الناصرة- “القدس العربي”: شهدت إسرائيل، في الليلة الفائتة، مفاجأتين شكّلتا صفعة لحكومتها ورئيسها نتنياهو، الأولى من واشنطن بإعلان ترامب عن وقف القصف الأمريكي في اليمن، والثانية من برلين على لسان المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، بقوله: “إننا قلقون مما تفعله إسرائيل داخل غزة”.
بعد ثلاثة أيام من الصاروخ على مطار بن غوريون في تل أبيب (مطار اللد)، وبعد ساعات من تدمير طائرات إسرائيلية لمطار صنعاء، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن بلاده ستوقف ضرباتها للحوثيين، بعدما أعلنوا أنهم لن يستهدفوا السفن الأمريكية، والكفّ عن مقاتلتنا، “لكنني أعتمد على كلمتهم، وعلى خضوعهم”.
ولاحقًا سُئل ترامب: هل، وكيف سيؤثّر استمرار الحوثيين في قصف إسرائيل على اتفاق الولايات المتحدة معهم؟ فاكتفى بالقول: “لا أعرف عن ذلك.. ما أعرفه أنهم لن يتعاملوا معنا”.
ترامب متقلّب المزاج، ربما يبحث عن هدنة مع الحوثيين فقط ريثما تنتهي زيارته المرتقبة الوشيكة للمنطقة بهدوء
وجاء هذا التوضيح ليزيد المفاجأة، فترامب عمليًا يفرّق بنفسه بين الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، في هذه الحالة التي تعني اضطرار الأخيرة للرد وحدها على صواريخ الحوثيين في حال استمرت، بعدما عوّلت على القصف الأمريكي الواسع.
وعقّب وزير الشتات في حكومة الاحتلال عاميحاي شيكلي، بالقول، للإذاعة العبرية الرسمية صباح اليوم الأربعاء، إن تصريح ترامب لا يمسّ بمصالح إسرائيل. وعلّل موقفه الرسمي بالقول: “للولايات المتحدة مصالحها، ولنا مصالحنا، والخلافات بيننا حول الطريق لمنع إيران من حيازة سلاح نووي أمر شرعي”.
من جهتهم، سارع قادة الحوثيين للتوضيح أنهم يميّزون بين القتال مع الولايات المتحدة ومواصلة نصرتهم لغزة، بل قال ناطقون بلسانهم إنهم سيردّون على التصعيد بالتصعيد: العين بالعين، والسنّ بالسنّ.
ربما تسخر أوساطٌ عربية أيضًا من تهديدات الحوثيين لإسرائيل، لحدّ اعتبار حزام الأسد “الصحّاف اليمني”، بيد أن صواريخ الحوثيين تشكّل وجع رأس وإرباكاً لإسرائيل، سيزداد في حال فعلاً توقفت الولايات المتحدة عن هجماتها في اليمن.
فيكفي أن يسقط صاروخ، أو عدد من الصواريخ، على الأرض، كما حصل في مطار بن غوريون قبل أيام، ويصيب هيبة وصورة إسرائيل وحكومتها، وربما يؤدي إلى خسائر بالأرواح، علاوة على الخسائر الاقتصادية.
نتنياهو، ضمن حساباته الفئوية غير المتطابقة مع مصالح إسرائيل، مستفيد من أجواء الحرب المستمرة على عدة جبهات، وذلك للهرب من لجنة تحقيق رسمية، والبقاء في الحكم، وربما في التاريخ، لكن الأضرار تطال المصالح الإسرائيلية العليا من عدة نواحٍ جراء استمرار هذا النزيف.
وتجلّى غضب إسرائيل من مثل هذا الاتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين، بوساطة عمان، بتصريح غاضب انفعالي على لسان رئيس حكومتها نتنياهو في الليلة الفائتة، بتهديد يناسب رئيس قبيلة لا رئيس وزراء، قال فيه إن إسرائيل ستنتقم وترد: “العين بالعين، والسنّ بالسنّ” على كل من يهاجمها.
ينطوي تصريح نتنياهو هذا على خيبة أمل من سلوك أمريكي لا يأخذ بالحسبان إسرائيل، بل يباغتها علانية، وهذا يشكّل مكسبًا معنويًا بالنسبة للحوثيين هذه المرة، وفق مصادر إسرائيلية أيضًا.
انتصار للحوثيين
ويعبّر مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، عن حقيقة الموقف الإسرائيلي بعد كشف ترامب عن الاتفاق مع الحوثيين، وسط تجاهل لإسرائيل، بقوله- المخالف لقول شيكلي- إن اتفاق واشنطن مع الحوثيين يمسّ بإسرائيل، وإن هناك أمورًا مقلقة تحدث، وإن جهات إسرائيلية رسمية أيضًا فوجئت من موقف الإدارة الأمريكية مجددًا.
ويعلّل آيلاند ذلك بالقول، للإذاعة العبرية الرسمية اليوم، إن عدو الولايات المتحدة الحقيقي هو اليمن الدولة، لا الحوثيين، لأنها تهدد الملاحة العالمية في البحر الأحمر.
ويضيف: “هذه ليست منظمة بل دولة. لم تهاجم أمريكا اليمن، بل اكتفت بمهاجمة الحوثيين، والعالم ومنظماته الإنسانية يواصل تقديم يد المساعدة لليمن، بدلًا من فرض حصار على كل الدولة اليمنية، وهذا انتصار كبير للحوثيين، فواشنطن تراجعت عن مواجهة تنظيم إرهابي، وهذا يُلحق ضررًا بإسرائيل وبمصر”.
معتبرًا أن صمت واشنطن على مواصلة الحوثيين استهداف سفن تتجه لإسرائيل أمرٌ غريبٌ عجيبٌ جدًا، وأن ما يجري هو حضيض في العلاقات بين إسرائيل وأمريكا، التي باتت لا ترانا، ولا تعدّنا، وتعمل دوننا، ومن خلف ظهرنا، كما جرى ويجري مع إيران.
وسبق أن فاجأ ترامب نتنياهو في البيت الأبيض، وعاد وفاجأ بحديثه عن وجود 21 محتجزًا حيًا فقط داخل غزة، ما يزيد حالة الحرج والإرباك، إذ إن مسؤول ملف الأسرى والمفقودين ألون نيتسان عاد وأكد اليوم أن عدد الأحياء هو 24 محتجزًا.
وردًّا على سؤال، أوضح آيلاند أن إسرائيل لا تستطيع الاستنكاف عن مهاجمة الحوثيين في حال تعرّضت من جديد لهجماتهم، بيد أنها لا تملك القدرة على إسكاتهم، ولا حتى ردعهم، خاصة بعد نجاحهم الأخير مع الولايات المتحدة.
ولذا، نحن على موعد مع تجدّد تبادل الضربات بيننا وبين الحوثيين.
وربما يتجدّد القصف الأمريكي في اليمن، لأن ترامب متقلّب المزاج، وربما يتعرّض لضغوط اللوبيات الصهيونية، وربما لأنه يبحث عن هدنة فقط مع الحوثيين، ريثما تنتهي زيارته المرتقبة الوشيكة للمنطقة بهدوء، ودون إرباك له ولمضيفيه في الخليج، وهذا يُفسّر تصريحاته الأخرى، إضافة لتصريحات ويتكوف عن صفقة محتملة.
هآرتس: القرار الإسرائيلي بتوسيع نطاق القتال في غزة قرار واعٍ بالتنازل عن الرهائن، وتعميق الكارثة الإنسانية التي تفرضها إسرائيل على مليوني أعزل
برلين قلقة
وجاءت مفاجأة أخرى في ذات الليلة من برلين، بتصريحات لمستشار ألمانيا الجديد، فريدريش ميرتس، زعيم حزب المحافظين، عن أن ما تفعله إسرائيل في غزة يقلقنا.
وتُعتبر هذه مفاجأة ألمانية غير سارة بالنسبة لإسرائيل، كون التصريحات تأتي من دولة صديقة مدافعة دائمة عنها لاعتبارات مختلفة، وكونه هو شخصيًا “صديقاً بارزاً لإسرائيل واليهود”، وسبق أن زارها غداة السابع من أكتوبر، وشدّد على حقها في الدفاع عن النفس، خاصة أنه، ورغم اللغة الدبلوماسية الحذرة، قال أيضًا، في الليلة الفائتة، إن على إسرائيل احترام التزاماتها وفقًا للقانون الدولي، وكذلك إدخال المساعدات الإنسانية.
ورغم أن ميرتس، في تصريحاته الجديدة كمستشار، يبرّر استمرار الحرب على غزة من جهة، ومن جهة أخرى يدعو إلى وقف الحصار، فإن تصريحاته تشجع ضغوطًا دولية لوقف التجويع والمذابح اليومية بحق المدنيين في غزة، ورفع الحصار، وإدخال الغذاء والدواء والماء للغزيين، وهذا ما تطالب به صحيفة “هآرتس” العبرية في افتتاحيتها اليوم الأربعاء.
تؤكد “هآرتس” أن القرار الإسرائيلي بتوسيع نطاق القتال في غزة يحمل معنى واضحًا: قرار واعٍ بالتنازل عن الرهائن، وتعميق الكارثة الإنسانية التي تفرضها إسرائيل على مليوني مدني أعزل، على أمل لا أساس له من الصحة في إمكانية “نقلهم”- أي النقل الإجرامي- ومحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن وجه الأرض.
وتتابع: “لقد فقدت الحكومة التي يرأسها بنيامين نتنياهو السيطرة، وهي تجرّ دولة بأكملها إلى الضياع. ينبغي لإسرائيل أن تتصرف على العكس تمامًا؛ إدخال المساعدات الإنسانية على الفور إلى غزة على نطاق واسع، الأمر الذي من شأنه أن يُنهي المجاعة، ويوقف قتل المدنيين، ويوقف هذه الحرب العبثية. من أجل تعزيز صفقة شاملة حقيقية، يتم في إطارها انسحاب الجيش من قطاع غزة مقابل إعادة المختطفين. لا ينبغي أن تستمر هذه الحملة من الدمار والموت”.
عمّان قلقة أيضاً
وكشفت الإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، أن عمّان أيضًا قلقة من استمرار المجاعة داخل القطاع، ومن احتمال تصعيد إسرائيل حربها عليه، منوّهة إلى زيارة خاطفة قام بها، في الليلة الماضية، إلى الأردن، الجنرال غسان عليان، منسق شؤون الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وقالت الإذاعة العبرية، في كشفها هذا، إن الأردن معنيّ بإدخال غذاء إلى غزة، وقلق من تصعيد الحرب، مذكّرة بأن العاهل الأردني كان ذات مرة يفاخر بمشاركته في إدخال المعونات الإنسانية عبر المروحيات، واليوم يقف دون ذلك.