لندن- الزمان
استقبل الملك تشارلز الثالث الثلاثاء في قصر باكنغهام رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني كما استقبله رئيس الحكومة البريطانية ستارمر ، خلال زيارته الاولى للمملكة المتحدة التي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية، وهي مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للندن.
وسعى السوداني في الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام لتوضيح موقف حكومته المنبثقة عن الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من ايران إزاء وضع إقليمي متوتر جدا في الشرق الأوسط جراء الحرب في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس وهدنة هشة في لبنان، وموقف المليشيات غير المنضوية بالحشد الرسمي التي قصفت اسرائيل والتي تطالب واشنطن بحلها، فيما العودة قريبة وضاغطة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو مهندس سياسة «الضغوط القصوى» على إيران وحلفائها خلال ولايته الأولى. ويجهد العراق، حليف طهران وشريك واشنطن الكبير، لإقامة توازن يحفظ علاقاته مع المعسكرين مع محاولته تنويع علاقاته مع دول الخليج المجاورة والدول الغربية الا ان اشتراك اطراف على صلة بالاطار الشيعي الحاكم ببغداد في الحرب ضد إسرائيل هز ثقة المجتمع الدولي بجدية الحيادية الذي تحدثت عنه بغداد..
التقى رئيس الوزراء العراقي الذي حمله إلى الحكم تحالف أحزاب وفصائل مؤيدة لإيران الملك تشارلز صباحا وجرى خلال اللقاء البروتوكولي «استعراض التعاون الثنائي بين العراق والمملكة المتحدة، وسبل إقامة شراكة منتجة في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية. كما جرى التطرق إلى التعاون في مجال مواجهة تحديات التغيرات المناخية، وفرص تعزيز التعاون الثقافي» بحسب المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء. واجرى السوداني مباحثات مع رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، وقال مكتبه إن «تفاهمات مهمة مع شركات بريطانية سوف تعلن في الزيارة» فضلا عن «اتفاقية شراكة استراتيجية».
وتم عقد اجتماعات مع رؤساء شركات ولا سيما ممثلون عن شركة النفط العملاقة «بي بي». وتخشى منظمات حقوقية واوساط سياسية في لندن من تأثير أجواء الفساد العميقة في العراق على أي اتفاقات واستثمارات. ووقّع رئيسا الحكومتين اتفاقية شراكة وتعاون تاريخية، وهي اتفاقية واسعة النطاق بشأن التجارة والتعاون الاقتصادي والستراتيجي، وصفها مراقبون بالشبيهة باتفاقية الاطار مع الويلات المتحدة والتي تعاني عدم التنفيذ الكامل، كما تم الاتفاق على حزمة تجارية بقيمة (12.3) مليار جنيه إسترليني، مدعومة بسلسلة من اتفاقيات ضمان الصادرات، وناقش ستارمر والسوداني بحسب بيان مشترك للصحافة، هدفاً مشتركاً يتمثل في زيادة الازدهار والتزامهما بتوسيع التجارة والاستثمار بين العراق والمملكة المتحدة، واتفقا على الاستفادة من خبرة القطاع الخاص في المملكة المتحدة في البنية التحتية الحيوية للمياه والطاقة والاتصالات والدفاع، وتأمين مشاريع استثمارية مستقبلية في قطاعات الطاقة النظيفة والأدوية والخدمات اللوجستية والخدمات المالية، سيتم دعم ذلك من خلال مذكرة تعاون لتمويل الصادرات البريطانية (UKEF) من أجل تعزيز استثمارات القطاع الخاص وتمويله في العراق، ورحّب رئيسا الوزراء بالاتفاق الذي تم الإعلان عنه مؤخراً بين الحكومة العراقية وشركة بريتيش بتروليوم للاستثمار طويل الأمد في العراق. وتتضمن المشاريع المتفق عليها التي تقودها المملكة المتحدة في العراق:
● إزالة الألغام: تم تعيين شركات بريطانية لإزالة حقول الألغام القديمة في جميع أنحاء العراق، بعقد قيمته 330 مليون جنيه استرليني.
● إعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية العراقية: سيقوم خبراء من القطاع الخاص البريطاني بإعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية العراقية بقيمة 500 مليون جنيه استرليني، بما يوفر للعراق تغطية دفاعية جوية.
● مشروع المياه الشامل: سيقود تحالف شركات بريطانية مشروعاً كبيراً للبنية التحتية للمياه بقيمة تصل إلى (5.3) مليار جنيه استرليني من صادرات المملكة المتحدة، وسيؤدي ذلك إلى تحسين جودة المياه وريّ الأراضي الزراعية وتوفير المياه النظيفة في جنوب وغرب العراق، مما يحسن ظروف العيش لملايين العراقيين.
● مشروع مياه البصرة: تم تعيين شركة بريطانية لإنشاء البُنية التحتية واسعة النطاق لمحطّات تحلية ومعالجة المياه، بما يوفر المياه النظيفة لثلاثة ملايين عراقي في محافظة البصرة، وتبلغ قيمة هذا المشروع ما يصل إلى (3.3) مليار جنيه إسترليني من الصادرات البريطانية.
● الربط البيني لشبكة الكهرباء بين العراق والسعودية: ستربط أنظمة نقل الطاقة البريطانية الصنع بين الشبكتين العراقية والسعودية، وهو مشـروع تبـلغ قيمـته (1.2) مليار جنيه إسترليني على الأقل.
● تعزيز الشبكة الوطنية العراقية للكهرباء: ستقوم جنرال إلكتريك فيرنوفا بتوريد وتركيب محطات فرعية للطاقة بقيمة (82) مليون جنيه إسترليني لتحسين شبكة الكهرباء في العراق.
● شبكة 5G: تم تعيين شركة فودافون لتصميم شبكة 5G الجديدة التي خططت لها الحكومة في مشروع من المقرر أن تبلغ قيمته (410) مليون جنيه إسترليني على مدى عشرين عاماً.
● مشروع السكة الحديد العراقية: ستقوم شركة بريطانية بالمباشرة بمشروع مد سكة حديد جديدة في العراق بقيمة (82) مليون جنيه إسترليني.
● المرحلة 2 من مشروع مياه الحلة: تم التعاقد مع شركة بريطانية لتقديم حلول معالجة مياه الصرف الصحي والمياه التي تخدم ثلاثة ملايين عراقي بقيمة (260) مليون جنيه إسترليني من الصادرات.
● مشروع بغداد للصرف الصحي: تم التعاقد مع شركة بريطانية لتوفير حلول إدارة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي لأمانة بغداد بقيمة (655) مليون جنيه إسترليني.
● توفير مركبات مكافحة الحرائق البريطانية: سيتم تصدير 62 مركبة إطفاء بريطانية الصنع إلى العراق، بتسهيل من UKEF بقيمة (27.5) مليون جنيه إسترليني.
● توفير معدات الاتصالات اللاسلكية: ستقوم الشركات البريطانية بتصدير تكنولوجيا اتصالات بقيمة (98) مليون جنيه إسترليني، لتزويد خدمات الطوارئ العراقية بالمعدات اللازمة لمعالجة حالات الطوارئ والحوادث بشكل أكثر كفاءة في جميع أنحاء العراق.
البقية على الموقع
● تكنولوجيا الحدود: ستوفر الشركات البريطانية معدات لضمان أمن الحدود بقيمة (66.5) مليون جنيه إسترليني لوزارة الداخلية العراقية، لجعل المعابر ونقاط التفتيش والمطارات العراقية أكثر أماناً.
تقدم المملكة المتحدة الدعم لجمهورية العراق للقيام بالإصلاحات طويلة الأمد، اللازمة لتنمية اقتصاده، وستسخّر المملكة المتحدة خبراتها المالية العالمية الرائدة لدعم صندوق العراق للتنمية، أول صندوق استثمار استراتيجي في العراق، .
أكد المسوولان على العلاقة الأمنية التاريخية القوية بين البلدين، وأشار رئيسا الوزراء إلى أن عام 2025 يمثل مرور أكثر من عقد من الزمن على بدء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في العراق، وتناولا كذلك النجاحات التاريخية التي حققتها قوات الأمن العراقية والتحالف في تحقيق الهزيمة الميدانية لداعش في العراق، وكرّما التضحيات التي قدمتها القوات العراقية والبريطانية وغيرها من القوات في تحقيق هذا الهدف.
وبهذا المجال، وقّع رئيسا الوزراء على البيان المشترك حول العلاقات الدفاعية والأمنية الستراتيجية الثنائية، الذي يضع الأساس لحقبة جديدة في التعاون الأمني ويمهد الطريق لاتفاق جديد يعكس طموح البلدين، بما يعمّق التعاون الأمني المستقبلي، وذلك من خلال توفير تبادل التعليم العسكري بين المملكة المتحدة والعراق، والدعم الاستشاري البريطاني في مجال تعزيز القدرات والإصلاح المؤسسي، وتطوير الشراكات الصناعية الدفاعية، ويشدد البيان المشترك على الأهداف المشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين وعراق قوي ومزدهر، وأعرب السوداني و ستارمر، بصورة مشتركة، عن أهمية السلامة والمعايير الأمنية للطيران.
وقال البيان انه يلتزم رئيسا الوزراء، السوداني، و ستارمر، بشأن تعزيز التعاون الحيوي في مجال الهجرة بين العراق والمملكة المتحدة، نظرا لأهمية هذه الشراكة الثنائية الستراتيجية في مكافحة الهجرة غير النظامية من خلال معالجات جذرية، والعمل الكبير الذي تقوده الحكومة العراقية لتوفير دعم إعادة الإدماج للعائدين.
واتفق رئيسا الوزراء على مبادئ اتفاقية العودة عبر التزام مشترك بضمان إمكانية إعادة أولئك الذين ليس لديهم الحق في التواجد في المملكة المتحدة بالسرعة الممكنة، وناقشا الخطوات العملية القادمة حول كيفية القيام بذلك، بناء على زيارة وزيرة الداخلية البريطانية الأخيرة، التي وضعت الاتفاقات الرئيسة حول سبل تعزيز البلدين لأمن الحدود والتعاون في إنفاذ القانون للتصدي لعصابات الجريمة المنظمة لتهريب البشر.
كما اتفقا على أن الطبيعة العالمية المتزايدة لجرائم الهجرة المنظمة تؤكد الحاجة لمنع عصابات تهريب البشر من تعريض الكثير من الأرواح للخطر، وأن تعزيز أمن الحدود لدولنا هو جزء أساسي من هذا الجهد، وتلعب خبرة القطاع الخاص في المملكة المتحدة دوراً مهماً في هذا المسعى، معلنة عن توفير معدات اتصالات الشرطة، تكنولوجيا الحدود وبرامج التدريب الشاملة لوزارة الداخلية العراقية، ما يضمن امتلاك العراق لأحدث التقنيات والقدرة على الاستجابة للطوارئ لدعم هدفنا المشترك المتمثل بتعزيز أمن الحدود، مع المساهمة أيضا في نمو المملكة المتحدة.
و كان قد تحدث ستارمر في بيان مساء الاثنين عن «عصر جديد في التعاون بين المملكة المتحدة والعراق من شأنه أن يحقّق منافع متبادلة، من التجارة إلى الدفاع».
وسيعلن رئيسا الوزراء عن اتفاقات تجارية بقيمة 12,3 مليار جنيه استرليني (أكثر من 14 مليار يورو). وقالت رئاسة الحكومة البريطانية إن المبادلات التجارية بين البلدين ستتضاعف عشر مرات مقارنة بالسنة الماضية.
وأوضح البيان البريطاني أنّ ستارمر والسوداني «سيباشران مناقشات» حول «اتفاقية جديدة بشأن عودة مهاجرين» تمّ الكشف عنها في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، بهدف «دعم مكافحة الهجرة غير النظامية».
وقال البيان «بمجرد إبرامه، سيضمن الاتفاق أن يتمّ بسرعة ترحيل أولئك الذين لا يحقّ لهم التواجد في المملكة المتّحدة».
وأضاف أنّ لندن صدرت إلى بغداد معدّات بقيمة 66,5 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 79 مليون يورو) «لتعزيز الحدود العراقية وتفكيك عصابات تهريب البشر».
وعلى خطى حكومات المحافظين التي سبقتها إلى السلطة، جعلت حكومة حزب العمّال برئاسة ستارمر الحدّ من الهجرة غير النظامية، وكذلك أيضا الشرعية منها، إحدى أولوياتها.
- الشق الأمني -
وتشمل المحادثات شقا أمنيا إذ تبدأ السلطات العراقية اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2025 الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين الذي تشكل شكل العام 2014 بقيادة واشنطن ومشاركة المملكة المتحدة وفرنسا خصوصا.
فيما انحسر تأثير داعش بعدد سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يدعمهم لضرب الثورة السورية في مناطق خارج سيطرته.
وقال السوداني لوكالة الصحافة الفرنسية مساء الاثنين «هناك بيان مشترك حول التعاون الأمني بين العراق والمملكة المتحدة (..) خصوصا بعد ما تم الاتفاق على الشكل او الترتيبات لإنهاء العلاقة، علاقة التحالف الدولي ومهمة التحالف الدولي في العراق، وفق ما أعلن سابقا».
ويفتح انسحاب التحالف الدولي الباب أمام شراكات ثنائية مع كل دولة على ما يفيد العراق.
وفي أوضاع إقليمية متفجرة أجّجتها الحرب في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، نفذت الجماعات المسلحة العراقية الموالية لإيران عشرات الغارات بمسيرات وهجمات صاروخية في شتاء العام 2023 ضد جنود التحالف الدولي.
ولتجنب تصعيد العنف على الأراضي العراقية، بدأ السوداني مباحثات مع واشنطن حول مستقبل التحالف الموجود أيضا في سوريا لمحاربة جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي ما يتعلق بالعراق، على المستشارين العسكريين الأجانب للتحالف أن يباشروا انسحابهم من القواعد العسكرية في العراق الفدرالي اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2025. أما المرحلة الثانية من الانسحاب فستبدأ في أيلول/سبتمبر 2026 لقوات التحالف المنتشرة في منطقة كردستان في شمال العراق.
في العام 2003 ورغم معارضة كبيرة من الرأي العام البريطاني، انضمت المملكة المتحدة إلى عملية غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة من دون تفويض من الأمم المتحدة، ما فتح الباب أمام واحدة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ البلاد.