2.6 مرة وكتلته أكبر بـ8.6 مرة من الأرض، ويعتقد الخبراء أنه من المرجح أن يكون مغطى بمحيط، ما يجعله ما يُطلقون عليه اسم «عالم هيسيان». ودرجة حرارة الكوكب المكتشف مماثلة لدرجة حرارة الأرض، ولكنه يدور على مقربة شديدة من نجمه، لدرجة أن السنة عليه لا تتجاوز 33 يوماً.
وأظهرت عمليات رصد سابقة وجود غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون في غلافه الجوي، وهي المرة الأولى التي تُكتشف فيها جزيئات كربونية على كوكب خارجي يقع في المنطقة الصالحة للحياة.
وتمكن العلماء مؤخراً من تحليل بيانات جديدة عن الكوكب واكتشفوا العديد من المواد التي لا تنتجها إلا الكائنات الحية، وهو ما يعني أن هذا الكوكب قد يكون زاخراً بالحياة لكائنات فضائية لم تصل إلينا ولم نصل إليها.
وتختلف تركيزات ثنائي ميثيل الميثيل «DMS» وثنائي ميثيل الميثيل «DMDS» في غلاف «K2-18b» الجوي اختلافاً كبيراً عن تركيزاتها على الأرض، حيث تقل عموماً عن جزء واحد في المليار من حيث الحجم. وعلى كوكب «K2-18b» يُقدر أن تركيزاتها أقوى بآلاف المرات، وهي أكثر من 10 أجزاء في المليون. وقاد البحث البروفيسور نيكو مادوسودان، من معهد كامبريدج لعلم الفلك. وقال: «توقعت الدراسات النظرية السابقة احتمال وجود مستويات عالية من الغازات الكبريتية على عوالم هيسيان.. والآن رصدناها، بما يتوافق مع ما تنبأنا به».
وأضاف مادوسودان: «بالنظر إلى كل ما نعرفه عن هذا الكوكب، فإن العالم الهيسي الذي يحتوي على محيط يعج بالحياة هو السيناريو الذي يتناسب بشكل أفضل مع البيانات المتوفرة لدينا».
وقال إنه على الرغم من أن النتائج مثيرة للاهتمام، إلا أنه من الضروري الحصول على المزيد من البيانات قبل الادعاء بالعثور على حياة في عالم آخر.
ومع تفاؤله الحذر، قد تكون هناك عمليات كيميائية غير معروفة سابقاً تجري على كوكب «K2-18b» قد تُفسر هذه النتائج، حيث ثمة حاجة إلى مزيد من عمليات الرصد من تلسكوب جيمس ويب الفضائي للمساعدة في تأكيد أن نتائجهم ليست محض صدفة.
ويأمل الفريق البحثي أيضاً في إجراء المزيد من التجارب لتحديد ما إذا كان من الممكن إنتاج «DMS» و«DMDS» بطريقة غير بيولوجية بالمستوى المكتشف حالياً.
وقال البروفيسور مادوسودان: «بعد عقود من الآن، قد ننظر إلى هذه النقطة من الزمن وندرك أنها كانت عندما أصبح الكون الحي في متناول أيدينا».
وأضاف: «قد تكون هذه نقطة التحول، حيث يصبح السؤال الجوهري حول ما إذا كنا وحدنا في الكون سؤالاً نستطيع الإجابة عليه فجأة».
ولتحديد التركيب الكيميائي لأجواء الكواكب البعيدة، يقوم علماء الفلك بتحليل الضوء الصادر من نجمها الأم أثناء عبور الكوكب أمام النجم.
وأثناء عبور كوكب «K2-18b» يستطيع تلسكوب جيمس ويب رصد انخفاض في سطوع النجم، ويمر جزء ضئيل من ضوء النجم عبر الغلاف الجوي للكوكب قبل أن يصل إلى الأرض.
ويترك امتصاص بعض ضوء النجوم في الغلاف الجوي للكوكب بصمات في الطيف النجمي، يمكن لعلماء الفلك تجميعها لتحديد الغازات المكونة للغلاف الجوي للكوكب الخارجي.
وفي العام الماضي، رصد تلسكوب جيمس ويب تلميحات ضعيفة على «حدوث شيء آخر» على كوكب K2-18b، إلى جانب اكتشاف غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون.
وأوضح البروفيسور مادوسودان: «لم نكن متأكدين مما إذا كانت الإشارة التي رصدناها في المرة السابقة ناتجة عن DMS، ولكن مجرد التلميح إليها كان مثيراً للاهتمام بما يكفي لإلقاء نظرة أخرى باستخدام تلسكوب جيمس ويب باستخدام أداة مختلفة».
واستخدمت عملية الرصد المستقلة الجديدة جهاز الأشعة تحت الحمراء المتوسطة التابع لتلسكوب جيمس ويب الفضائي في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة (6-12 ميكرون).
وقال البروفيسور مادوسودان: «هذا دليل مستقل، باستخدام جهاز مختلف عن الذي استخدمناه سابقًا ونطاق أطوال موجية مختلفة للضوء، حيث لا يوجد تداخل مع عمليات الرصد السابقة». وأضاف: «كانت الإشارة قوية وواضحة».
وقال مانس هولمبرغ، الباحث المشارك في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور، الولايات المتحدة الأمريكية: «لقد كان من المذهل رؤية النتائج تظهر وتظل متسقة طوال التحليلات المستقلة الشاملة واختبارات المتانة».