مقاتلون تابعون لإدارة العمليات العسكرية في سوريا (رويترز)
مع سقوط نظام بشار الأسد، برزت قضية المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في النزاع كواحدة من التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة.
تثير القضية الجدل حول مستقبل هؤلاء المقاتلين وكيفية التعامل معهم، في ظل مخاوف داخلية ودولية من تأثيرهم على استقرار البلاد.
وهؤلاء المقاتلون، الذين انخرطوا في صفوف المعارضة منذ عام 2011، يحملون تجارب قتالية متنوعة وارتباطات أيديولوجية متعددة، مما يجعل دمجهم في الجيش السوري الجديد أو ترحيلهم عن البلاد مسألة معقدة، لها تداعيات على المستويين الداخلي والدولي.
المقاتلون الأجانب “يستحقون المكافأة”؟
في تصريحات سابقة، أكد أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في الإطاحة بنظام الأسد “يستحقون المكافأة”.
وأوضح الشرع، في لقاء مع صحفيين منتصف شهر يناير الماضي، أن جرائم نظام الأسد أدت إلى الاعتماد على مقاتلين أجانب يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة وساهموا في إسقاط النظام، ملمحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية.
وأضاف: “جاؤوا من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى سوريا، من منطلق التعاطف مع السوريين، وعددهم حالياً ليس كبيراً جداً، وجميعهم وافقوا على الامتثال لتوجيهاتنا وسياستنا، وهم لا يشكلون خطراً على الدول الأخرى، ويستحقون أن نكافئهم على جهودهم”، مؤكداً أنه ستتم معالجة أوضاعهم وتسويتها وفقاً للقانون.
تعيينات ومناصب عسكرية عليا
وفي خطوة تعكس هذا التوجه، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين عدد من المقاتلين الأجانب في مناصب عسكرية عليا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا” عن وزارة الدفاع.
وبحسب وكالة “رويترز”، شملت هذه التعيينات مقاتلين من جنسيات مختلفة، بينهم مقاتلون من الأويغور ومصر والأردن وتركيا وألبانيا.
ومُنح بعض هؤلاء المقاتلين رتباً عسكرية عليا، إذ تم ترفيع التركي عمر محمد جفتشي إلى رتبة عميد، والأردني عبد الرحمن حسين الخطيب إلى رتبة عميد.
كما حصل المصري علاء محمد عبد الباقي على رتبة عقيد.
وأشار تقرير “رويترز” إلى أن هذا القرار يثير المخاوف على الصعيدين الداخلي والدولي، إذ يخشى البعض من أن يؤدي دمج عناصر ذات خلفيات أيديولوجية متشددة إلى تحديات أمنية وتنظيمية قد تُضعف كفاءة الجيش الوطني مستقبلاً، أو تؤثر سلباً على الاستقرار العام في البلاد.
وبحسب الوكالة، فإن “الجهات الدولية تتابع هذه التحركات بحذر، خاصة فيما يتعلق بالامتثال للمعايير الدولية في مجال مكافحة التطرف والحفاظ على سيادة الدولة”.
تجنيس المقاتلين
وحذر رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، من أن “تجنيس المقاتلين الجهاديين قد يضر بمستقبل سوريا”.
وقال عبد الرحمن لموقع “الحرة” إن “سقوط الأسد لم يكن بسببهم فقط، بل كان نتيجة الإرادة الدولية والعقوبات المفروضة على النظام السابق”.
وأكد أن “القيادة في دمشق أعلنت عن نيتها منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب، مؤكدة أنهم سيندمجون في المجتمع السوري”.
وتساءل: “هل سيتم تنفيذ قرار تجنيسهم فعلياً؟ أم أن بعضهم سيرحل سراً إلى بلدانهم الأصلية أو إلى مناطق أخرى؟”.
وأوضح عبد الرحمن أن “مصير هؤلاء المقاتلين مرتبط بقرار القيادة السورية، وما إذا كانت ترى أن دورهم في سوريا قد انتهى أم لا”.
لكنه حذر من أن “تجنيس الجهاديين لن يكون في مصلحة الشعب السوري”، مشدداً على أن “سقوط نظام بشار الأسد لم يكن نتيجة قتال هؤلاء المقاتلين فقط، بل لعبت الإرادة الدولية والعقوبات الأميركية دوراً أساسياً في ذلك”.
وأشار إلى أن جيش النظام نفسه تعرض لاختراق كبير بسبب الأوضاع الاقتصادية، مما دفع العديد من عناصره إلى رفض القتال، خاصة بعد انتهاء المعارك.
الاعتراف الدولي المشروط
أما على المستوى الدولي، فقد أكد مدير المرصد السوري أن الدول الغربية والصين وبعض الدول العربية ستعترف في النهاية بالقيادة الجديدة في سوريا، إلا أن وجود المقاتلين الأجانب في المشهد، وخصوصاً الصينيين، سيؤثر سلباً على العلاقات مع بكين، حتى لو تعهدت القيادة السورية الجديدة بضبطهم وفق القانون.
والأمر نفسه ينطبق على المقاتلين المصريين، حيث إن بقاءهم قد يعرقل العلاقات مع القاهرة، رغم محاولات إبعادهم عن الواجهة حالياً.
وفيما يتعلق بترحيل المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية، أوضح عبد الرحمن أن ذلك سيؤدي إلى اعتقالهم في تلك الدول.
وأضاف أن “اندماجهم في المجتمع السوري كمواطنين عاديين قد يكون مقبولاً إذا تمكنت السلطات من إنهاء فكرهم الجهادي المتطرف”.
وشدد على أن “ضمهم إلى وزارة الدفاع سيكون كارثياً على مستقبل سوريا، إذ لا يمكن تحويل مقاتل جاء للقتال تحت راية الجهاد إلى مؤمن بالديمقراطية ومستعد للعيش في دولة مدنية”.
تحديات قانونية وأمنية
بدوره، كشف الباحث والأكاديمي السوري، عرابي عبد الحي عرابي، عن وجود اقتراح لتجنيس المقاتلين الأجانب في سوريا.
إلا أنه أعرب عن اعتقاده بأن الأمر قد لا يصل إلى منح الجنسية، بل قد يشمل منح رتب عسكرية أو إقامة دائمة، مما يتيح لهم حق التملك وتجنيس أطفالهم في حال كانوا متزوجين من سوريات.
وأوضح عرابي أن هذا المقترح لم يُنفذ بعد، مؤكداً أن تطبيقه يتطلب وجود بنية قانونية مناسبة، وهي غير متوفرة حالياً.
لكنه لم يستبعد إمكانية توفرها في المستقبل، خاصة مع وجود شروط قد تُفرض على المستفيدين، مثل الإقامة لفترات طويلة، أو المساهمة الرمزية في إسقاط النظام، أو الزواج من سوريات.
وفي هذا السياق، لفت عرابي إلى أن منح الجنسية بهذه الطريقة ليس سابقة، بل هو إجراء متبع في دول أوروبية ودول أخرى، حيث يتم منح الأجانب الجنسية بعد إقامة محددة.
وشدد على أن التحدي الأبرز الذي يواجه هذا المقترح يتمثل في المخاوف الأمنية، وتحديداً فيما إذا كان هؤلاء المقاتلون قد يشكلون جسراً لأي تنظيم متطرف.
لكنه استبعد هذا الاحتمال، معتبراً أن الكثير من العناصر المتطرفة تم إخراجها من سوريا، وأن البنية التنظيمية الحالية لا تنتمي إلى أي جهات متشددة.
وأشار إلى أن “حتى مقاتلي الحزب التركستاني، ومعظمهم من الصينيين الأويغور، رغم كونهم أجانب، إلا أنهم منضبطون فكرياً إلى أبعد الحدود”.
ولفت إلى “صعوبة أن يستقطبهم داعش، لا سيما أن العديد من المقاتلين الأجانب قُتلوا على يد التنظيم، ووقعت بينهم مواجهات مسلحة”.
تجارب سابقة
وفي السياق ذاته، استشهد الباحث بتجربة البوسنة والهرسك، حيث تم تجنيس نحو 900 مقاتل، معتبراً أن الأعداد المطروحة في سوريا ليست كبيرة مقارنة بالحجم العام للقوات المسلحة.
وأوضح أن عدد المقاتلين الأجانب لا يتجاوز ثلاثة آلاف، في حين أن الجيش السوري مستقبلاً قد يضم أكثر من مئة ألف مقاتل، مما يجعل تأثير هذه الأعداد محدوداً.
وأضاف عرابي أن “منح الجنسية لثلاثة آلاف شخص، نصفهم من العساكر، لن يؤثر على التوازن الديمغرافي السوري، وانضمام هؤلاء لجيش قوامه يفوق المئة ألف شخص لن يؤثر فيه شيئاً”.
وبين الباحث أن أي فشل في عملية الدمج قد يؤدي إلى محاكمة هؤلاء أو سجنهم أو ملاحقتهم قانونياً، مع إمكانية سحب الجنسية منهم وإعادتهم إلى بلدانهم في حال شكلت هذه العناصر خطراً على الأمن القومي السوري.
أبرز فصائل المقاتلين الأجانب
لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد المقاتلين المهاجرين الذين شاركوا في القتال إلى جانب المعارضة.
وبحسب تقرير صادر عن مركز جسور للدراسات، فإن عددهم يصل إلى خمسة آلاف شخص مع عوائلهم، ينحدرون من 15 دولة أبرزها تونس والجزائر والأردن والمغرب ومصر والسودان وكوسوفو وألبانيا والشيشان والسعودية والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا الشمالية وتركستان الشرقية وفرنسا وأوزبكستان وطاجكستان وأذربيجان.
وانضم عدد من فصائل المقاتلين الأجانب إلى هيئة تحرير الشام، فيما اتجه بعضها الآخر لعلاقات سلمية معها، لكن معظمهم كانوا متعاونين في معركة ردع العدوان الأخيرة ضد نظام الأسد.
ويعد حزب التحرير الإسلامي التركستاني من أبرز الفصائل الأجنبية التي ساهمت في معركة ردع العدوان. ويتألف الحزب من مقاتلين من الأويغور من تركستان الشرقية، وتم الإعلان عن تأسيسه عام 2013.
ويتمركز في المناطق الوَعْرة من جسر الشغور وجبلَي الأكراد والتركمان.
أما كتيبة المجاهدين الغرباء، فيتراوح أعداد مقاتليها بين 300 و400 مقاتل مهاجر من الإيغور، الطاجيك، الأوزبك، ومقاتلين من جنسيات عربية.
وتأسست عام 2017 واندمجت في هيئة تحرير الشام تحت مسمى “لواء عمر بن الخطاب”، وشاركت بشكل واسع في هجمات ردع العدوان ضد النظام والميليشيات الإيرانية في حلب وشمال حماة.
كما شاركت كتائب أجناد القوقاز في عملية ردع العدوان إلى جانب هيئة تحرير الشام.
وهي كتائب كان اسمها سابقا “مجاهدو الشيشان”، وتشكلت ضمن مناطق ريف حلب الغربي وإدلب وجبال الساحل، إلا أنها تعرضت للتفكك وانضم عدد كبير من مقاتليها إلى تنظيم داعش،
فيما توزعت باقي الكتائب ضمن مجموعتي جند الشام وأجناد القوقاز.
إضافةً إلى ملحمة تاكتيكال التي دربت القوات الخاصة “العصائب الحمراء” التي كان لها دور بارز في معركة ردع العدوان، ويعود تأسيس الكتيبة من مقاتلين مهاجرين متخصصين ومدربين من الجنسية الإيغورية في عام 2018.
وهناك، تنظيم حراس الدين الذي تأسس عام 2018، ويضم مقاتلين أردنيين ومغاربة وتونسيين ومصريين أتراك.
أنشأ التنظيم بالتعاون مع مجموعات أخرى غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، ثم غرفة عمليات “فاثبتوا” إلا أن هذه الغرف تفكَّكت، وانضمت إلى غرفة عمليات “الفتح المبين” التابعة للهيئة، وشاركت في عملية ردع العدوان الأخيرة.
مهاجرو أهل السنة في إيران تأسس في العام 2013 ويضم مجموعة من الإيرانيين الأكراد والبلوش والفرس والتركمان السنة، وانضم إلى جبهة النصرة في سورية تحت غطاء كتيبة الأنصار المرتبطة بجماعة أنصار الإسلام في العراق.
وتنحصر مقرات المجموعة في مناطق جسر الشغور وحارم في ريف إدلب الشمالي الغربي.
ورغم الجهود السياسية والحكومية السورية، يبقى مصير المقاتلين الأجانب في سوريا قضية معقدة تتطلب توازنًا دقيقًا، بين الاعتراف بمساهماتهم في الإطاحة بنظام الأسد، وبين ضمان استقرار وأمن الدولة السورية الجديدة وطمأنة المجتمع الدولي.
فكيف ستتمكن القيادة السورية الجديدة من التعامل مع هذا الملف الشائك، وهل ستتمكن من منع ارتدادات هذا الملف على مستقبل البلاد؟
محمد الناموس