قال مسؤولون عراقيون ساعدوا في التوسط بالمحادثات بين دمشق وأنقرة هذا العام، إن “حكومة الأسد رفضت التنازل قدر شبراً واحداً بشأن اللاجئين السوريين، وهي نقطة اشتعال في السياسة الداخلية التركية”، حسبما أفادت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية عنهم دون ذكر أسمائهم، مشيرة إلى أن “هجوم المعارضة المسلحة الأخير على مواقع النظام شمال البلاد، أبدى حجم اعتماد الأسد على روسيا وإيران”، وأن تأزم الأوضاع في حلب وإدلب “سيخدم مصالح أنقرة وربما يمنحها مزيداً من النفوذ في أي مفاوضات”.
ولفتت الصحيفة إلى أن “الرئيس السوري بشار الأسد لزم الصمت بشكل ملحوظ لأكثر من عام، ومع تصاعد الصراعات بين إسرائيل والفصائل المدعومة من قبل إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط وامتدادها إلى بلاده، مضيفة أنه “بدأ الأسد وكأنه يتوارى عن الأنظار ويراهن على الوقت في ظل حرب أهلية مستمرة في سوريا، ودولة مدمرة ومفلسة، وحلفاء يدعمون نظامه – روسيا وإيران وحزب الله – مشغولون وضعفاء بسبب صراعاتهم الخاصة”.
“لكن الهجوم المفاجئ الذي شنّه متمردون إسلاميون هذا الأسبوع، والذين تمكنوا من السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، خلال 48 ساعة فقط من بدء هجومهم، كشف بشكل كبير حالة عدم الاستقرار في سوريا، وهشاشة قبضة الأسد على بلاده المحطمة، وحجم المعارضة لحكمه” حسب قول فاينينشيال تايمز.
ويقول حيد حيد، وهو محلل سوري في معهد “تشاتام هاوس” إن “الأسد في وضع ضعيف للغاية”، وإن “الجميع ينتظر ليرى ما إذا كان النظام سيتمكن من حشد قواته وحلفائه لاستعادة السيطرة”.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن “الأسد كان في موقف صعب بالفعل: إذ أطلقت إسرائيل، خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، عشرات الضربات على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، ووجهت تحذيراً علنياً للأسد بأنه ضمن أهدافها، وعليه أن يختار الطرف الذي يقف إلى جانبه بعناية”.
وفي الوقت ذاته، يقول مراقبون للشأن السوري إن “الأسد ربما رأى فرصة لاستعادة درجة من الاستقلالية عن الداعمين الأجانب الذين يعتمد عليهم، خاصة وأن بعض الدول العربية وبعض القوى الأوروبية بدأت تتساءل عما إذا كان يجب إعادة تأهيل هذا الزعيم السلطوي”، ووفقاً لهذا المنطق، بدا وكأن أسوأ مراحل الحرب الأهلية السورية قد انتهت، وأن الأسد باق في السلطة، وقد يكون الوقت مناسباً لمعالجة قضايا دولية مثل اللاجئين وتهريب المخدرات، حسبما أوردت الصحيفة.
وقالت إن “تقدم فصائل المعارضة المسلحة أكد اعتماد الأسد على روسيا وإيران والمسلحين المدعومين من إيران إذا كان يريد درء التهديدات المحلية”، مبينة أن “القوات الموالية للأسد ذابت بينما سار المتمردون بقيادة هيئة تحرير الشام (HTS) نحو حلب، المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، ثم تقدموا جنوباً نحو حماة”.
وشنّت الطائرات التابعة للجيش السوري إلى جانب الروسية، الأحد الماضي، غارات جوية عدة على حلب وإدلب، معقل هيئة تحرير الشام. لكن المحللين يقولون إن الشعور بالإحباط واليأس في سوريا، بعد 13 عاماً من اندلاع الحرب الأهلية، انتشر إلى صفوف الجيش.
كان الاقتصاد السوري يتأرجح على حافة الانهيار لسنوات، بسبب الديون غير المسددة لرعاة النظام الأجانب، والعقوبات الغربية، وانهيار النظام المصرفي الذي كان ملاذاً لرجال الأعمال السوريين لفترة طويلة. ونقلت فاينينشيال تايمز عن الخبير الاقتصادي السوري، جهاد يازجي، قوله إن “هناك فساد النظام، الذي يتغلغل في كل جانب من جوانب الدولة. بالإضافة إلى الضرائب المتزايدة ومصادرة الأراضي والاقتصاد المنهار”، مشيرة إلى أن “تجاهل عائلة الأسد لمعاناة السوريين، ساعد في نشر السخط خارج جيب معارضي الأسد، وانتشاره في جميع أنحاء المجتمع السوري، بما في ذلك بين جيوب الموالين من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد”.
وقال يازجي: “كثيرون غاضبون من أنهم بعد سنوات من الولاء أصبحوا أسوأ حالاً من ذي قبل”.
وعلى الرغم من المحاولات الأخيرة لإضفاء الطابع المهني على الجيش، إلا أن يازجي قال “إنها كانت حالة من (القليل جداً والمتأخر جداً)”، وظلّت الروح المعنوية منخفضة مع استمرار التجنيد الإجباري وإلغاء الدعم في ضرب الجنود بشدة.
وذكرت الصحيفة البريطانية على لسان أحد العلويين السوريين، في حالة نادرة من الانتقادات للنظام من داخل المجتمع الأكثر ولاء للأسد، “نحن مستعدون لحماية قرانا وبلداتنا لكنني لا أعرف ما إذا كان العلويون سيقاتلون من أجل مدينة حلب… لقد توقف النظام عن إعطائنا الأسباب لمواصلة دعمه”.
ويقول المحللون إن “الشعور باليأس تعمق بسبب عدم رغبة النظام الواضح في التسوية مع معارضيه، حتى مع محاولة روسيا راعيته دفع الأسد نحو الانخراط في عملية سياسية” وفقاً للصحيفة.
مع ذلك، تجددت الجهود التي تبذلها الدول العربية وبعض الدول الأوروبية لإعادة التواصل مع الأسد بعد زلزال مدمر ضرب تركيا وشمال سوريا في شباط 2023.
وأعادت إيطاليا في تموز 2024، فتح سفارتها في دمشق، وانضمت إلى قائمة من الدول الأوروبية الأصغر التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
كما سعت الدول العربية، بما في ذلك بعض الدول التي دعمت المتمردين في البداية عندما اندلعت الحرب الأهلية، إلى إعادة الأسد، من خلال الدفع الذي قادته السعودية والذي شهد إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية العام الماضي لأول مرة منذ عام 2011.
وكان العرب يأملون في استخلاص تنازلات من الأسد بشأن تهريب المخدرات الذي أدى إلى تأجيج عدم الاستقرار الإقليمي وخلق بيئة آمنة للسماح للاجئين بالعودة، لكن دمشق أحرزت تقدماً ضئيلاً على أي من الجبهتين.
أظهرت تركيا، الداعم الرئيس لجماعات المعارضة السورية، اهتماماً مماثلاً بتطبيع العلاقات مع الأسد، وهي المبادرة التي رفضها.
نقلت فاينيشيال تايمز عن مسؤولين عراقيين ساعدوا في التوسط بالمحادثات بين دمشق وأنقرة هذا العام، قولهم إن “حكومة الأسد رفضت التنازل قدر شبر واحد بشأن اللاجئين، وهي نقطة اشتعال في السياسة الداخلية التركية”.
وواصل الأسد قصف إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، ما دفع آلاف الأشخاص نحو حدود تركيا، التي تستضيف حوالي 3 ملايين لاجئ سوري ونشرت قوات في شمال سوريا، حيث تدعم المعارضة.
يقول محللون إن “تركيا ربما لم توافق صراحة على الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، لكن الهجوم سيخدم مصالحها وربما يمنح أنقرة المزيد من النفوذ في أي مفاوضات”، حسب الصحيفة.
وذكر المحلل السوري مالك العبدة أنه “كان لدى الأسد فرصة منذ الصيف للجلوس مع (رجب طيب أردوغان)، ووضع خطة حيث تأخذ تركيا بشكل أساسي منطقة نفوذ في شمال سوريا”، مضيفاً: “كانت لديه فرصة للتفاوض على هذا بطريقة تحفظ ماء وجهه سياسياً، لكنه رفض”.
لطالما اعتبر الأسد التنازلات علامة على الضعف، “لكن هجوم هيئة تحرير الشام أكد اعتماده على روسيا وإيران والجماعات المرتبطة بإيران والدور الضخم للقوى الأجنبية في سوريا”، على ما ذكرت الصحيفة، و “لم يكن الظهور العلني الأول للأسد، منذ اندلاع الأزمة، إلا عندما زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دمشق مساء الأحد”.
وقد تعهدت روسيا وإيران والإمارات بدعم النظام، لكن مع حصر الأسد، قد يكون الحل الدبلوماسي هو السبيل الوحيد للخروج، على الرغم من رفضه الانخراط في حل دبلوماسي لسنوات.
ويضيف عبده: “يمكن للأسد البقاء على قيد الحياة… لكن على المدى الطويل، لا توجد طريقة يمكنه من خلالها تجنب تقاسم السلطة مع المعارضة، وسيكون هذا نهاية النظام”.