لندن ـ «القدس العربي»: توصل علماء إلى اكتشاف جديد عن المريخ قد يؤدي إلى الكشف عن حياة فضائية، وهو ما يُعزز مجدداً من وجود مخلوقات أخرى خارج كوكب الأرض لم يتمكن البشر من الوصول إليهم بعد.
وحسب تقرير نشرته جريدة “دايلي ميل” البريطانية، واطلعت عليه “القدس العربي”، فقد حدد العلماء سهلاً يبلغ عرضه 1800 ميل في نصف الكرة الشمالي بالمريخ يتمتع بظروف تحت سطحية مناسبة لدعم الكائنات الحية.
وتحتوي المنطقة المسماة “Acidalia Planitia” على مستويات مناسبة من الماء والحرارة والطاقة في تربتها لتزدهر البكتيريا الغريبة.
والخطوة التالية اللازمة للاستكشاف الذي يقوم به العلماء هي الحفر في سطح المريخ لمعرفة ما إذا كانت الحياة قد نشأت هناك حقاً.
وكتب الباحثون بقيادة أندريا بوتوريني من جامعة برشلونة: “إنها منطقة هدف واعدة للمهام المستقبلية في البحث عن حياة قائمة في باطن المريخ”. لكن الباحثين سيضطرون إلى الحفر على بعد أميال تحت الكوكب الأحمر، وهذا يتطلب مهام مأهولة كبيرة وتقنيات من غير المرجح أن تكون قابلة للتحقيق لسنوات قادمة.
وتقول “دايلي ميل” إن هذه الدراسة تقرب العلماء خطوة واحدة من إيجاد دليل قاطع على وجود حياة خارج الأرض من خلال التركيز على موقع يمكن أن توجد فيه حياة ميكروبية.
وعلاوة على ذلك، فإنها تضع الأساس للدراسات المستقبلية التي يمكن أن تحسم “نقاشاً حاداً” حول وجود الميثان في الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، وذلك لأن أشكال الحياة الغريبة التي يعتقد الباحثون أنها يمكن أن تعيش تحت “Acidalia Planitia” هي بكتيريا تنتج الميثان.
وبكتيريا الميثان هي بكتيريا محبة للظروف المتطرفة، وهي البكتيريا التي تزدهر في الظروف البيئية القاسية مثل درجات الحرارة المرتفعة للغاية، والمياه شديدة الملوحة أو حتى مستويات عالية من الإشعاع.
وعلى الأرض، تعيش بكتيريا الميثان عادة في المستنقعات ولكن يمكن العثور عليها أيضاً في أمعاء الأبقار والنمل الأبيض والحيوانات العاشبة الأخرى، وكذلك في المواد العضوية الميتة والمتحللة.
وهذه الكائنات الحية الدقيقة لا هوائية، ما يعني أنها لا تحتاج إلى الأكسجين للبقاء على قيد الحياة، حيث يمكنها أيضاً البقاء على قيد الحياة بدون مغذيات عضوية أو ضوء الشمس.
وفي عام 2028 تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإطلاق مركبة روزاليند فرانكلين، المعروفة سابقاً باسم مركبة “إكسومارس”. وسوف تتضمن هذه المركبة مثقاباً يمكنه الحفر على عمق سبعة أقدام تقريباً في سطح المريخ. ولكن هذا ليس عميقاً بما يكفي للوصول إلى العمق الذي يمكن أن يصلح للسكن والذي حدده بوتوريني وزملاؤه.
ويقول العلماء إن سطح المريخ غير مضياف بسبب درجات الحرارة الباردة للغاية والضغط المنخفض الذي لا يمكن حتى للكائنات المتطرفة البقاء على قيد الحياة فيه. ولكن تحت السطح، يُنتج التحلل الإشعاعي لعناصر مثل الثوريوم، وهو معدن مشع، الحرارة والطاقة الكيميائية. والأكثر من ذلك، أن الماء المتبقي من المحيطات القديمة مدفون داخل الكوكب الأحمر.
وقد توفر هذه الظروف المكونات اللازمة للحياة البكتيرية، ولكن من المحتمل أن تصل إلى عمق خمسة أميال تحت سطح الكوكب.
واستخدم بوتوريني، وهو عالم كيمياء حيوية من جامعة برشلونة، وزملاؤه بيانات من مركبات مدارية حول المريخ لتحديد المناطق التي يمكن أن يوفر فيها الثوريوم الوفير الطاقة اللازمة لدعم الحياة. ثم قاموا بمطابقة هذه البيانات مع توزيع الجليد تحت السطح الذي تم رسمه مسبقاً بواسطة بعثات مثل مركبة “Zhurong” الصينية.
وكشف هذا التحليل أن “منطقة الهدف الأكثر قوة هي (Acidalia Planitia) الجنوبية عند خط العرض المتوسط” وتقع بالقرب من منطقة من رواسب الطين والكربونات مع وجود علامات على نشاط المياه الجوفية.
وفي هذا الموقع تحت الأرض، تكون درجات الحرارة أعلى مما هي عليه على السطح، حيث يتراوح متوسطها بين 32 إلى 50 درجة فهرنهايت. وهذا يعني أن الماء السائل يمكن أن يختلط بالتربة المريخية، وحيثما يوجد الماء السائل، يمكن للحياة البكتيرية أن تنمو.
وتقول “دايلي ميل” إن نتائج هذه الدراسة متاحة حالياً على خادم ما قبل الطباعة “arXiv” ما يعني أن الدراسة لم تتم مراجعتها بعد من قبل علماء آخرين. لكن البحث يكتسب بالفعل اهتماماً من المجتمع العلمي، لأنه يوفر موقعاً محدداً للتركيز عليه في البحث عن حياة خارج كوكب الأرض.
وتقول الدراسة: “إن باطن الجزء الجنوبي من (Acidalia Planitia) هو منطقة مستهدفة مفترضة لاستضافة الميثانوجينات المتكيفة مع البرد”.
وأضافت: “في هذه المنطقة، تكون العناصر المنتجة للحرارة المشعة في أعلى مستويات الوفرة ومن المحتمل وجود المياه تحت السطح”.
وإذا ثبتت صحة نظرية الباحثين في النهاية، فلن يؤدي ذلك إلى الاكتشاف الرائد للحياة الغريبة على المريخ فحسب، بل سيوفر أيضاً دليلاً غير مباشر على وجود الميثان الناتج بيولوجيًا في الغلاف الجوي للمريخ.
وكان قد تم الإبلاغ عن ملاحظات الميثان في الغلاف الجوي للمريخ منذ عام 1999 ولكنها كانت متضاربة على الدوام. وتُظهِر هذه القياسات تركيزات متباينة للغاية من الميثان، حيث تتراوح المتوسطات العالمية من خمسة إلى 33 جزءاً لكل مليار جزء من الحجم.
وثمة تناقض كبير بين القياسات التي أجرتها مركبة “كيوريوسيتي” التابعة لوكالة “ناسا” ومركبة إكسومارس التي تتعقب الغازات في الفضاء الخارجي.
وفي حين اكتشفت “كيوريوسيتي” وجود الميثان في الغلاف الجوي للمريخ، فإن مركبة “إكسومارس” لم تفعل ذلك، وقد أثار هذا جدلاً حاداً داخل المجتمع العلمي.
ويؤكد العلماء أن العثور على كائنات الميثان التي تعيش تحت سطح المريخ من شأنه أن يكون دليلاً قوياً يشير إلى أن الغلاف الجوي للكوكب الأحمر يحتوي بالفعل على الميثان الناتج جزئياً على الأقل عن عمليات ميكروبية.
وتنتج الكائنات الميثانوجينية الميثان كمنتج ثانوي لعملية التمثيل الغذائي الخاصة بها. أو بدلاً من ذلك، قد ينشأ الميثان الجوي من عمليات غير بيولوجية مثل النشاط البركاني أو الحراري المائي، أو ربما لا يمكن أن توجد على الإطلاق.
ورغم أن هذا النقاش لا يزال بعيداً عن الحسم، فإن تحديد المواقع التي قد توجد فيها حياة ميكروبية على المريخ يقرب العلماء من فهم التركيب الحقيقي للغلاف الجوي للكوكب الأحمر والعثور على حياة فضائية.