باريس- “القدس العربي”:
تحت عنوان: “في إسرائيل هجرة غير مسبوقة.. إذا لم يتغير شيء في الانتخابات المقبلة، سيكون هناك المزيد من الناس الذين يغادرون”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن آلاف الإسرائيليين، وفي بعض الأحيان عائلات بأكملها، غادروا البلاد للاستقرار في الخارج. وتشمل الأسباب انعدام الأمن والحرب في غزة، ولكن أيضا سياسات حكومة نتنياهو وثقل الدين في البلاد.
يبلغ روي من العمر 34 عامًا ويتمتع بمستقبل باهر كموسيقي. ولكنه لم يعد يراه في إسرائيل، حيث ولد هذا المنتج والمغني وعازف الجيتار الناجح، الذي يرغب في الحفاظ على سرية هويته، لكنه يستعد للهجرة إلى إسبانيا مع زوجته.. يقول للصحيفة الفرنسية: “نحن لا نصرخ من فوق أسطح المنازل، لأننا نخجل من المغادرة قبل أن تنتهي الحرب تمامًا، إنها لحظة معقدة… أنا أحب بلدي، لكن ما ينتظرنا هو سنوات مظلمة. لقد تجاوزت حكومة نتنياهو عدة عتبات تشكل خطرا على الديمقراطية، والقانون والدين في تناقض، وعدد المتطرفين يتزايد فقط”.
خلال عام 2023 وعلى مدى أشهر، شارك روي في كل الاحتجاجات الجماهيرية ضد الإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة، حتى هدأت الحركة بعد الهجوم المميت الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الأراضي الإسرائيلية، والحرب الانتقامية التي تلت ذلك في قطاع غزة. ويضيف المواطن الاسرائيلي القول: “على الرغم من صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كنت ما أزال متفائلاً في ذلك الوقت، كنت أعتقد أنه سيكون هناك إجماع، ولكن سرعان ما شعرت بخيبة أمل، ولم أعد أؤمن بذلك”.
بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2024، غادر البلاد 82,700 إسرائيلي
من جانبه، اتخذ ميكي، البالغ من العمر 30 عاماً، والذي لم يرغب أيضاً في الكشف عن اسمه، هذه الخطوة بالفعل. فقد انتقل مؤخرًا مع زوجته وطفليه الصغيرين إلى بافوس، وهي بلدة تقع على الساحل الغربي لقبرص، حيث أسس شركة للتجارة الإلكترونية. ويوضح هذا الشاب متحدثا لصحيفة لوموند: “كان اتخاذ القرار صعباً، ولكن بين الصعوبات الاقتصادية المتزايدة في إسرائيل وانعدام الأمن، فهمنا أنه يتعين علينا الانتقال. في كل مرة كنت أخرج مع أطفالي، كنت أحمل سلاحًا، على غرار عدد متزايد من المدنيين الإسرائيليين، ولم أكن أستطيع أن أرى نفسي أستمر في مرافقتهم في كل مكان”.
سجلات المغادرة
أصبحت مدينة بافوس، التي تقع على بعد أقل من ساعة ونصف بالطائرة من تل أبيب، وجهة جذابة بشكل متزايد، كما تؤكد أليس شاني، وهي إسرائيلية تملك شركة عقارات تأسست هناك منذ عدة سنوات، في اتصال هاتفي مع صحيفة لوموند. فعلى مدار العام الماضي، وصلت 200 أسرة، وهم الآن يشكلون مجتمعًا واحدًا، وما يزال المزيد يصلون. وتقول أليس شاني: “أتلقى كل يوم أسئلة حول المدارس والحياة اليومية… معظم الوافدين الجدد هم من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثينيات ويعملون في مجال التكنولوجيا الفائقة. ومن ثم، تبدو مدينة بافوس، على الرغم من اتصالها بأوروبا، أقل توتراً من البلدان الأخرى”.
ومضت صحيفة لوموند مشيرة إلى أن أعداد المغادرين وصلت إلى مستويات قياسية.. فبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2024، غادر البلاد 82,700 إسرائيلي، وليس بسبب الحرب فقط. من المهم أن نفهم أن هذه الأرقام تعكس الإسرائيليين الذين غادروا في عام 2023، ولكن لم يتم تصنيفهم كمهاجرين حتى عام 2024. والسبب في ذلك هو أن BCS يجب أن تنتظر عامًا لتصنيفهم على هذا النحو للتحقق مما إذا كانوا قد أمضوا أكثر من تسعة أشهر في الخارج في العام التالي لمغادرتهم، كما يعلق إسحاق ساسون، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب. وبحسب التقرير، فإن 24 ألف إسرائيلي فقط عادوا في عام 2024. وبالتالي فإن هذه الفجوة تمثل تغييراً جذرياً مقارنة بالعقد السابق.
ويضيف إسحاق ساسون، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب: “العديد من المهاجرين غادروا قبل السابع من أكتوبر. أعتقد أن بعضهم غادر البلاد بسبب عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل والإصلاح القضائي المثير للجدل. إن هذه الزيادة في الهجرة مثيرة للقلق. ونحن لا نعرف إلا القليل عن أولئك الذين قرروا الهجرة، بخلاف أعمارهم، ولكن هناك ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن لديهم مستويات تعليمية أعلى من المتوسط. إن الخطر الرئيسي هو أن تشهد إسرائيل «هجرة الأدمغة»، وليس من المؤكد أن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل قادرة على تعويض هذه الخسارة في السكان المؤهلين”.
الخطر الرئيسي هو أن تشهد إسرائيل «هجرة الأدمغة»، وليس من المؤكد أن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل قادرة على تعويض هذه الخسارة في السكان المؤهلين
وتعتبر شبكات التواصل الاجتماعي دليلا على هذه الظاهرة، توضح صحيفة لوموند، مضيفة أن المجموعات التي تدعو إلى إنشاء مجتمعات في البرتغال أو اليونان أو كندا أو تايلاند، أو تتبادل المعلومات حول التأشيرات وظروف المعيشة المحلية والعمل عن بعد، والتغريدات التي تعبر عن القلق بشأن المغادرين المتعددين من حولهم، والإهانات واتهامات “الخيانة” للآخرين- تتزايد.
ومع مرور الأشهر، بعد بدء الحرب في غزة ثم في لبنان، أصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا. يقول إيلان ريفيفو، البالغ من العمر 50 عاماً: “لم أشاهد شيئاً مثل هذا على الإطلاق خلال ثلاثين عاماً من مسيرتي المهنية”. فقد كانت شركته “يونيفرس ترانزيت”، التي أسسها والده إسحاق في تل أبيب في أوائل تسعينيات القرن العشرين، متخصصة في مساعدة اليهود القادمين للاستقرار في إسرائيل، وخاصة من فرنسا. والآن يشير الابن إلى أن ما يحدث هو العكس، حيث إن عائلات بأكملها تغادر إلى البرتغال أو قبرص أو اليونان، وهم يبيعون كل ممتلكاتهم، وهذا أمر غير مسبوق.
الخوف من الوضع السياسي
وبالنسبة لرجل الأعمال هذا أيضًا، فإن الحرب ليست الدافع الوحيد وراء هذا الخروج، إذ إن الذين يغادرون هم أكثر خوفاً من الوضع السياسي، وهم غير متفائلين بالمستقبل ويفكرون في أطفالهم. وفي الواقع، فإنهم في كثير من الأحيان يسعون للحصول على جنسية ثانية. ويعتقد الرجل أن ثقل الدين في البلاد يلعب دوراً كبيراً في قرارهم، الذي يتخذونه أحياناً خلال أسبوعين، دون انتظار أكثر من ذلك.
في الطابق السابع والثلاثين من أحد أبراج عزرائيلي التي تهيمن على وسط تل أبيب، يستقبل ليام شوارتز، رئيس القسم المتخصص في مساعدة التأشيرة في شركة المحاماة جولدفارب جروس سيليجمان، أحد أهم الشركات في إسرائيل، محاطًا بمجموعة من الشباب اليقظين المتعاونين. “لقد أنشأت هذا القسم منذ خمس سنوات، وكان علينا توسيع فريقنا لأن الأعباء علينا كبيرة للغاية”، يروي ليام شوارتز: “أنا مندهش من موجة المغادرين. هذا أمر غير مسبوق. وبطبيعة الحال، فإن الوضع الاقتصادي له تأثير، ولكن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تسارع الاتجاه. وفي قطاع التكنولوجيا العالية، هناك طلب قوي على العمل عن بعد، من الخارج، سواء لتوسيع المهام الجارية أو لإنشاء مكتب جديد. تسعى الشركات إلى الاحتفاظ بموظفيها، ولكنها في بعض الأحيان تقرر الانتقال إلى الخارج على نفقتها الخاصة. وتعمل الشركة بشكل رئيسي في وجهتين، الولايات المتحدة واليونان، وهي دولة تحظى بشعبية كبيرة لأنها تسمح بالبقاء على مقربة من إسرائيل. والمرشحون للمغادرة يأتون من كل أنحاء البلاد، وهذا الأمر يخص عائلات بأكملها”.
لكن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصبح ليام شوارتز يشعر بالقلق. يمد يده إلى نموذج سميك، الوثيقة التي يجب ملؤها للحصول على البطاقة الخضراء، وهي بطاقة إقامة تسمح للشخص بالعمل في الولايات المتحدة، وقد وضع خطًا تحت فقرات منها. ويوضح قائلاً: “منذ شهرين، تمت إضافة بعض البنود. هل أمرت أو حرضت أو دعوت أو ارتكبت أو ساعدت أو شاركت بأي شكل من الأشكال في قتل أو محاولة قتل شخص ما؟ أو حاولت إيذاء شخص؟.. يصبح الأمر أكثر تعقيدًا لأنه من المحتمل أن يتأثر به العديد من الأشخاص”. فكل من شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب على غزة قد يكون في الواقع هدفاً لإحدى الفقرات العشر الجديدة التي ظهرت في الوثيقة الأمريكية، ما يشكل عقبة كبيرة أمام الهجرة.
لا أحد يعرف اليوم ما إذا كانت الهدنة الهشة في غزة، التي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، ستكون كافية لوقف عمليات النزوح، خاصة وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حذر من أن الحكومة تحتفظ “بالحق” في استئناف الحرب إذا رأت ذلك مناسبا وضروريا. لكن، وقبل كل شيء، يظل العديد من الإسرائيليين معادين للسياسات التي ينتهجها الائتلاف الحاكم الذي يهيمن عليه اليمين المتطرف. ما يلخصه روي في جملة واحدة: “إذا لم يتغير شيء في الانتخابات المقبلة، فسيغادر المزيد من الناس”.