أعلنت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) اليوم عن انتهاء علمائها من صياغة مقترح جديد لبناء أكبر مختبر في التاريخ يمكن أن يكشف عن أسرار الكون، وهو مصادم جسيمات جديد دائري طوله مئة كيلومتر.
ومصادمات الجسيمات هي مختبرات ضخمة هدفها تعجيل الجسيمات دون الذرية إلى سرعات مهولة ثم صدمها ببعضها بعضا، ويتم التقاط نواتج هذا الاصطدام وفحصها من أجل استكشاف عالم الجسيمات دون الذرية.
أسرار الكون
وقد تمكن المصادم الهادروني الكبير الموجود حاليا -وطوله 27 كيلومترا- من تطوير فهم الباحثين في كل أنحاء العالم لطبيعة العالم دون الذري، وخلال نصف قرن تمكنت أبحاثه من استكمال اللبنات الأساسية للنموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، والذي يمثل التركيب الدقيق لكل المادة التي نعرفها في هذا الكون.
لكن على الرغم من ذلك، فإن تلك المادة التي نرصدها في التلسكوبات ونراها في محيطنا بشكل يومي، تمثل فقط 4% من تركيب الكون، بينما يظل ما قيمته حوالي 96% من تركيب الكون مجهولا، ويتصور الباحثون أنه يتركّب من كيانين أساسيين يسميان: المادة المظلمة، والطاقة المظلمة.
كذلك فإن هناك عددا من النظريات العلمية التي تتنافس فيما بينها لشرح أصول الكون وتركيبه على المستويات الكبيرة والدقيقة، مثل نظرية الأوتار ونظرية الجاذبية الكمية الحلقية، وانتصار أي منهما سوف يفتح الباب لتركيز الجهود البحثية في نطاق واحد مستقبلي، إلى جانب إعطائها إجابات عن أكثر الأسئلة أهمية في الفيزياء المعاصرة.
في تلك النقطة يدخل المصادم الجديد -بأربعة أضعاف الحجم، وعشرة أضعاف القدرة التي ستصل إلى مئة تيرا إلكترون فولت- ليحاول الإجابة عن أسئلة العلماء حول طبيعة هذا المجهول الكوني الشاسع، والتي استمرت دون اجابة طوال مئة سنة سابقة.
مصادم الهادرونات الكبير الحالي يمتد بشكل دائري بطول 27 كيلومترا (رويترز)
كذلك أعلن المسؤولون في سيرن أن النتائج المتوقعة من هذه التجربة لن تفيد الفيزيائيين فقط، بل ستفيد البحوث في المجالات الأخرى، وستجد في النهاية طريقها إلى العديد من التطبيقات التي لها تأثير كبير على اقتصاد المعرفة والمجتمع، وهو ما قد يساعد على دفع حدود التكنولوجيا إلى أقصاها ويوفر في النهاية فرصا استثنائية للصناعة.
تحديات جديدة
تواجه التجربة الجديدة عدة تحديات. على سبيل المثال، فإن تكلفة المشروع ستصل إلى أكثر من 15 مليار يورو، وهو مبلغ ضخم يظن البعض أن إنفاقه على هذا النوع من الأبحاث العلمية قد لا يكون مناسبا، وربما يكون من الأفضل أن يتم استثماره لأبحاث الصحة والدواء أو التغيرات المناخية.
لكن على الرغم من ذلك، فإن المقترح الجديد يلقى اهتماما من الكثير من الكيانات العلمية، وقد شاركت في المشروع إلى الآن حوالي 150 جامعة مختلفة من كل أنحاء العالم.
وسيصدر المقترح الجديد في أربعة مجلدات تعرض الخيارات المختلفة لتصنيع المصادم الدائري الكبير الجديد، كذلك يقدم هذا المقترح الإمكانات الفيزيائية العظيمة التي يمكن أن توفرها تجربة كتلك، ويصف التحديات التقنية والتكلفة والجدول الزمني لتحقيق كل تلك الإنجازات.
وإذا تمت الموافقة على المقترح الجديد فسوف يتطلب الأمر خطة تمتد إلى ثلاثين سنة للانتهاء منه، وهو ما يعني أننا بحاجة للانتظار حتّى عام 2050 حتى تبدأ النتائج في الظهور.
المصدر : الجزيرة