باريس- “القدس العربي”: تحت عنوان “غزة: ماكرون يسعى إلى التقارب مع الدول العربية للضغط في مواجهة ترامب ونتنياهو”، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أنه إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، دعا الرئيس الفرنسي إلى استئناف فوري للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وإلى إعادة تفعيل وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”، وأعاد التأكيد، رغم كل شيء، على حل الدولتين. وفي الوقت الذي التقى فيه بنيامين نتنياهو بدونالد ترامب في واشنطن، حرص إيمانويل ماكرون على التعبير عن موقف مغاير بخصوص مصير القطاع الفلسطيني، وذلك خلال زيارته إلى مصر، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية.
مقرب من ماكرون: مصر والأردن دولتان في سلام مع إسرائيل، يجب دعمهما لإظهار أن هناك شركاء للسلام في المنطقة
استُقبل الرئيس الفرنسي بإطلاق طلقات مدفعية، وبدأ زيارته بلقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في مقر الرئاسة بالقاهرة. ثم تناول الرجلان الغداء مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، حيث ناقشوا موضوعين عاجلين: استئناف إيصال المساعدات الإنسانية، وإنهاء القتال في الأراضي الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، بعد ثلاثة أسابيع من خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار، تُشير الصحيفة الفرنسية.
عقب الاجتماع، اتصل الثلاثي الفرنسي العربي بدونالد ترامب لعرض مواقفهم، قبيل استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض. وتناولت المحادثة، بحسب الإليزيه، “سبل تأمين وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مع التأكيد على ضرورة إعادة فتح المجال بشكل كامل أمام إيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين”. وأكد القادة الثلاثة “على ضرورة تهيئة الظروف لمستقبل سياسي حقيقي، وحشد الجهود الدولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، واستعادة الأمن والسلام للجميع، وتطبيق حل الدولتين”.
رفض خطة ترامب
رغم أن الرسالة ليست جديدة، إلا أن الخطوة التي اتخذها الرئيس الفرنسي تعكس الشعور بالإلحاح الذي ساد منذ استئناف القتال في قطاع غزة في 18 مارس، بعد هدنة استمرت شهرين ونصف بين إسرائيل و”حماس”. قرار استأنفته إسرائيل بدعم من دونالد ترامب، متجاهلة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه تحت ضغط من الرئيس الجمهوري، قبيل عودته إلى السلطة.
ترى باريس أن الحكومة الإسرائيلية أصبحت تملك، أكثر من أي وقت مضى، حليفاً سياسياً وأيديولوجياً في واشنطن يدفعها نحو التشدد، سواء في الملف الإسرائيلي الفلسطيني أو حتى في البرنامج النووي الإيراني، حتى لو أدى ذلك، كما في حالة روسيا وأوكرانيا، إلى تجاهل المواقف الأوروبية. ومن هنا، يسعى إيمانويل ماكرون إلى إعطاء دفعة لشكل من أشكال التقارب الدبلوماسي بين العواصم العربية والأوروبية- على الأقل لندن وبرلين وباريس- لمحاولة ممارسة الضغط في مواجهة الثنائي الإسرائيلي الأمريكي، تقول صحيفة لوموند.
وتنقل الصحيفة عن أحد المقربين من الرئيس الفرنسي، قوله: “مصر والأردن دولتان في سلام مع إسرائيل. يجب دعمهما لإظهار أن هناك شركاء للسلام في المنطقة”، وقد “أشاد ماكرون بالجهود المضنية التي تبذلها مصر” كوسيط للهدنة إلى جانب قطر والولايات المتحدة. كما سعى إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية والأكاديمية والثقافية مع مصر، من أجل المساهمة في استقرار البلاد، دون التركيز علنًا على قضايا حقوق الإنسان. ورغم عدم توقيع أي عقود، فقد زار مع نظيره المصري خط مترو أنفاق أنشأته شركة “ألستوم” وتديره شركة “RATP”، بعد جولة سابقة لهما في سوق القاهرة والمتحف القومي الجديد.
إلى جانب ماكرون، شدد الرئيس السيسي على “الوضع المأساوي” في قطاع غزة، بعد مرور 18 شهراً على هجمات “حماس” ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. كما أكد السيسي والملك عبد الله رفضهما التام لأي “تهجير للفلسطينيين”، وذلك في رد على “خطة ترامب” الرامية إلى إجلاء جزء كبير من سكان غزة لتحويل القطاع إلى “كوت دازور الشرق الأوسط” بعد إعادة إعماره. وهي خطة قد تنتهي- بحسب تصريحات ترامب أمام نتنياهو- إلى ضم الولايات المتحدة للقطاع. وقال السيسي: “لن يتحقق السلام بدون حل عادل للشعب الفلسطيني”، في محاولة لمواجهة الطرح الأمريكي المثير للجدل.
إصلاح السلطة الفلسطينية
من جهته، شدد إيمانويل ماكرون على “الرؤية المشتركة للوضع في المنطقة، والتي توحدنا”. وأضاف: “ندين استئناف الضربات الإسرائيلية على غزة (…) ولا يمكن تحقيق الاستقرار الإقليمي إلا من خلال حل سياسي”.
ومع ذلك، فإن باريس تدعم، دون حماسة كبيرة، خطة إعادة الإعمار التي اعتمدتها جامعة الدول العربية في 4 مارس بمبادرة من مصر. ووصف ماكرون هذه الخطة بأنها “طريق واقعي لإعادة إعمار غزة”، رغم أن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا هذه المبادرة العربية رفضاً قاطعاً، والتي تقدر كلفتها بأكثر من 50 مليار دولار لإعادة إعمار القطاع في غضون خمس سنوات. وترى باريس، إلى جانب لندن وبرلين وروما، أن نزع سلاح “حماس” يجب أن يترافق مع هذه الخطة، في أمل ضعيف لطمأنة إسرائيل وإقناع الولايات المتحدة.
وبالمثل، تصر فرنسا على ضرورة إصلاح وتجديد السلطة الفلسطينية، حتى تتمكن يوماً ما من العودة لإدارة قطاع غزة.
وأكد ماكرون والسيسي وعبد الله “أن الحكم والحفاظ على النظام والأمن في غزة، وفي جميع الأراضي الفلسطينية، يجب أن يكون تحت إشراف سلطة فلسطينية معززة، بدعم إقليمي ودولي قوي”، توضّح صحيفة لوموند.
وعلى هذا الأساس، تأمل باريس في التحضير لمؤتمر أممي أعلنت عنه في يونيو، قبل أو بعد قمة مجموعة السبع في كندا، بهدف “خلق أفق سياسي واضح لتنفيذ حل الدولتين”. وبينما يبدو هذا “الأفق” غامضاً للغاية، من المقرر أن يترأس الرئيس الفرنسي هذا المؤتمر إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وحتى ذلك الحين، تواصل فرنسا دراسة إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم أن هذا الاحتمال يبدو اليوم أكثر غموضاً مما كان عليه قبل نهاية ولاية جو بايدن.
ومن المقرر أن يتوجه ماكرون والسيسي، اليوم الثلاثاء، إلى ميناء العريش المصري، على بعد 50 كيلومتراً من معبر رفح، جنوب قطاع غزة. وكانا سيقابلان فلسطينيين، بالإضافة إلى عمال إغاثة من منظمات غير حكومية والأمم المتحدة، وهي منظمات ما تزال شحناتها الإنسانية إلى القطاع عالقة حتى الآن.