الناصرة – رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
أدّت تعيينات الرئيس الأمريكيّ المُنتخب دونالد ترامب إلى ترحيبٍ إسرائيليٍّ واسع النطاق ليس فقط لضمّ الضفّة الغربيّة لسيادة الكيان بل للكشف عن المخططات الإسرائيليّة الجهنميّة لإفراغ الضفّة الغربيّة المُحتلّة وقطاع غزّة من السُكّان الفلسطينيين لإقامة دولة الفوقيّة اليهوديّة التي لا يوجد فيها أيّ مكانٍ للأغيار، أيْ غير اليهود.
وفي هذا السياق، كشفت وثيقة مسربة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية عن مخطط تل أبيب لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، وبالتوازي، كشف الإعلاميّ الفلسطينيّ وضّاح خنفر عن موافقة قياداتٍ سياسيّةٍ سنيّةٍ، على خطةٍ لتوطين سكان قطاع غزة في محافظة الأنبار العراقية مقابل الحصول على دعمٍ لإنشاء إقليمٍ سنيٍّ في العراق، على حدّ تعبيره.
وأفاد خنفر، الذي شغل سابقًا منصب المدير العام لفضائية (الجزيرة)، وهو فلسطينيّ من مدينة جنين بالضفّة الغربيّة، بأنّ قيادات سنية التقت بوفدٍ إسرائيليٍّ في دولتيْن عربيتيْن، هما الإمارات والأردن، لمناقشة هذا المخطط، ممّا أثار الكثير من التساؤلات حول الأبعاد الإقليمية لهذه الصفقة المحتملة.
وتتزامن تصريحات خنفر مع تقارير إعلامية أخرى أكّدت وجود نوايا عربية تقودها دول عربية لتحويل صحراء الأنبار إلى مستوطنةٍ مؤقتةٍ أوْ دائمةٍ لسكان قطاع غزة الذين يواجهون ضغوطًا كبيرةً للتهجير من أراضيهم.
وتأتي هذه التقارير وسط حالة من القلق والترقب في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، حيث تعتبر محافظة الأنبار إحدى أكبر المحافظات العراقية وتتمتع بموقع إستراتيجيٍّ حساسٍ، كما تثير مثل هذه الخطط تساؤلات حول التوازن الطائفي والعرقي في العراق، خاصة في ظلّ رغبة بعض الأطراف السياسية في إنشاء إقليم سني.
أمّا وثيقة وزارة المخابرات الإسرائيليّة المسربة التي يعود تاريخها إلى أكتوبر 2023، فقد أشارت إلى نقل سكان قطاع غزة قسرًا إلى سيناء، لافتةً إلى أنّ ذلك “سيُحقق نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد”.
وحددت الوثيقة عملية من ثلاث مراحل وهي “إنشاء مدن خيام في سيناء، فتح ممر إنساني، وبناء مدن في شمال سيناء وعدم السماح للسكان بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود الإسرائيلية”.
وأوضحت الوثيقة أنّ غيلا غامليئيل وزيرة المخابرات الإسرائيلية هي التي تدعم مخطط التهجير القسري بشدة وأوصت بنقل سكان غزة إلى سيناء في نهاية الحرب.
والوثيقة الرسمية لوزارة المخابرات توصي الجهاز الأمني بتنفيذ عملية نقل كاملة لجميع سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء باعتباره الخيار المفضل بين البدائل الثلاثة التي يطرحها فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين في القطاع.
وتوصي الوثيقة إسرائيل بالتحرك “لإجلاء سكان غزة إلى سيناء” خلال الحرب، وفي الوقت نفسه يجب تسخير دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة لتنفيذ هذه الخطوة.
والوثيقة المكونة من عشر صفحات تحمل تاريخ 13 أكتوبر، وتحتوي على شعار وزارة المخابرات، كما توصي الوثيقة بشكل لا لبس فيه وصراحة بتنفيذ عملية نقل المدنيين من غزة باعتبارها النتيجة المرجوة من الحرب.
وتنقسم خطة النقل إلى عدة مراحل، في المرحلة الأولى يجب إخلاء سكان غزة إلى الجنوب في حين ستركز ضربات سلاح الجو على الجزء الشمالي من القطاع، وفي المرحلة الثانية سيبدأ الدخول البري إلى غزة مما سيؤدي إلى احتلال القطاع بأكمله من الشمال إلى الجنوب، وتطهير المخابئ تحت الأرض من مقاتلي حماس.
وبالتزامن مع احتلال القطاع، سينتقل مواطنو غزة إلى الأراضي المصرية ويغادرون القطاع، ولن يسمح لهم بالعودة إليه بشكل دائم. وجاء في الوثيقة “من المهم ترك الممرات باتجاه الجنوب صالحة للاستخدام للسماح بإخلاء السكان المدنيين باتجاه رفح”.
وأكّد مسؤول في وزارة المخابرات أنّ الوثيقة صحيحة وتم توزيعها على الجهاز الأمني نيابة عن شعبة السياسات في الوزارة ولم يكن من المفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام إلّا أنّ موقع (كالكاليست) الإسرائيليّ تمكّن من الحصول عليها ونشر محتواها.
وبحسب مسؤول في وزارة الاستخبارات فإنّ موظفي الوزارة يقفون وراء هذه التوصيات.
وفي الوثيقة، يقترح الترويج لحملة مخصصة للمواطنين في غزة من شأنها “تحفيزهم على الموافقة على الخطة”، وجعلهم يتخلون عن أراضيهم، حيث توضح أنّه يجب أنْ تتمحور الرسائل حول خسارة الأرض أي توضيح أنه لم يعد هناك أمل في العودة إلى الأراضي التي ستحتلها إسرائيل في المستقبل القريب.
وجاء في الوثيقة: “لقد تأكد الله من خسارتكم هذه الأرض بسبب قيادة حماس، والخيار الوحيد هو الانتقال إلى مكان آخر بمساعدة إخوانكم المسلمين”.
بالإضافة إلى ذلك، جاء بالوثيقة أنّه يجب على الحكومة أنْ تقود حملة عامة من شأنها الترويج لبرنامج الترانسفير في العالم الغربي “بطريقة لا تحرض على إسرائيل وتشوه سمعتها”، والتي سيتم فيها تقديم ترحيل السكان من غزة على أنّه خطوة ضرورية إنسانيًا وستحظى بتأييد العالم لأنها ستؤدي إلى “سقوط عدد أقل من الضحايا بين السكان المدنيين مقارنة بالعدد المتوقع للضحايا وما تبقى”.
وتنص الوثيقة أيضًا على أنه ينبغي تسخير واشنطن في هذه الخطوة حتى تتمكن من الضغط على مصر لاستيعاب سكان غزة، وتسخير الدول الأوروبية الأخرى وخاصة اليونان وإسبانيا وكندا، للمساعدة في استيعاب وتوطين سكان غزة.
وقالت وزارة المخابرات إنّ الوثيقة لم يتم توزيعها عبر الوزارة على المسؤولين الأمريكيين، بل على الحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية فقط.
وتنص الوثيقة على أنّ مصر سيكون عليها “التزام بموجب القانون الدولي بالسماح بمرور السكان”، وأنّ الولايات المتحدة يمكن أنْ تساهم في هذه الخطوة من خلال ممارسة “الضغط على مصر وتركيا وقطر والسعودية” فيما تساهم الإمارات في المبادرة سواء بالموارد أو باستقبال النازحين. وفي الوثيقة، يقترح إطلاق حملة موجهة إلى العالم العربيّ دول مثل السعودية والمغرب وليبيا وتونس.
وأخيرًا، فقد جاء في الوثيقة أنّ “الهجرة الجماعية” للسكان من مناطق القتال هي “نتيجة طبيعية وضرورية”، ولكل هذه الأسباب توصي وزارة المخابرات بتشجيع نقل كافة المواطنين من غزة إلى سيناء بشكلٍ دائمٍ.
والسؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل الشعب العربيّ الفلسطينيّ سيكون مرّةً أخرى أمام نكبة جديدةٍ في ظلّ الصمت الذي يعُمّ العالميْن العربيّ والإسلاميّ