الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل يتحقق قول نصر الله “لن تشهد إسرائيل عامها الثمانين”؟
تغيير حجم الخط     

هل يتحقق قول نصر الله “لن تشهد إسرائيل عامها الثمانين”؟

مشاركة » الثلاثاء مارس 14, 2023 9:25 pm

3.jpg
 
تزداد التقديرات في الفترة الأخيرة بأن إيران ترسخ مكانتها على أنها دولة على عتبة الذرة، التي لا يفصل بينها وبين تجسيد قدرتها الحالية وبين تسلحها بالسلاح النووي إلا قرار. سيحتاج الأمر 12 يوماً منذ لحظة اتخاذ القرار إلى حين تخصيب كمية كافية من المواد المشعة لإنتاج القنبلة الأولى. ربما يستغرق إنتاج السلاح ووضعه على صاروخ أو قنبلة سنة أو سنتين. إلى جانب العتبة، ينتظر إيران واقع جديد ستحاول فيه تجاوزه والوصول إلى الهدف. مظلة نووية ستحمي النظام من التهديد وستمكنه من الدفع قدماً بمؤامراته وعدوانيته في المنطقة وخارجها، وأيضاً تهديد وجود دولة إسرائيل.

إضافة إلى التهديد النووي، يمكن رؤية الكثير من الوجوه المستقبلية الأخرى من مكان العتبة: المملكة العربية السعودية ذكرت بالفعل بأن إيران إذا حصلت على السلاح النووي فستتسلح به هي أيضاً بنفسها (التفاهمات الأخيرة بين طهران والرياض لن تغير ذلك). تعهدت الولايات المتحدة بمنع حصول إيران على السلاح النووي، وأعلنت إسرائيل بأنها ستفعل كل ما يلزم لمنع ذلك. وقد أجرت الدولتان مناورات وتنسيقاً من أجل استقبال هذا السيناريو. على إيران الحسم بين المكاسب المتوقعة من اجتياز العتبة للوصول إلى السلاح النووي، وخطورة واحتمالية الأخطار التي في الطريق إلى الهدف وبعده. إسرائيل من ناحيتها تستعد لمواجهة هذا الشر، ربما فعلياً في المستقبل المنظور.

يظهر في السنة الماضية تدهور أمني في الساحة الفلسطينية، مصدره تراجع السلطة الفلسطينية في أواخر عهد محمود عباس، وفي صعود جيل شاب لم يعرف الانتفاضة والتحريض واستمرار النزاع والقتال، وأيضاً في ظل غياب أفق ووجود طريق سياسي مسدود. منذ العمليات في آذار 2022 والجيش الإسرائيلي يدير عملية مستمرة “كاسر الأمواج” لإحباط العمليات. شباب مسلحون في الضفة الغربية ينفذون العمليات ضد الاستيطان الإسرائيلي وقوات الجيش الإسرائيلي وعلى مفترقات الحركة، ويهاجمون قوات الجيش أثناء عمليات الاعتقال.

وتعدّ القدس بؤرة متفجرة للعمليات والصراع حول السيطرة على الحرم. الحساب الدموي يطول وفي إطاره إسرائيل تتعرض لعمليات قاسية ومؤلمة، والفلسطينيون من ناحيتهم سبق ودفعوا مئات القتلى والمصابين وآلاف السجناء. قبل شهر رمضان والأعياد الإسرائيلية في الخريف والصيف مثل عيد الفصح وعيد الاستقلال ويوم القدس (في المقابل ذكرى النكبة والنكسة)، يزداد التقدير بأن الساحة على حافة اشتعال واسع، بما في ذلك احتمالية الانزلاق إلى داخل إسرائيل كما حدث في فترة عملية “حارس الأسوار”.

اجتمع مجلس الأمن مرتين في السابق لمناقشة الوضع في الساحة، وبتدخل من الولايات المتحدة اكتفى بتصريح إدانة وليس بقرار ضد إسرائيل. القيادة السياسية – الأمنية في أمريكا ومصر والأردن تنشغل بجهود التهدئة قبل حدوث أعمال الشغب. الحكومة الإسرائيلية من جهة تدفع قدماً بسياسة تسعى إلى التهدئة وإدارة النزاع، ومن جهة أخرى سياسة تصعيد تسعى لحسم الصراع. إلى جانب العتبة، ينتظر أيضاً تصعيد كبير آخر يشمل قطاع غزة وضماً متزايداً في “يهودا والسامرة”. لقد أصبح من الممكن رؤية وجه المستقبل: توسيع انتشار الجيش الإسرائيلي هناك، ومذبحة دموية لمشاغبين يهود في حوارة في الوقت الذي فيه قوات الشرطة والجيش حاضرة – غائبة، ودعوات محو القرية تحصل على دعم من وزير (حتى لو تراجع عنها بعد ذلك)، ومهاجمة المستوطنين للجيش الإسرائيلي، وزيارة وزير وأعضاء كنيست لبؤرة “أفيتار” الاستيطانية مع خرق أمر منطقة عسكرية مغلقة.

في الوقت نفسه، تمر إسرائيل في الأشهر الأخيرة بهزة أرضية سياسية غير مسبوقة، في مركزها حملة تشريع سريعة وعنيفة من أجل تغيير ميزان القوة بين سلطات الدولة. الحكومة تعرض ذلك على أنه إصلاح قانوني من أجل إعادة القوة للشعب والكنيست والحكومة، في حين أن من يعارضون هذه العملية يعتبرونها انقلاباً نظامياً لتركيز كل السلطات في يد الحكومة، بدءاً من تسييس جهاز القضاء مروراً بسلطة لا كوابح لها وحملة الحكومة المتسرعة موجهة لاستكمال التشريع في جلسة الكنيست الشتوية وتتقدم بسرعة نحو هذه العتبة التي ينتظرنا وراءها واقع جديد. تظهر قسماتها من منطقة العتبة الحالية: شرخ اجتماعي آخذ في الاتساع، وعنف وتحريض متزايد، وتدهور اقتصادي سريع، وعرائض ورسائل تحذير لاقتصاديين كبار، وفرع الهايتيك، وجنود الاحتياط في المنظومات الرائدة في الجيش، وتحذير من يهود الشتات وحتى من جهة الإدارة الأمريكية، رغم أنه يترأسها رئيس من أكثر الرؤساء صداقة لإسرائيل.

حتى الآن يبدو أن قادة زخم التشريع نحو اجتياز العتبة يتجاهلون كل ذلك ويتهمون من يعارضونه بعدم الموافقة على نتائج الانتخابات، وبشكل عام التداعيات السلبية، ويرفضون التوقف “ولو للحظة” وينسبون ذلك إلى الفشل في تفسير الخطوات. أصوات فردية في الائتلاف تطالب بإبطاء الإصلاح وإجراء حوار طبقاً للخطة التي اقترحها الرئيس إسحق هرتسوغ، لكن المفهوم السائد ما زال على حاله – الاندفاع نحو العتبة التي تنتظر إسرائيل الهاوية. وفي الخارج يجلس أعداء إسرائيل، من طهران حتى بيروت، بنشوة. الدولة الصهيونية ثارت على نفسها بعاصفة انتحارية. فجيشها العظيم بدأ يظهر تصدعات تهدد أداءه، وقواته المستثمرة في الساحة الفلسطينية ليس لها وقت للاستعداد لحرب محتملة في لبنان، واقتصادها يضعف، والدعم الدولي في حالة هبوط.

قنوات الدعاية في “محور المقاومة” رفعت وتيرة حملة “خيوط العنكبوت”، التي تؤكد ضعف المشروع الصهيوني. ورئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، توقع أن إسرائيل لن تشهد عامها الثمانين. غطرسة أعداء إسرائيل هذه لا تبشر فقط بالتحدي على المدى البعيد، بل تبشر بمخاطرة حقيقية: شهوة متزايدة لدى أعداء إسرائيل للمخاطرة والذهاب حتى العتبة، والتي نهايتها خطأ محتمل في الحسابات والتصعيد. سواء حرب لبنان الثانية أو عملية “الجرف الصامد”، اندلعت بهذه الطريقة، أي بالخطأ، دون نية الطرفين من البداية الوصول إلى تصعيد واسع.

كل تحد من التحديات الأمنية الموجودة في الخارج، مثل حصول إيران على القنبلة والتصعيد في الساحة الفلسطينية والتهديد من المنطقة الشمالية، معقد بما فيه الكفاية كي يحصل على كامل اهتمام القادة في إسرائيل في الوقت الذي يعدّ فيه أي قرار، سواء القيام بعمل أو الكف عنه، هو قرار مصيري ويتعلق بمصير كثير من الأرواح ومستقبل الدولة. في الكابنت السياسي – الأمني، الذي لا يجتمع أصلاً، قلائل فقط لديهم تجربة أمنية كبيرة، ومشكوك فيه أن يتمكن أحدهم من تخصيص الوقت الكافي لفحص القضايا الأمنية المطروحة. بعد شهرين على تشكيل الحكومة بدأت تركز بشكل أساسي على “الإصلاح القانوني”، على حساب التحديات الأمنية التي تنتظرنا.

ما يقف على عتبة الباب هو واقع معروف تماماً، لكن أمامه فضاء مجهولاً، جزء منه مرئي وآخر خفي. إن تجاوز العتبة من المألوف إلى ما بعد المألوف ربما يكون بقرار واع أو عن طريق الانزلاق دون إدراك ذلك. في هذه الأثناء، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تندفع نحو الهاوية التشريعية وتحاول وقفها قبل اجتياز عتبة التصعيد الواسع مع الفلسطينيين. في الوقت نفسه، إيران على وشك أن تصبح دولة نووية. استعداداً لاتخاذ أي قرار في طهران، يحتاج الأمر إلى اتخاذ قرارات صعبة في إسرائيل أيضاً. يتم بذل جهود كبيرة لثني إيران عن اتخاذ قرار التسلح، لكنه قرار لن يُتخذ إلا في طهران في نهاية المطاف. التصعيد في الساحة الفلسطينية مرهون بسلوك الطرفين، ولإسرائيل وزن كبير في ذلك، سواء للخير أو الشر.

اجتياز عتبة التشريع من إسرائيل الحالية إلى إسرائيل غير المعروفة يخضع لقرار حكومة إسرائيل فقط. في الفضاء متعدد الجوانب وعندما سيصبح مصير إسرائيل على المحك، لم يتأخر الوقت بعد للتوقف والتحاور والفحص والتفكير قبل الاجتياز وقبل الوصول إلى هاوية البلاء.

بقلم: آساف اوريون

نظرة عليا 14/3/2023
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron