الوثيقة | مشاهدة الموضوع - فورين بوليسي: نعم أمريكا أصبحت عدوا لأوروبا
تغيير حجم الخط     

فورين بوليسي: نعم أمريكا أصبحت عدوا لأوروبا

القسم الاخباري

مشاركة » الجمعة فبراير 21, 2025 8:33 pm

6.jpg
 
لندن- “القدس العربي”: قال أستاذ الدراسات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن والت إن أمريكا أصبحت عدوا لأوروبا الآن. وقال في مقال بمجلة “فورين بوليسي” إن إدارة دونالد ترامب مضت بعيدا في سياساتها وأعادت تشيكل التحالف بين طرفي الأطلنطي. وأضاف أنه حذر قبل عدة أسابيع من إن إدارة ترامب الثانية قد تبذر التسامح وحسن النية التي حصلت عليها واشنطن من الديمقراطيات الكبرى في العالم. وبدلا من النظر لأمريكا كقوة إيجابية في شؤون العالم، قد تصبح هذه الدول قلقة من تحول الولايات المتحدة إلى عنصر شرير وبشكل نشط.

وكتب والت مقالته قبل أن يلقي نائب الرئيس جيه دي فانس خطاب التحدي في مؤتمر ميونيخ للأمن، وقبل أن يلقي الرئيس دونالد ترامب باللوم على أوكرانيا لبدء الحرب مع روسيا، وقبل أن يبدو وكأن المسؤولين الأمريكيين يعرضون على روسيا بشكل استباقي كل ما تريده تقريبا قبل بدء المفاوضات بشأن أوكرانيا.

وقد لخص جدعون رتشمان رد فعل المراقبين الأوروبيين الرئيسيين بشكل ذكي في صحيفة “فايننشال تايمز” الوضع بالقول: “إن الطموحات السياسية لإدارة ترامب لأوروبا تعني أن أمريكا أصبحت الآن أيضا عدوا”.

وتساءل إن كان هذا الرأي صحيحا؟ ويجيب أن المتشككين من صحة هذا الرأي ربما تذكروا انقسامات بين حلفاء الأطلنطي حول عدد من القضايا، بدءا من أزمة السويس عام 1956 إلى حرب فيتنام في الستينيات من القرن العشرين وموضوع الصواريخ الأوروبية في ثمانينيات القرن الماضي وخلال حرب كوسوفو في 1999، كما وأدى الخلاف بشأن حرب العراق عام 2003 إلى تدني في العلاقات بين واشنطن وأوروبا.

ولم تتردد الولايات المتحدة في التحرك بشكل أحادي في مناسبات عديدة، حتى عندما تأثرت مصالح حلفائها سلبا، كما فعل ريتشارد نيكسون عندما أعلن خروج أمريكا من معيار الذهب في عام 1971، أو كما فعل جو بايدن عندما وقع على قانون خفض التضخم الحمائي وأجبرت الولايات المتحدة الشركات الأوروبية على وقف بعض الصادرات عالية التقنية إلى الصين.

باتت لدى الأوروبيين ولأول مرة منذ 1949 أسباب حقيقية للاعتقاد أن رئيس الولايات المتحدة لا يبالي بحلف الناتو ورافض لقادة القارة بل إنه معاد بنشاط لمعظم دولهم

لكن قلة من الأوروبيين أو الكنديين اعتقدوا أن الولايات المتحدة تحاول عمدا إلحاق الأذى بهم، بل على العكس، اعتقدوا أن واشنطن ملتزمة حقا بأمنهم وفهمت أن أمنها وازدهارها مرتبطان بأمنهم وازدهارهم. وكانوا على حق، الأمر الذي جعل من الأسهل بكثير على الولايات المتحدة أن تكسب دعمهم عندما كان ذلك ضروريا.

ولكن الوضع يبدو مختلفا اليوم بالنسبة لمعظم الأوروبيين وبالتأكيد من شاركوا في مؤتمر ميونيخ الأسبوع الماضي. وباتت لديهم ولأول مرة منذ 1949 أسباب حقيقية للاعتقاد أن رئيس الولايات المتحدة لا يبالي بحلف الناتو ورافض لقادة القارة الأوروبية بل إنه معاد بنشاط لمعظم الدول الأوروبية. وبدلا من التفكير في دول أوروبا باعتبارها أهم شركاء أمريكا، يبدو أن ترامب غير موقفه ويرى أن روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين هي الرهان الأفضل على الأمد البعيد.

وكانت التكهنات حول تقارب ترامب مع بوتين تدور لسنوات، ويبدو الآن أن هذه المشاعر هي التي توجه السياسة الأمريكية.

ويعلق والت قائلا: أعرف ما تفكر فيه، أليس ترامب يفعل فقط ما اقترحه الواقعيون مثلك؟ ألم تقل إن أوكرانيا ليس لديها مسار معقول لاستعادة أراضيها المفقودة وإن إطالة الحرب هو مجرد إطالة للمعاناة بلا هدف جيد؟ ألم تقل أيضا أن بناء نظام أمني أوروبي يقوم على التوسع المفتوح لحلف الناتو كان حلما خطيرا؟ وبدلا من دفع روسيا والصين إلى التقارب، أليس من المنطقي من الناحية الاستراتيجية أن ندق إسفينا بينهما ونشكل نظاما أوروبيا يقلل من نزعات موسكو نحو إحداث المشاكل؟ وبالتأكيد، أليست علاقات جيدة مع روسيا تجعل من أوروبا آمنة على المدى البعيد؟ وإذا كان تعطيل الإجماع عبر الأطلنطي كافيا لإقناع دول أوروبا بترتيب أمورها وإعادة بناء بعض القدرات الدفاعية الحقيقية، بحيث لن تضطر الولايات المتحدة إلى مواصلة حمايتها ولكي تكون قادرة على مواجهة الصين.

وبناء على ما قيل أعلاه، لا يعتبر ترامب عدو أوروبا بل إنه يوزع بعض الحب القاسي على قارة راضية عن نفسها ويتبع منطقا واقعيا سليما.

ويجيب الكاتب أن الواحد كان يتمنى صحة هذا الكلام، ذلك أن ترامب وفانس ووزير الدفاع بيت هيغيسث وأركان الإدارة الحالية ذهبوا أبعد من الحديث عن ضرورة المشاركة في العبء، وكذا الحاجة لوجود انقسام منطقي للعمل داخل التحالف أو قاموا بتقديم تقييم متأخر للحرب في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا. فلم يكن هذا هو الموضوع، بل كان الهدف هو إحداث تغيير أساسي في العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى وإعادة كتاب قوانين العالم وإذا أمكن تشكيله على صورة عقيدة جعل أمريكا عظيمة أو ماغا.

فهذه العقيدة أو قل الأجندة معادية للنظام الأوروبي الحالي ومن عدة جوانب.

أولا، لا تعتبر التهديدات المتكررة من جانب ترامب بفرض تعريفات جمركية باهظة على الحلفاء المقربين إما لإرغامهم على التنازلات بشأن قضايا أخرى أو فقط لأنهم يحصلون على عوائد تجارية على حساب الولايات المتحدة عملا من أعمال الصداقة. ولقد حدثت نزاعات تجارية خطيرة في الماضي، ولعب الرؤساء الأمريكيون السابقون أحيانا لعبة قاسية مع حلفاء أمريكا بشأن هذه القضايا. لكنهم لم يفعلوا ذلك بشكل متقلب أو استخدموا مبررات “الأمن القومي” المشكوك فيها بشكل واضح لتبرير أعمالهم. لقد أدركوا أيضا أن إلحاق الضرر الاقتصادي المتعمد بالحلفاء يجعل من الصعب عليهم، وليس من السهل، المساهمة في الدفاع المشترك. كما تمسكت الإدارات السابقة بالصفقات التي تفاوضت عليها، وهو مفهوم يبدو غريبا جدا على ترامب.

ثانيا: لم يقل ترامب فقط إن القوى العظمى تستطيع بل وينبغي لها أن تأخذ الأشياء التي تريدها، بل إنه لم يخف طمعه في بعض ممتلكات حلفاء أمريكا. ولا عجب أن ترامب لا ينزعج إذا انتهى الأمر بقضم 20 في المئة من أوكرانيا، نظرا لأنه يريد كل غرينلاند وقد يعيد احتلال منطقة قناة بنما ويعتقد أن كندا يجب أن تتخلى عن استقلالها وتصبح الولاية رقم 51، ويهذي بشأن الاستيلاء على قطاع غزة، وطرد سكانه، ثم بناء بعض الفنادق. قد تبدو بعض هذه التأملات خيالية تماما، لكن النظرة العالمية التي تكشفعنها هي شيء لا يستطيع أي زعيم أجنبي تجاهله.

ثالثا، وهو الأهم، يدعم ترامب وإيلون ماسك وفانس وبقية زمرة ماغا، وبشكل مفتوح القوى الغير ليبرالية في أوروبا. وفي الواقع، يحاولون فرض نظام جديد وشامل على كل أوروبا، وإن كان من دون استخدام القوة العسكرية.

والعلامات واضحة لا لبس فيها: ففيكتور أوربان من المجر ضيف مرحب به في مقر ترامب بـ مار إيه لاغو. كما والتقى فانس بأليس فايدل، الرئيسة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، أثناء وجوده في ميونيخ، وليس مع المستشار الألماني أولاف شولتز، وكان إعلانه أن التحدي الرئيسي لأوروبا هو “التهديد من الداخل” هجوما مكشوفا على النظام السياسي في القارة. ومن المفارقة هنا انتقاد فانس الأوروبيين بسبب سلوكهم المناهض للديمقراطية، بالنظر إلى رفضه الاعتراف بخسارة ترامب لانتخابات عام 2020 أو إدانة المتمردين في 6 كانون الثاني/ يناير 2021.

ولكي لا يتفوق عليه أحد، كان ماسك ينشر اتهاماته الكاذبة والكراهية عن مختلف القادة الأوروبيين، ويدافع عن المجرمين اليمينيين المتطرفين مثل تومي روبنسون، ويجري مقابلات مع فايدل ويعبر عن دعمه لحزبها.

ورغم الخلافات القليلة بين ماغا والجماعات الأوروبية المتطرفة إلا إنها تعارض بشكل عام الهجرة وتنظر بشك بل ومعادية للإتحاد الأوروبي وتنظر للنخبة والإعلام والتعليم العالي كعدو.

ترامب وأتباعه يدعمون الحركات القومية اليمينية المتطرفة الأوروبية التي تشترك معهم في رؤيتهم الأساسية للعالم. إنهم معادون لرؤية أوروبا كنموذج للحكم الديمقراطي

وتعمل معا على إعادة فرض القيم الدينية التقليدية والتفريق التقليدي بين الجنسين، كما وتؤمن بالمواطنة التي يجب أن تعرف بناء على الهوية الإثنية المشتركة أو الأجداد وليس بناء على القيم المدنية المشتركة أو مكان ولادة الشخص.

ومثل أسلافهم من الفاشيين، يشعرون بالراحة بل لديهم المهارة لاستخدام المؤسسات الديمقراطية لتخريب الحكم الديمقراطي وتقوية النظام التنفيذي.

ويعلق والت أن توصيف ريتشمان بمقاله في “فايننشال تايمز” بأن أمريكا أصبحت الآن عدوا لأوروبا، صحيح وإن كان في جزء منه، ذلك لأن ترامب وأتباعه يدعمون الحركات القومية اليمينية المتطرفة الأوروبية التي تشترك معهم في رؤيتهم الأساسية للعالم. إنهم معادون لرؤية أوروبا كنموذج للحكم الديمقراطي والرفاهة الاجتماعية والانفتاح وسيادة القانون والتسامح السياسي والاجتماعي والديني والتعاون عبر الوطني.

وقد يقول المرء حتى إنهم يرغبون في أن تكون لأمريكا وأوروبا قيما متشابهة، لكن المشكلة هي أن القيم التي تدور في أذهانهم غير متوافقة مع الديمقراطية الحقيقية.

ويعتقد ترامب وشركاؤه أن التعامل مع أوروبا كعدو أمر محفوف بالمخاطر، فأوروبا تمثل لهم منطقة متدهورة وغير قادرة على تجميع شتاتها. كما أن تقويض الجهود الرامية إلى تعزيز الوحدة الأوروبية من خلال دعم اليمين المتطرف يجعل من السهل على واشنطن ممارسة سياسة “فرق تسد”. ومن ناحية أخرى، يميل التنمر العلني على البلدان الأخرى إلى تشجيع الوحدة الوطنية والاستعداد الأكبر للمقاومة (كما نرى الآن في كندا)، والفوضى التي أطلقها ترامب وماسك في الولايات المتحدة قد تجعل الأوروبيين حذرين من حدوث تجربة مماثلة داخل قارتهم.

ولا بد من التذكير هنا أن الخطوة الأولى نحو الاندماج الاقتصادي في أوروبا بمنتصف القرن الماضي، جاءت بسبب مخاوف قادة القارة من انسحاب أمريكا في المستقبل القريب وتسليم قيادة أمن قارتهم لهم.

وعلى هذا، كان دمج الصناعات الرئيسية مثل الفحم والصلب بمثابة الخطوة الأولى لبناء الوحدة الاقتصادية والسياسية الكافية لتمكين هذه الدول من الوقوف في وجه الاتحاد السوفييتي دون مساعدة مباشرة من الولايات المتحدة.

ولكن الأخيرة قررت البقاء ودعمت المجموعة الاقتصادية الأوروبية ومن ثم الاتحاد الأوروبي. ويذكرنا التاريخ الباكر بأن احتمال الاضطرار إلى المضي قدما بدون قوة داعمة، كان ذات يوم قوة دافعة قوية وراء المزيد من التعاون الأوروبي. وأخيرا، إذا أصبحت أمريكا الآن عدوا، فيتعين على زعماء أوروبا أن يتوقفوا عن سؤال أنفسهم عما يتعين عليهم القيام به لإرضاء العم سام وأن يبدأوا في سؤال أنفسهم عما يجب عليهم القيام به لحماية أنفسهم.

إذا أصبحت أمريكا الآن عدوا، فيتعين على زعماء أوروبا أن يتوقفوا عن سؤال أنفسهم عما يتعين عليهم القيام به لإرضاء العم سام وأن يبدأوا في سؤال أنفسهم عما يجب عليهم القيام به لحماية أنفسهم

ولو كنت مكانهم، لبدأت بدعوة المزيد من الوفود التجارية من الصين والبدء في تطوير بدائل لنظام سويفت للمدفوعات المالية الدولية. ويتعين على الجامعات الأوروبية أن تزيد من جهود البحث التعاوني مع المؤسسات الصينية، وهي الخطوة التي ستصبح أكثر جاذبية إذا استمر ترامب وماسك في إلحاق الضرر بالمؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة. وينبغي إنهاء اعتماد أوروبا على الأسلحة الأمريكية من خلال إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية. وإرسال الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى قمة البريكس المقبلة والنظر في التقدم بطلب العضوية. وهكذا دواليك.

ولأن كل هذه الخطوات ستكون مكلفة بالنسبة لأوروبا وضارة للولايات المتحدة، فالكاتب لا يريد حدوث أي منها بالفعل. ولكن قد لا يكون أمام أوروبا أي خيار و “رغم أنني اعتقدت لفترة طويلة أن العلاقة عبر الأطلنطي قد تجاوزت ذروتها وأن هناك حاجة إلى تقسيم جديد للعمل، فالهدف كان يقوم على بناء مستوى عال من الصداقة عبر الأطلنطي بدلا من تشجيع العداء المفتوح. وإذا حولت الثورة الدبلوماسية لترامب 450 مليون أوروبي من كونهم من أقوى حلفاء أمريكا إلى أعداء يحملون المرارة والسخط ويبحثون بشكل متزايد عن طرق لعرقلة الولايات المتحدة، فعلينا ألا نلوم سوى أنفسنا، أو على وجه التحديد، الرئيس الحالي”.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار