بغداد – الزمان
خرج مئات الآلاف من العراقيين إلى الشوارع في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ثم ازداد عددهم الى مليونين مُعبرين عن غضبهم ضد الفساد واحتكار السلطة والانهيار المتزايد للبنية التحتية وضياع الحقوق والطائفية.
ومع مرور خمس سنوات على هذه الانتفاضة الشعبية، غابت الاحتفالات الكبيرة عن العديد من المدن العراقية بسبب ضغوط الحرب في جنوب لبنان، اذ شهدت بغداد تجمعات محدودة، بينما انتظمت أعداد صغيرة من المتظاهرين في الناصرية لإحياء الذكرى، وأصدروا بيانا يعبر عن نجاح الانتفاضة التشرينية في إعلاء صوت الشعب ودفع القوى السياسية لمراجعة حساباتها.
وعلى الرغم من وعود الحكومات بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين، لا تزال هذه الوعود بلا تنفيذ، مما يثير الاستياء في أوساط المواطنين، فيما تظل ذكرى تشرين رمزًا للنضال المستمر من أجل التغيير والعدالة في العراق، وفق ناشطين.
ماذا حدث؟
تُعتبر انتفاضة تشرين 2019 واحدة من أبرز المحطات التاريخية في العراق، وكانت انطلاقتها في الأول من أكتوبر من ذلك العام، بمثابة صرخة جماهيرية عارمة ضد الطبقة السياسية المتنفذة.
وانطلقت الاحتجاجات في بغداد وانتشرت إلى المحافظات الجنوبية حصرا، فيما كانت محافظات الغربية تلعق جراح مؤامرة ادخال تنظيم داعش من سوريا اليها وتدميرها لاحقا ، وكانت تهدف إلى التعبير عن الغضب من تفشي البطالة، الفساد، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
خلال هذه الاحتجاجات، طالب المتظاهرون بإسقاط النظام واستقالة الحكومة، مما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في نهاية أكتوبر 20191.
وقوبلت الاحتجاجات بعنف شديد من قبل قوات الأمن، مما أدى إلى مقتل حوالي 600 شخص وإصابة الآلاف.
وأثرت الاحتجاجات على الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021، حيث شهدت انخفاضًا في نسبة المشاركة وزيادة في دعم المرشحين المستقلين.
التجمعات والفعاليات في الذكرى
في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، شهدت المدينة تجمعاً جماهيرياً استذكارياً، حيث ألقى المتظاهرون بيانا استنكروا فيه الواقع السياسي الذي لا يزال يشوبه الفساد وعدم الاستجابة لمطالبهم. وأشار البيان إلى أن «ثورة تشرين نجحت في إعلاء صوت الشعب من خلال الحراك الاحتجاجي الذي أدى إلى فتح ملفات فساد وتقصير»، مُضيفًا أنها «ساهمت في إيقاظ الضمير الوطني ودفع القوى السياسية إلى مراجعة حساباتها». كما عبر المتظاهرون عن استيائهم العميق من «الدور الذي لعبه بعض النواب الذين تسلقوا على تضحيات الشعب، مُعتبرين» أنهم «لم يكونوا أهلاً للثقة التي منحها لهم الشعب». يقول إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، لـ الزمان إن «عدم وجود محاسبة لقتلة الشباب في تشرين يعود إلى أن المعادلات السياسية التي جاءت منذ العام 2000 وحتى المعادلة الحالية غير راغبة في كشف هذه الحقائق، خصوصًا وأنها قد تمس بعض الجهات والأطراف والزعامات السياسية التي لا تزال متحكمة في المشهد السياسي العراقي».
بضيف «وعلى الرغم من صعود حكومة في عام 2020 كانت قريبة، على الأقل في طاقمها، من تشرين، وهي حكومة مصطفى الكاظمي، إلا أن هذا الطاقم تخلى عن وعوده بملاحقة القتلة وتقديمهم إلى القضاء. بل إن العديد من أفراد طاقم الكاظمي اتُهموا حتى بقضايا فساد».
وقال «يبدو أن الإرادة السياسية آنذاك لم تكن تسمح لحكومة الكاظمي بكشف الحقائق، رغم أنه شكّل لجنة تقصي حقائق تأخرت كثيرًا في الحسم، وفي زمن حكومة السوداني الحالية، بقيت ذات المعادلة السياسية ولم تختلف، وهي المعادلة التي لا تريد حسم ملف قتلة المتظاهرين، رغم أن السوداني أطلق وعدًا بتفعيل لجنة تقصي الحقائق. هذه اللجنة لديها كامل الأدلة والأدلة الجرمية، وحتى الأشخاص الذين تدور حولهم الشبهات، لكن الإرادة السياسية ذاتها لا تسمح بفتح هذا الملف، على اعتبار أن من يمسك المعادلة السياسية يرفض تشرين وأفكارها، ولذلك تبقى قضية الملاحقة بعيدة، إلا في حال تغيرت المعادلات السياسية الحالية».
وقال الكاتب والصحافي فارس المهداوي لـ الزمان ان «ذكرى انتفاضة تشرين محطة مهمة للتأمل والتفكير العميق بالنسبة للقوى المتنفذة في العراق، فهي ليست مجرد ذكرى لأحداث مضت، بل هي دعوة مستمرة للإصلاح والعدالة الاجتماعية». وتابع «لقد أثبتت انتفاضة تشرين أن الشعب لا يقبل التهميش أو الاستغلال، وأنه يطمح إلى تغيير حقيقي ينهي احتكار السلطة ويعيد بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين».
وأضاف «تعتبر هذه الذكرى بمثابة إنذار للقوى السياسية بضرورة الانتباه لمطالب الشعب، وخاصة فيما يتعلق بتحسين ظروف الطبقة الفقيرة وتوفير فرص العمل للشباب، وإن القضاء على البطالة هو أساس أي تنمية مستدامة، ويجب أن تكون هناك خطوات فعلية لضمان توفير فرص عمل حقيقية للجميع».
وقال» لذا، يجب أن تُؤخذ دروس انتفاضة تشرين بعين الاعتبار، ويجب على الحكومة أن تعمل بجد لتحقيق الإصلاحات المطلوبة، لأن الاستمرار في تجاهل المطالب الشعبية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات».
وقالت الكاتبة والصحافية تغريد العزاوي لـ الزمان انه «في الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين الخالدة، ثورة العز والبطولة والفداء، نستذكر شهدائنا وفخرنا شهداء تشرين المناضلين المجاهدين الأبطال، الذين كانوا رمزا للنضال والعزيمة والإرادة».
واستطردت «لقد خلفت تشرين في قلوبنا ألما لا يمكن نسيانه، وبعثت فينا أملا بالإصرار والتحدي، من أجل أن نسير على خطى أبطالها ونستمر في الدفاع عن مبادئنا وكرامتنا، وعن حقوقنا المسلوبة من قبل الفاسدين، وعدم التنازل عنها بالخنوع والخضوع للمتجبرين والمتسلطين من الحكام».
وتعترف العزاوي بان «تشرين تركت فجوة عميقة في نفوس العراقيين، وغصة في قلوب الفاقدين، لا سيما الأمهات الثكالى اللاتي فقدن فلذات أكبادهن من خيرة الشباب العراقيين، وهم خرجوا يطالبون بحقهم في العمل وإنهاء البطالة المنتشرة، والقضاء على الفساد المالي ومعالجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وتحسين الأحوال المعيشية للمواطن، والتي صادرتها مجموعة من اللصوص والمجرمين، فعادوا جثامين محمولة إلى أهاليهم».
وقالت «من المؤسف إننا لم نشهد محاسبة قانونية واضحة لقتلة شباب تشرين، ولم نلمس أي عقاب قانوني جزائي لمرتكبي تلك الجرائم العمدية البشعة، والتي أرتكبها فاعلوها مع سبق الإصرار والترصد، إذ لا يزال الجاني يصول ويجول في البلاد، ولا يزال مسرح الجريمة متسترا عليه من قبل الحكومة والقضاء، وما زالت تلك الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء، تعيش بفساد واستهتار أكثر، وتضع رأسها على الوسادة دون الشعور بتأنيب الضمير، لأن ببساطة المجرم نفسه هو السيد ( المتسيد ) على رقاب الفقراء من الشعب المسكين» .
وختمت بالقول: «إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي؟».
واعتبرت الاكاديمية د موج يوسف، وكانت من المشاركات في تظاهرات تشرين، أن «لحظة تشرين هي انفجار يحقق معنى الانتماء للوطن عند جيلي من الشباب الذين غابت عنهم هوية الانتماء الى العراق وكنا نشعر بشيء من التهمة أن قلنا : نحن عراقيون من دون أن نرفق هويتنا الطائفية او المذهبية التي أسستها حكومات الاحتلال وكنا نقول احتلال لا تغير ، ففي تشرين نزعنا ثياب الخوف وآمنا بالوطن فقط، واذكر في وقتها حين جمعتنا ساحة التحرير من كل محافظات العراق ومناطق بغداد وتشاركنا الاحاديث والقراءات والخبز لم تكن تخيفنا الدخانيات او الرصاص المقصود وسقوط الشهداء الشباب في لحظة ألم طاغية كان الأمل يكبر في اعادة العراق الى العراق». وأكد الناشط ماهور، عبر منصة «إكس»، على «قوة الثورة وأهمية استمرار النضال من أجل تحقيق العدالة»، مُشيرا إلى أن «لا سلاح ينفع ولا إرهاب يجدي».
التحديات والواقع المؤلم
ومع مرور خمس سنوات على الثورة، تبقى الإحصائيات عن الضحايا مؤلمة، مما يطرح تساؤلات حول التزام الحكومة بالوعود المتعلقة بمعاقبة المتورطين في قتل المتظاهرين.
وعبّر الناشط تراث العزاوي عن مخاوفه من «تداخل الأزمات الإقليمية مع المطالب الداخلية»، مُشيرًا إلى «الصراعات المستمرة بين الإرادات».
وانتقد الناشط علي حسين، الذي شارك في انتفاضة تشرين، قائلاً: «القافزون على أكتاف تشرين الأولى، ممن حصدوا المناصب، أو ربحهم مشاريع أخرى، أو استظلوا في الخارج باسم عذابات الشباب المحتج، نسوا مشروع التغيير».
وفي ذكرى ثورة تشرين، يتجدد الألم وتستمر التوقعات بخطر يلوح في الأفق فيما احتفاء الشارع بهذه الذكرى يعكس بوضوح رغبة الشعب العراقي في تغيير حقيقي، إذ يظل الحلم بالعدالة والمساواة مستمرًا رغم كل التحديات.
الصوت لا يزال مسموعا
وهذه الذكرى، وفق ناشطين، ليست فقط تأبينًا للضحايا، بل هي دعوة للناس للتوحد والمطالبة بحقوقهم، لعلهم يستعيدون الأمل في مستقبل أفضل.
ويرى الناشط المدني محمد صلاح الزبيدي، ان: «ثورة تشرين لم تكن مجرد مظاهرة، بل كانت ولادة جديدة للعراق. نحن هنا لنؤكد أن صوتنا لا يزال مسموعًا، وأن مطالبنا في التغيير والعدالة لن تُنسى، و لن نعود إلى الوراء!»
وأضاف: «لقد ضحى الكثيرون من أجل هذه الثورة، ولا يمكننا السماح لتضحياتهم أن تذهب سدى. نحن مستمرون في المطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية.»
وكتب المتظاهر ماهر الساعدي على فيسبوك: «لا يزال الأمل موجودًا في قلوبنا، وثورة تشرين كانت بداية، ونؤمن بأن التغيير ممكن إذا توحدنا جميعًا. لن نسمح للمفسدين أن يحكموا علينا.»
وقال علي اليوسفي (متظاهر): «نحن هنا لنستذكر الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن. نطالب بحقوقنا ونعبر عن استيائنا من الفساد المستمر. لا يمكن السكوت عن هذا الوضع بعد الآن.»
واعتبرت فاطمة الجبوري (متظاهرة): «ألمنا ما زال حاضراً، لكن لن نفقد الأمل. نريد عراقًا أفضل، ولدي إيمان بأننا سنحقق هذا الهدف من خلال النضال السلمي.»
ويرى تراث العزاوي (ناشط) انه : «مع كل ذكرى لتشرين، تتجدد عزيمتنا. نحن نواجه تحديات جديدة، لكننا نرفض الاستسلام. يجب أن نكون صادقين في مطلبنا للتغيير الحقيقي.»
ويتحدث المحامي حسن الكعبي عن اهمية «الالتزام بتحقيق العدالة لضحايا ثورة تشرين اذ لا يمكن تجاهل الحقائق القانونية، ونطالب بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات التي وقعت أثناء الاحتجاجات.» مشيرا الى ان «حقوق المتظاهرين يجب أن تُحترم، ونحن هنا للدفاع عن حقوقهم، ونؤمن بأن القانون هو الأداة التي يمكن أن تحمي حرياتنا وتعزز العدالة في المجتمع.»