واشنطن: تقلب التطورات الأخيرة في سوريا المعادلة بالنسبة للولايات المتحدة، التي حاولت، قبل سنوات، طيّ صفحة نزاع مدمّر لم يثمر عن أي نتائج إيجابية تذكر.
تأتي الاضطرابات الأخيرة في المنطقة التي تعيش حالة من الفوضى، قبل أقل من شهرين من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي قد يرى فريقه فرصة غير متوقعة في إطار سعيه لإعادة رسم المشهد في الشرق الأوسط، وإن كان وسط العديد من نقاط الاستفهام.
خبير في الشأن السوري: الهدف الأول لصانعي السياسات الأمريكيين كان دعم إسرائيل وإلحاق الضرر بروسيا وإيران
جاء هجوم “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة متحالفة معها المباغت على حلب بعدما عملت إسرائيل على إضعاف إيران و”حزب الله” اللبناني، الداعمين لرأس النظام السوري بشار الأسد. وأما روسيا، الداعمة الأخرى للأسد، فهي منشغلة إلى حد كبير بغزوها لأوكرانيا.
وفي منطقة شهدت تغيّرات كبيرة منذ اندلاع حرب غزة، لم يتغيّر كثيراً، على مدى عقد، الموقف الأمريكي الذي أوضحته مجدداً إدارة الرئيس جو بايدن. فرغم خسارة الأسد مصداقيته بسبب وحشية نظامه، إلا أن الولايات المتحدة لا تمنح الأولوية لإزاحته عن السلطة، ولا تدعم الفصائل المعارضة له.
وقال المستشار البارز بشأن سوريا في إدارة ترامب الماضية، والباحث حالياً في “معهد واشنطن”، آندرو تابلر، إن “إدارة بايدن لم تترك سوريا جانباً فحسب، بل تجاهلتها تماماً”.
وأضاف: “يمكنك تجاهل الأمور بقدر ما تشاء، لكن ذلك لا يعني أنها لن تتفاقم”.
ولفت إلى أن الانتكاسات الميدانية قد تجبر الأسد، في نهاية المطاف، على الوصول إلى حل عبر التفاوض، وهو أمر لطالما قاومه.
وقال: “أعتقد أن إدارة مقبلة تولي مزيداً من الاهتمام لسوريا والنزاعات المشابهة لها ستكون قادرة أكثر على إدارة الملف”.
وتابع: “لا نعرف بعد ما الذي سيكون عليه شكل ذلك”.
في مصلحة الولايات المتحدة؟
اختار الرئيس السابق باراك أوباما، الذي قاوم الضغوط لضرب نظام الأسد، ورفض دعم الفصائل المعارضة، حلاً آخر يتمثّل بالتحالف مع المقاتلين الأكراد من أجل تحقيق هدف الولايات المتحدة المحدود، وهو هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وما زالت الولايات المتحدة تنشر 900 جندي في سوريا.
وفي ولايته الأولى، أمر ترامب بسحب الجنود الأمريكيين، استجابة لدعوات تركيا الداعمة لفصائل إسلامية، والتي تعتبر أن القوات الكردية في سوريا على ارتباط بـ “حزب العمال الكردستاني”. وتراجع لاحقاً بعد مناشدات دولية قادتها فرنسا، مبقياً على قوة محدودة.
أثار ترامب تساؤلات أكبر عندما أشعلت مرشحته لمنصب رئيس الاستخبارات، تالسي غابرد، الجدل عبر تصريحات سابقة لها متعاطفة مع الأسد.
وأفاد الخبير في الشأن السوري لدى جامعة أوكلاهوما، جوشوا لاندس، بأن الهدف الأول لصانعي السياسات الأمريكيين كان “دعم إسرائيل وإلحاق الضرر بروسيا وإيران”.
وأضاف: “لذلك، فإن هجوم فصائل المعارضة جيد جداً بالنسبة لأمريكا من هذا المنظور، إذ إنه يغيّر الهندسة الأمنية في الشرق الأوسط بشكل لافت”.
من شأن انتصار فصائل المعارضة أن يخرق ما يعرف بـ”الهلال الشيعي” الذي امتد نفوذ إيران من خلاله غرباً إلى لبنان.
وأكد لاندس أن “ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل إلى حد كبير، وسيسدد ضربة كبيرة لإيران”.
لكن الفصائل الإسلامية السنية ستقف أيضاً ضد الولايات المتحدة التي ستجد نفسها مجدداً أمام السؤال عما إذا كان يتحتم عليها حماية حلفائها الأكراد من تركيا.
آندرو تابلر: إدارة بايدن لم تترك سوريا جانباً فحسب، بل تجاهلتها تماماً.. يمكنك تجاهل الأمور بقدر ما تشاء، لكن ذلك لا يعني أنها لن تتفاقم
وقال لاندس إن الأمر “يطرح معضلة على الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن ما إذا كانتا فعلاً تفضّلان أن تدير سوريا حكومة إسلامية، أم تفضّلان إبقاءها منقسمة وضعيفة”.
تجدد الأزمة الإنسانية؟
رغم الانتقادات لها لعدم تحرّكها، إلا أن إدارة بايدن خصصت أكثر من مليار دولار كمساعدات إنسانية للنازحين السوريين خلال العام الماضي.
وبموجب قانون عقوبات تنقضي مهلته هذا الشهر، تعارض الولايات المتحدة أي إعادة إعمار يكون الأسد طرفاً فيها، ولا تشمل محاسبة على الحرب، التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، ودفعت الملايين للنزوح، منذ العام 2011.
لكن عدداً متزايداً من البلدان العربية تصالحَ مع الأسد، معتبراً أن الحرب انتهت، أو على الأقل مجمّدة.
واتّخذت عدة دول غربية مؤخراً، أبرزها إيطاليا، موقفاً مغايراً للموقف الأمريكي، فأعادت سفراءها إلى سوريا، سعياً إلى الاستقرار على أمل منع أزمة هجرة جديدة تشبه تلك التي هزت أوروبا قبل عقد.
ودفع تجدد القتال حتى الآن حوالى 50 ألف شخص للنزوح، بحسب تقرير للأمم المتحدة، وسيؤدي إلى ازدياد الاحتياجات الإنسانية مع قدوم فصل الشتاء، بحسب نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “معهد الولايات المتحدة للسلام”، منى يعقوبيان.
وقالت: “لذا يثير الأمر أسئلة كبيرة، أين يذهب الأشخاص الذين ينزحون؟.. في ظل هذه التحوّلات في موازين القوى، هل الباب مفتوح لإعادة تشكيل المنطقة وهندستها الأمنية؟ أعتقد أن هذا السؤال كبيرٌ ومفتوح جداً”.
(أ ف ب)